الصحفي الفلسطيني...رهين السلطتين
بعد اعتقال دام لمدة أسبوعين في سجون أمن السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية؛ أُطلق سراح الصحفيين الخمسة الذين يعملون بمواقع إلكترونية معارضة للسلطة وموالية لحماس دون الكشف على الفور عن أسباب اعتقالهم. وقال أحد المعتقلين، قتيبة قاسم، صحفي حُرّ من بيت لحم، بعد إطلاق سراحه بأنّه: "لم توّجه له اتهامات محددة" مردفاً بأنّه "ربما اعتُقل على خلفية سياسية بعد أن وجهت له قوات الأمن استدعاءات متكررة".
وضغطت السلطة في رام الله باعتقالها للصحافيين الخمسة على حكومة حماس لإجبارها على إطلاق سراح الصحفي فؤاد جرادة الذي يعمل مراسل تلفزيون "فلسطين" من غزة، حيث قامت أجهزة حماس باعتقاله لمدة شهرين قبل أن تُطلق سراحه في منتصف آب/ أغسطس 2017، حينها وبالمقابل أطلقت سلطة رام سراح الصحفيين الخمسة، وهم: ممدوح حمامرة ويعمل مراسلاً لفضائية القدس والصحفي قتيبة صالح قاسم، ويعمل كصحفي حر، وكلاهما من بيت لحم، والصحفي طارق عبد الرازق أبو زيد من مدينة نابلس ويعمل مراسلاً لفضائية الأقصى، والصحفي عامر عبد الحليم أبو عرفة من الخليل ويعمل مراسلاً لوكالة شهاب الإخبارية. كما تمّ اعتقال الصحفي محمد أحمد حلايقة من مدينة الخليل أيضاً، ويعمل مراسلاً لفضائية القدس.
يُعرَف أن حماس لا تمانع في احتجاز الرهائن، بيد أنّ أجهزة أمن السلطة الفلسطينية المدربة من قِبل الاتحاد الأوروبي وأمريكا بدأت هي أيضاً تلجأ لأساليب المافيات لابتزاز والضغط على قادة حماس. في هذا السياق يصف شعوان جبارين، مدير مؤسسة الحق "الاعتقالات التعسفية التي يقوم بها الطرفان تحت ذرائع عشوائية بالجريمة التي لا توصف".
وفي ظلّ هذه الظروف، يعاني الصحفيون المستقلون وغير المستقلين من التضييق عليهم وعدم تمكنهم من إنجاز تقارير صحافية مستقلة. فقد شرّع القانون المثير للجدل -الذي أصدره الرئيس محمود عباس لملاحقة ما يُسمّى بـ"الجرائم الإلكترونية"- لذرائع الاعتقال التعسفي، إذ لم يُحدد القانون بشكل واضح معايير "خطاب الكراهية" ولم يرسم أيضاً الحدود الفاصلة بين خطاب الحرية وبين التحريض على ارتكاب الجرائم، ممّا خلق معضلة النشر على المواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي (السوشال ميديا). وبشكل اعتباطي أشار القانون أن كلّ ما يُنشر على الإنترنت ويهُدّد النظام العام أو يُعرّض الوحدة الوطنية للخطر قد تُعرّض صاحب المنشور لاعتقال لمدة عام، وقد صدرت حتى الآن تهديدات قانونية بعقوبات قصوى تطال حياة الأفراد.
فضلاً عن الذرائع والاتهامات المبهمة، يمنح هذا القانون صلاحيات طويلة المدى لأجهزة الأمن بالتجسس على الأفراد، فقد ورد بأنّ مزودي الإنترنت ملزمون وفقا للقانون بالاحتفاظ ببياناتهم لمدة ثلاث سنوات من أجل مشاركتها مع تلك الأجهزة، دون مراعاة للخصوصية الفردية أو حمايتها.
"يتنافى هذا مع حرية التعبير والإعلام"، كما يقول جبارين، مردفاً أن "حماس لا تهتم بصورتها فيما يتعلق بالحريات، لكنّ السلطة في رام الله والتي تعتبر نفسها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين لا تزال دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة وعليها أن تلتزم بالاتفاقيات الدولية.
إلى جانب ذلك، لا يُنسى الصراع بين عباس والقيادي السابق محمد دحلان والذي ظهر كمنافس له. وكمحاولة من السلطة للتضييق عليه وعلى حماس قامت في يونيو/ حزيران 2017 بحجب 30 موقعاً إلكترونياً بزعم أنّها تتعاطف مع الجهتين.
وأشارت مسؤولة الإعلام والثقافة وعضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي قائلةً: "نحن نشهد تآكلاً لحقوقنا الأساسية"، وتؤكد أنّ "الاحتلال الإسرائيلي أحد أسباب هذا التدهور". وتعقبّ مضيفةً: "لكنْ لا يمكننا أيضا أن نتجاهل المشاكل الداخلية مثل سنّ القوانين من دون رقابة برلمانية".
على أية حال، تعتقد عشراوي أنّ قانون الجرائم الإلكترونية "غير مقبول ولا يتوافق مع الاتفاقيات التي وقعتها السلطة سابقاً"، وعبّرت عضوة اللجنة التنفيذية عن موقفها بشكل صريح بشأن القانون خلال اجتماع لممثلي المجتمع المدني والسلطة الفلسطينية وأمام الادعاء العام، وتمّ الاتفاق بنهايته على التوصية إمّا بإلغاء القانون أو إعادة صياغته مجدداً. ويرتبط تنفيذ التوصية بقرار يصدر عن الرئيس عباس.
يقول الناشط الحقوقي جبارين إنّ "السلطة تضاهي وتحاكي أنظمة القمع العربية المجاورة"، وعبّر عن قلقه بقوله إن "الحيز السياسي والحريات التي يتمتع بها الفلسطينيين بالضفة بدأ يتقلّص تدريجياً". وأظهر استطلاع رأي قام به معهد الإعلام الفلسطيني "مدى" بأنّ "(80 بالمئة) من الصحفيين أقروا بأنهم يلتزمون بالرقابة الذاتية ويعتبرونها ضرورية".
ترجمة: وصال الشيخ
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017
[embed:render:embedded:node:23232]