هل أصبحت أيام الرئيس التركي أردوغان في الحكم معدودة؟
فيما تستعد تركيا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في 24 حزيران/يونيو، يعتقد كثرٌ أن هذه الانتخابات هي الفرصة الأخيرة لإنعاش الديمقراطية التركية التي انزلقت نحو السلطوية في عهد حزب العدالة والتنمية. ونظراً إلى القبضة التي تمارسها الحكومة الراهنة على الإعلام، وقوى الأمن، والقضاء، قلةٌ تشعر بالتفاؤل حيال الأجواء السياسية وأوضاع الديمقراطية في البلاد.
لكن على الرغم من كل هذه المعوّقات، تسعى أحزاب المعارضة إلى أن تُبيِّن للناخبين أنها تشكّل بدائل حيوية لحزب العدالة والتنمية الحاكم. في حال استمرت هذه النزعة، قد تتعرض حكومة حزب العدالة والتنمية لضغوط كي تتخلى عن سياساتها غير الليبرالية، وإلا تخسر شريحة كبيرة من القاعدة الداعِمة لها.
واجه حزب العدالة والتنمية ثلاثة أحزاب معارِضة رئيسة منذ بداية ولايته في العام 2002: حزب الشعب الجمهوري العلماني المنتمي إلى يسار الوسط، وهو الحزب المعارِض الأكبر؛ وحزب الحركة القومية اليميني؛ وحزب الشعوب الديمقراطي اليساري المقرّب من الأكراد. خلال الأعوام الستة عشر المنصرمة، تمكّن حزب العدالة والتنمية من الحصول على الدعم الانتخابي من مجموعة كبيرة بما فيه الكفاية من الناخبين المحافظين المنتمين إلى يمين الوسط، لا سيما بسبب تردّد أحزاب المعارضة في تليين خطوطها الأيديولوجية المتصلّبة.
على سبيل المثال، كان حزب الشعب الجمهوري، حتى الآونة الأخيرة، من أقوى المدافعين عن اعتماد سياسات ذات طابع علماني شديد، مثل حظر الحجاب في الجامعات والمؤسسات العامة، على الرغم من معارضة الغالبية الساحقة من الأتراك لهذا الحظر. كذلك، كان يُعرَف عن حزب الشعب الجمهوري، على الرغم من خطابه اليساري، أنه حزب المواطنين الأثرياء والنخبويين.
الابتعاد عن التشظي العلماني
لقد ركّزت الأحزاب الموالية للأكراد، في شكل أساسي، على الناخبين الأكراد لسنوات عدّة، غير أن هذه المقاربة بدأت بالتبدّل تدريجاً بعد تأسيس حزب الشعوب الديمقراطي في العام 2012. على النقيض، استند خطاب حزب الحركة القومية، في الجزء الأكبر منه، إلى السياسات المناهضة للأكراد وللإرهاب، وافتقر إلى مقترحات فعلية في السياسات حول مسائل أساسية أخرى.
منذ أعلن حزب الحركة القومية عن تشكيل ائتلاف ما قبل انتخابي مع حزب العدالة والتنمية في نيسان/أبريل 2018، لم يعد جزءاً من المعارضة. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد تساهم في تعزيز الدعم لحزب العدالة والتنمية داخل البرلمان، إلا أن استطلاعات الرأي تُظهر أن حزب الحركة القومية لم ينقل سوى نصف القاعدة الداعِمة له من المعارضة إلى ضفة الحكومة.
وبدلاً من ذلك، ظهر حزبان جديدان إلى جانب حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي في موقع الأطراف المعارِضة المهمة، وهما: الحزب الصالح (حزب Iyi) الذي أبصر النور حديثاً، وحزب السعادة المحافظ دينياً.
في مؤشر مهم، تكشف هذه الأحزاب عن بوادر اعتدال أيديولوجي، الأمر الذي يجب أن يُتيح لهازيادة أصواتها إلى أقصى حد واقتطاع حصّة من الشريحة الواسعة من الناخبين المنتمين إلى يمين الوسط الذين يدعمون راهناً حزب العدالة والتنمية.
على سبيل المثال، رشّح حزب الشعوب الديمقراطي المقرّب من الأكراد والمنتمي إلى أقصى اليسار، أشخاصاً من يسار الوسط، مثل أحمد شيك، وهو صحافي ذائع الصيت سجنته الحكومة مرتَين على خلفية التقارير التي أعدّها خلال الأعوام القليلة الماضية. كذلك، أعلن حزب الشعب الجمهوري المنتمي إلى يسار الوسط أن مرشّحه للرئاسة هو محرم إينجه، وهو أستاذ سابق في التعليم الثانوي ينتمي إلى أسرة محافظة من الطبقة الوسطى في يالوفا، وهي مقاطعة صغيرة في الأناضول.
يرتدي العديد من أفراد عائلته المقرَّبة (بما في ذلك والدته) الحجاب، وقد نشر حزب الشعب الجمهوري صوراً لعائلة إينجه عبر وسائل الإعلام في إطار حملته الانتخابية أملاً بتغيير النظرة التي تعتبر أن الحزب شديد العلمانية. وتعهّد إينجه أيضاً بأن حزبه لن يحاول أبداً إعادة العمل بحظر الحجاب. ومن أصل 6000 مقعد نيابي على المحك في مختلف أنحاء البلاد، احتفظ حزب الشعب الجمهوري أيضاً بتسعة ترشيحات لحزب السعادة المحافظ دينياً.
في حين أن الهدف من هذه الخطوة هو، في شكل أساسي، تقديم البرهان للناخبين بأن الحزب لم يعد مناهضاً للدين، إلا أن الحزب يتوقّع في المقابل أن يمنحه حزب السعادة الدعم في حال وصول مرشحه الرئاسي إلى الجولة الثانية من التصويت. ثمة احتمالٌ كبير بأن تساهم هذه الحملة الانتخابية في الحد من السمعة السلبية القديمة التي ألصقت بحزب الشعب الجمهوري صفة الحزب العلماني والنخبوي المتشدد، أقلّه في أوساط شريحة من الناخبين..
تعزيز الديمقراطية والحريات الفردية
انشقّ الحزب الصالح عن حزب الحركة القومية، وقد أسّسته وزيرة الداخلية السابقة ميرال أكشنير في تشرين الأول/أكتوبر 2017 بعدما رفض حزب الحركة القومية مسعاها للترشح لرئاسة الحزب، وتُبيِّن استطلاعات الرأي أن الحزب الصالح اجتذب معه نحو نصف الدعم الذي كان الناخبون يمنحونه سابقاً لحزب الحركة القومية. لكن على النقيض من الحركة القومية، لا يستند الحزب الصالح في خطابه حصراً إلى السياسات المناهضة للأكراد، حتى إن أكشنير أبدت، في 15 أيار/مايو، دعمها للإفراج عن المرشح الرئاسي المنتمي إلى حزب الشعوب الديمقراطي المقرّب من الأكراد، صلاح الدين دميرطاش، الذي يمضي حكماً بالسجن.
كذلك وعد الحزب الصالح، في برنامجه الحزبي، بتعزيز الديمقراطية والحريات الفردية، وتحقيق مزيد من التنمية الاقتصادية المناطقية في جنوب شرق تركيا (حيث تقطن أكثرية كردية). بالمثل، وعلى الرغم من أن حزب السعادة ينطلق من التقليد المحافظ دينياً المعروف بـ"النظرة الاستشرافية الوطنية"، شأنه في ذلك شأن حزب العدالة والتنمية، إلا أن رئيس الحزب ومرشحه للرئاسة، تمال قره ملا أوغلو، أعلن مراراً وتكراراً أنهم ليسوا إسلاميين سياسيين. لا بل شدّد على أنه يريد أن يتم التعريف عنه ببساطة بأنه مسلم. ولفت أيضاً إلى أنه على الرغم من أهمية الحؤول دون فرض حظر جديد على الحجاب، إلا أن مسائل أخرى على غرار التعليم تُعتبَر محورية بالدرجة نفسها بالنسبة إلى تركيا.
إلى جانب هذا التحوّل نحو الوسط، شكّلت أحزاب المعارضة تحالفات استراتيجية في ما بينها من أجل التصدّي للتكتيكات الانتخابية التي يستخدمها حزب العدالة والتنمية. على سبيل المثال، أراد حزب العدالة والتنمية قطع الطريق أمام الحزب الصالح الذي أنشئ حديثاً، ومنعه من الترشح في الانتخابات البرلمانية، فاستعان بتنظيمات انتخابية تفرض أن يكون للحزب 20 نائباً في البرلمان الحالي كي يتمكّن من الترشح، أو أن يكون الحزب قد عقد مؤتمراً حزبياً ضمن فترة الستة أشهر السابقة للانتخابات – غير أن الحزب الصالح لم يكن قادراً على تنظيم مثل هذا المؤتمر ضمن هذه المهلة الزمنية القصيرة.
لكن في خطوة مفاجئة وربما غير مسبوقة، طلب الحزب المعارِض الأساسي (حزب الشعب الجمهوري) من 155 من أعضائه الانضمام مؤقتاً إلى النواب الخمسة المنتمين إلى الحزب الصالح كي يتمكّن هذا الأخير من تلبية الحد الأدنى المطلوب من عدد النواب في المجلس الحالي من أجل الترشح في الانتخابات.
فضلاً عن ذلك،حشد حزب الشعب الجمهوري الآلاف من داعميه لمؤازرة مرشحَي الحزب الصالح وحزب السعادة للرئاسة، كي يحصدا عدد التواقيع المطلوب، وهو مئة ألف توقيع، من أجل الحصول على أهلية الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. لقد ساهمت هذه الاستراتيجيات في تحسين العلاقات بين النخب وأنصار الأحزاب المعارِضة، ومن شأنها أن تسهّل التعاون الانتخابي لإقصاء الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان في جولة ثانية مرجّحة من التصويت.
أخيراً، وخلافاً للانتخابات الرئاسية السابقة، اختار كل واحد من الأحزاب المعارِضة مرشحه للرئاسة من بين كبار الشخصيات القيادية في الحزب، ما منح زخماً للأنصار.
الناخبين المترددين والمستقلين وغير المسيَّسين
ويبدو أن المعارضة تعلّمت الدرس من الانتخابات الرئاسية في العام 2014، عندما رشّح حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية أكمل الدين إحسان أوغلو، وهو شخصية غير حزبية، للرئاسة، وقدّماه كمرشّح وحدة، لكنه فشل في نهاية المطاف في بث الزخم والحماسة لدى قاعدة الأنصار الأساسية في الحزبَين. فحقق حزب العدالة والتنمية النصر من الجولة الأولى بسبب تدنّي نسبة الاقتراع لدى أنصار المجموعات المعارِضة.
والأهم من ذلك، في حال فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على خمسين في المئة من الأصوات في الجولة الأولى من الجولتَين الانتخابيتين المقررتين، من شأن المرشحين الحاليين – محرم إينجه من حزب الشعب الجمهوري، وميرال أكشنير من الحزب الصالح، وتمال قره ملا أوغلو من حزب السعادة – أن يدعموا مرشح المعارضة الذي يصمد للجولة الثانية.
مع ذلك، ينبغي على أحزاب المعارضة توسيع نطاق حملاتها الانتخابية. ففي حين أن الاعتدال والتعاون هما خطوتان أوليّتان مهمتان للأغراض الانتخابية، إلا أنهما غير كافيتَين. فالحملات التي تقودها هذه الأحزاب تقتصر في الوقت الراهن على التجمّعات (التي تُبَثّ عادةً في نقل مباشر عبر صفحات المرشحين على مواقع التواصل الاجتماعي)، وتعبئة القواعد الداعِمة، وزيارة الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم في المحافظات. لكن بالإضافة إلى هذه التكتيكات، يتعيّن على المرشحين للرئاسة الإعلان عن أسماء بعض الأشخاص الذين يقترحونهم لتسلّم حقائب وزارية في حال فوزهم بالرئاسة.
وعلى سبيل المثال، نظراً إلى الهبوط غير المسبوق في قيمة الليرة التركية خلال الأسبوع المنصرم ومجمل المشكلات الماكرو اقتصادية التي يُتوقَّع حدوثها في المستقبل، قد يستقطب فريقٌ من الخبراء الواعدين في المجال الاقتصادي، شرائح واسعة من الناخبين الذين يعانون جراء التغييرات في سعر الصرف. وحتى الساعة، لم يعلن أيٌّ من مرشحي المعارضة للرئاسة عن اسم مرشحه لمنصب نائب الرئيس، مع العلم بأنه بإمكان المرشحَين أن ينظّما تجمعات بصورة مشتركة في أكثر من محافظة.
إذا تمكّنت حملات المعارضة من الوصول إلى الناخبين المترددين والمستقلين وغير المسيَّسين، وإقناعهم قبل موعد الانتخابات، فقد تنجح الأحزاب المعارِضة في زيادة الدعم الشعبي لها. وفي نهاية المطاف، إما يدفع ذلك بحزب العدالة والتنمية إلى التخفيف من حدّة سياساته السلطوية، وإما يؤدّي إلى إخراج أردوغان من الرئاسة.
عبدالله أيدوغان
* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.
عبدالله أيدوغان عالِم بحثي في معهد بايكر للسياسة العامة في جامعة رايس، يركّز على الدمقرطة والمؤسسات السياسية في الشرق الأوسط. لمتابعته عبر تويتر abdaydgn@