زوبعة إعلامية وسياسية... الأديب العجوز غونتر غراس وفخ الصورة النمطية

شن الأديب الألماني المعروف غونتر غراس، الحائز على جائزة نوبل للآداب هجوما على إسرائيل ووصفها بأنها تهديد للسلام العالمي، نظرا لتهديها بشن هجوم عسكري على إيران، وذلك في قصيدة جديدة. الصحافي الألماني كلاوس هيللينبراند يرى أنه أمر كارثي، عندما يدع أديب مشهور عالميا مثل غراس كل شيء جانبا، ويشغل نفسه بصورة نمطية معاداة للسامية، طالما تكررت وأكل الدهر عليها وشرب.

الكاتب، الكاتبة : Klaus Hillenbrand

إنه أمر أكثر من مفرح، بأن لا يكون الشعر في هذا البلد مجرد مسألة ثانوية مقتصرة على فئة محدودة من المجتمع. متى كانت آخر مرة أشعلت فيها قصيدة جدلا واسعا في كل أنحاء جمهورية ألمانيا؟


ولكن هناك خشية بأن يبقى ذلك هو الجانب الوحيد المفرح بالنسبة للأسطر التي كتبها غونتر غراس، تحت عنوان "ما يجب أن يقال"
والعيب، ليس بأي حال من الأحوال، في قافية القصيدة ووزنها الشعري. فهذه القصيدة تتحدث بشكل خاطئ، تماما كحال كثير من ردود الفعل التي صدرت حولها.


والأمر لا يتعلق هنا بأن غراس وجه نقدا حادا للحكومة الإسرائيلية بسبب سياستها من إيران. مثل هذه الانتقادات أضحت مسألة محقة تتكرر يوميا. ولكن غراس أراد من نشر قصيدته أمرا مختلقا تماما: هو اعتذر عن صمته الطويل، مبررا ذلك بخوفه من أن يوصم بأنه معاد للسامية.

بطلان وغدر

الأديب الألماني المعروف غونتر غراس، الحائز على جائزة نوبل للآداب
تصدرت القصيدة الجديدة لحامل جائزة نوبل للآداب غونتر غراس "ما يجب أن يقال" عناوين الصحف الألمانية وأثارت جدلا واسعا في البلاد.

​​ولكن هذا باطل وهو قلب للحقيقة. لأن ما كتب باللغة الألمانية لانتقاد سياسة حكومة نتنياهو واعتبارها خطيرة، كان أكثر من يحصى. وعندما يقوم المرء بالتعبير علنا عن رفضه للسياسة الإسرائيلية تجاه إيران، فمن البديهي أن لايعتبر ذلك، بأي حال من الأحوال، أمرا مرتبطا بكراهية اليهود،
ولكن عندما يدعي غراس عكس ذلك، فإنه في الحقيقة يخلق تابوها ليس له وجود أصلا. كما أنه يخلق أحكاما مسبقة جديدة. ثم تكتمل الصورة التي رسمها غراس، عندما يكون نقده لنظام طهران خفيا ومختصرا، بينما يسهب وبوضوح في انتقاده للقدرة النووية لإسرائيل.

صورة نمطية معادية للسامية

الفضيحة إذن لا تكمن في انتقاد غراس لإسرائيل، وإنما تكمن في أنه يقدم نفسه على أنه ضحية لليهود، اللذين يريدون، كما يدعي، أن يراقبوا الحقيقة بهراوة معاداة السامية.


إن هذا الأمر صورة نمطية لمعاداة السامية. ولكن هذا ما لم يستوعبه كل من السياسيين المحافظين اللذين أثاروا كل هذه الضجة في انقضاضهم على اليساري المفترض غراس، وكذلك اليساريين اللذين يدعمون غراس لأنه يتعبر واحدا منهم.
فكلا الجانبين يتصيدان أخطاء بعضهما البعض، ويتصرفان بردود الفعل. وقصيدة غراس لم تكن سوى مناسبة رخيصة من أجل توجيه ضربة خاطفة، يسارية أو يمينية، لإزاحة الخصم السياسي.

إن الحقيقة أسوأ من ذلك. لأنه ليس بأمر ذي اعتبار، أن يقوم أديب عجوز، يعاني على مايبدو من الإفراط في تقدير قيمة نفسه، أن يقوم بانتقاد إسرائيل وأن يصرح بخوفه من حرب نووية. ولكن الأمر الكارثي هو أن يقوم أديب ألماني حاصل على جائزة نوبل للسلام بترك كل شيء جانبا، ويشغل نفسه بصورة نمطية لمعاداة السامية أكل الدهر عليها وشرب.

 



كلاوس هيللينبراند
ترجمة:جعفر محمد
حقوق النشر: صحيفة تاغيستسايتونغ 2012 & قنطرة 2012