"علمانية في الفكر ومسلمة في القلب"
يقع حمَّام النساء التابع لجمعية التضامن النسوي في وسط مدينة الدار البيضاء؛ وهو حمَّام حديث مع صالون حلاقة ومركز للياقة البدنية. والشابة نوال التي يبلغ عمرها عشرين عامًا وتعمل في هذا المركز، لم تكن تثق بنفسها دائمًا مثلما هي الآن. فقبل ثلاثة أعوام عندما حملت قبل فترة قصيرة من حصولها على شهادة الدراسة الثانوية، وانهار العالم بالنسبة لهذه الفتاة التي كان آنذاك عمرها سبعة عشر عامًا. عن هذا تقول نوال: "الناس لا يتقبَّلون المرأة عندما يعلمون أنَّ لديها طفلاً من دون أن تكون متزوِّجة. وهذا يعتبر في المغرب فضيحة كبيرة".
مساعدة النساء المستضعفات
أمَّا والد طفلها فقد تهرَّب من تحمّل مسؤوليته وقام بإنهاء هذه العلاقة. ولكن نوال قرَّرت على الرغم من ذلك تربية هذا الطفل. وبقيت وحيدة تتحمَّل عواقب حملها؛ إذ اضطرت إلى ترك المدرسة. وعلاوة على ذلك كانت مهدَّدة بالسجن لمدة ستة أشهر، وذلك لأنَّ القانون المغربي ينظر إلى العلاقات الجنسية خارج إطار الحياة الزوجية على أنَّها دعارة وبالتالي يعاقب ممارسيها.
ولكن نوال، التي وجدت يد المساعدة، تقول عن ذلك: "في البدء ذهبت إلى راهبات الأم تيريزا في الدار البيضاء. وهناك أخبروني عن جمعية التضامن النسوي". وفي جمعية التضامن النسوي ضمنت المرشدات الاجتماعيات من خلال اتصالاتهن مع السلطات للطالبة نوال إعفاءها من عقوبة السجن. وبالإضافة إلى ذلك ساعدنها في العثور على مسكن. وبعد الولادة وبعد فترة اختبار حصلت نوال على عرض تعلم مهنة لمدة عامين في مجال التدبير المنزلي.
والآن بلغت نوال عامها العشرين، كما أنَّها سوف تنهي تدريبها المهني بعد أشهر قليلة. وطفلها الوسيم- هذا الصبي الذكي الذي يبلغ عمره الآن عامًا ونصف العام، سوف يبقى في روضة الأطفال التابعة لجمعية التضامن النسوي.
جهود ضدّ النفاق والوعود الكاذبة
وتقول عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسوي، إنَّ قصص النجاح مثل هذه القصة تمنحها الشجاعة. وفي عام 1985 أسَّست عائشة الشنا التي تعلمت مهنة التمريض هذه الجمعية - التي تعدّ المنظمة الأولى لرعاية الأمَّهات العازبات في العالم الإسلامي. وقد دفعها إلى تأسيس الجمعية عملها في وزارة الشؤون الاجتماعية المغربية، حيث كانت عائشة الشنا تتعامل هناك تقريبًا في كلِّ يوم مع نساء كن يردن تقديم أطفالهن من أجل التبنّي. والكثير منهن تعرضن للاغتصاب أو لانتهاك جنسي.
وتقول عائشة الشنا: "كثيرًا ما تكون الأمَّهات غير المتزوّجات من أصغر بنات الأسر الفقيرة الريفية. وفي سن السابعة أو الثمانية يتم بيعهن من قبل أسرهن كخادمات يعملن في منازل في المدينة. وهؤلاء الصغيرات لا يستطعن القراءة أو الكتابة، وكذلك ليس لديهن أي فكرة عن الحياة الجنسية. وليس من النادر أن تتعرَّض هؤلاء الصغيرات في مكان عملهن للتحرّش أو حتى للاغتصاب. أو أنهن ينخدعن برجال يعدونهن بالمستحيل. وثم يحملن ويرفضهن المجتمع؛ وقد وجدت هذا النفاق غير محتمل".
وكانت عائشة الشنا وزميلاتها يردن منح الأمَّهات الصغيرات فرصة الاحتفاظ بأطفالهن والاستقلال في حياتهن. وفي ذلك كانت الشنا وزميلاتها يراهن على قدرات النساء المعنيات - على خبراتهن في المطبخ والتدبير المنزلي. وفي عام 1986 افتتحت جمعية التضامن النسوي في منطقة عمالية في الدار البيضاء أوَّل مطعم في المغرب، تتم إدارته فقط من قبل أمَّهات عازبات. وأُضيفت في الأعوام التالية إلى هذا المشروع الكثير من المشاريع التي تؤمِّن لهن دخلهن.
تعديل قانون شؤون الأسرة والأحوال الشخصية
وقد قوبلت هذه المبادرة بالمديح ولكن أيضًا بالانتقاد، فقد زعمت قوى المحافظين أنَّ جمعية التضامن النسوي تريد دعم الدعارة وتدمير الإسلام. وكذلك كان خطباء يوم الجمعة في المساجد يجاهرون بتهديدها؛ بيد أنَّ عائشة الشنا لم تدع ذلك يخيفها.
وكان تعديل قانون شؤون الأسرة والأحوال الشخصية في العام 2004 تأكيدًا مهمًا لعملها؛ ومنذ ذلك الحين أصبحت المحاكم المغربية قادرة على إصدار أوامر تقضي بإجراء اختبارات لإثبات الأبوة. وكذلك أصبح بإمكان الأزواج غير المتزوّجين الذين ينجبون طفلاً، عقد قرانهم فيما بعد، وبذلك تجنّب العقوبة. ولكن في الحقيقة لا تستفيد من هذا القانون الأمَّهات غير المتزوّجات، اللواتي لا يوجد لديهن شريك.
وتقول عائشة الشنا إنَّ "عقد القران يعني بالتأكيد أن يكون الطرفان متَّفقين. ولكن هذا لا ينطبق على جميع النساء". وتضيف الشنا قائلة: "وهنا أرى المشكلة - فالأخريات ما يزلن يعتبرن مومسات. وما يزال يجب عليهن مثل ذي قبل أن يدخلن في حسابهن احتمال سجنهن فترة تصل حتى ستة أشهر".
إسلام حديث وليبرالي
وعائشة الشنا التي قامت قبل أعوام كثيرة بأداء فريضة الحج إلى مكة المكرمة، والتي يطلق عليها أصدقاؤها أيضًا لهذا السبب اسم "حجة" عائشة، تمثِّل إسلامًا حديثًا وليبراليًا. وشعارها الشخصي هو: "علمانية في الفكر ومسلمة في القلب".
والآن إنَّ حصول جمعية التضامن النسوي على جائزة أوبيس ذات القيمة العالية، تقديرًا لعملها الرائد طيلة عقود من الزمن - هذا العمل الذي كثيرًا ما كان صعبًا للغاية، يعتبر تشجيعًا ليس فقط لمؤسِّسة هذه الجمعية، السيدة عائشة الشنا التي يبلغ عمارها ثمانية وستين عامًا، بل كذلك لزميلاتها ولجميع الأمَّهات العازبات في المغرب. وهذا التكريم يشكِّل أيضًا رسالة مهمة ضدّ جميع أشكال التعصّب الديني.
مارتينا صبرا
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دويتشه فيله/قنطرة 2009
قنطرة
سيكولوجية التسلط في العالم العربي ومسألة الديمقراطية
ثقافة المساواة دواء لداء الفوقية والدونية في الذهنية العربية
ينتقد الكاتب الكويتي المعروف أحمد شهاب ثقافة الوصاية السائدة في العالم العربي ويعتبرها وقودا للنزعة التسلطية وعائقا أساسيا أمام تطور مجتمعات عربية ديمقراطية حقيقية، كونها تتسبب بغياب ثقافة المساواة والحوار المتبادل.
أمهات عازبات في المغرب العربي:
إنهيار محرمات
ما زالت مسألة الأبناء غير الشرعيين في العالم العربي من المحرمات، ولكن ثمة تغييرا في الممارسات اليومية وفي فهم الأمور بعيداً عن الأعراف الاجتماعية الصارمة، حيث تم في الأعوام الماضية إعداد برامج دعم للأمهات العازبات خصوصاً في المغرب وتونس والجزائر. تقرير مارتينا صبرا.
إنجاب الأطفال بلا زواج:
الأمهات العازبات ... قضية تثير الجدل في مصر
ملف هند الحناوي أصبح الحديث الشاغل بين أفراد المجتمع المصري، حيث انه لأول مرة تخرج فتاة مسلمة مصرية لتعلن عن كونها أما عازبة بلا زواج معترف به وترفع دعوى لإثبات النسب. تقرير نيللي يوسف.