هل ينجح نظام السيسي في السيطرة الكاملة على الإعلام؟
أطلقت السلطات المصرية في 24 مايو/ أيار 2017 حملة لحجب مواقع إلكترونية بدأتها بـ21 موقعا إلكترونيا في مصر -بعضها تابع لجماعة الإخوان المسلمين وبعضها مقره في دولة قطر وبعضها مقره في تركيا- بزعم نشرها موادَّ إرهابية، لكن الحملة امتدت بسرعة البرق إلى عشرات المواقع الإخبارية وغير الإخبارية المستقلة بعضها معارض وبعضها مشهود لها بالنزاهة والموضوعية.
وتزامنت حملة حجب المواقع، مناقشة البرلمان على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية وتنازل الدولة عن جزيرتي تيران وصنافير في ظل سخط شعبي على الاتفاقية، حيث قال مركز بصيرة إن 11% فقط من المواطنين مقتنعون بسعودية الجزيرتين بحسب استطلاع للرأي، كما تزامنت مع حملة للقبض على عشرات النشطاء.
وقالت مؤسسة حرية الفكر والتعبير -وهي منظمة أهلية ترصد المواقع التي تعرضت للحجب- إن العدد المرصود للمواقع الإلكترونية المحجوبة ارتفع إلى 114 موقعا إلكترونيا على الأقل، وهو رقم آخذ في التصاعد يوميا.
بعض المواقع المحجوبة هي مواقع تابعة لصحف حاصلة على ترخيص كجريدة دايلي نيوز إيجيبت والبورصة والمصريون، وبعضها يصدر عن شركات مسجلة بمصر كموقع مدى مصر ومصر العربية. كما يُلاحَظ أن الدولة تعاملت بشكل طبيعي مع العديد من المواقع المحجوبة خلال فترات سابقة، على سبيل المثال كتب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مقالين نُشرا في جريدة دايلي نيوز إيجيبت، الأول في سنة 2014 والثاني في سنة 2015، كما تتمتع جريدة البورصة بثقة مجتمع الأعمال المؤيد إلى حد بعيد للحكومة.
وتوسعت الحملة لتشمل مجموعة من المواقع التي تقدم خدمة VPN، كما حجَبت موقع الشركة المطورة لتطبيق سيغنال، وهو ما يشير إلى سعي الحكومة لإنهاء أي صوت معارض وعودة لإعلام الصوت الواحد، وإنهاء أي خصوصية، وتسهيل المراقبة.
الطريف في الأمر أن حملة حجب المواقع تتزامن مع حملة إعلانات عن حق المواطن في المعرفة تم استهلالها بشخصيات لها بعض الثقة عند جانب من المواطنين. لكن لا تذهب بعقلك بعيدا. فإعلانات الحملة لا تتكلم إلا عن حق المواطن في معرفة الإنجازات من منظور الحكومة لكن لا تتحدث عن الفساد. فعندما مثلا تتحدث عن إنجاز الحكومة في توفير الكهرباء التي كانت تنقطع لا تتحدث عن مضاعفة أسعار الكهرباء وتحميل المواطنين فوق طاقتهم في ظل رفع الدعم التدريجي عن كل مصادر الطاقة فضلا عن المياه.
واعتبر التقرير أن "رقابة الدولة على شبكات التواصل الاجتماعي حق مشروع قانونا"، لكنه لم يذكر أي قانون يستند إليه في قرار الحجب، بل إنه يتعارض مع نص المادة 57 من الدستور، والتي تنص على: "…كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك"، ويتعارض أيضا مع المادة 71 من الدستور : "يحظر بأى وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها فى زَمن الحرب أو التعبئة العامة". لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نفسه قال في وقت سابق إن "الدستور كُتِب بحسن نية وأن البلاد لا تحكم بحسن النوايا"، رغم أن نظام ما بعد 3 يوليو ألغى دستور 2012، وشكل لجنة جديدة لكتابة دستور جديد في عام 2014.
سياسة الحجب والمنع منذ اللحظة الأولى
اتخذ السيسي سياسة منع وحجب وسائل الإعلام المعارضة لنظام 3 يوليو منذ اللحظة الأولى، فبمجرد إلقاء الفريق أول عبد الفتاح السيسي خطاب عزل الدكتور محمد مرسي من منصبه كرئيس للجمهورية في 3 يوليو، ومع انتهاء كلمات بنود الخطاب -الذي كان في نهايته وضع ميثاق شرف إعلامي- كانت سيارات الشرطة تحيط مباني القنوات المؤيدة لحكم محمد مرسي داخل وخارج مدينة الإنتاج الإعلامي، تفتش داخل هذه القنوات وتقبض على من فيها من صحفيين ومقدمي البرامج، فكان تنفيذ استراتيجية الحجب متزامنة مع اللحظات الأولى لنظام 3 يوليو.
واستخدم النظام استراتيجية المنع، عندما قام بالتضييق على الكثير من الإعلاميين والكتاب المؤثرين لمنعهم من الكتابة مثل علاء الأسواني وبلال فضل والإعلاميين مثل باسم يوسف ويسري فودة وريم ماجد ومحمود سعد وعمرو الليثي، بالرغم من أن معظمهم كانوا من مناوئي حكم جماعة الإخوان المسلمين، وموازاة لذلك تم تعيين أشخاص لا علاقة لهم بالإعلام وإنما علاقتهم معروفة بأجهزة الأمن، وأصبح الهدف هو تعبئة الجماهير وتبرير كل سياسات النظام وتشويه أي صاحب رأي مخالف.
ويهتم السيسي بالإعلام بشكل كبير، إذ من النادر أن يغيب عن ذهنه تحذير وسائل الإعلام في أي خطاب من خطاباته، ويرى الرجل الإعلام من منظور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، إذ قال: "عبد الناصر كان محظوظًا لأن الإعلام كان وراءه"، وهو تصريح أعطى دلالة إلى تفضيل السيسي إلى إعلام الرأي الواحد، حتى أنه عندما تناول الإعلام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية قال في لقاء مع بعض الإعلاميين: "وخلوني أحسمه أو أنهيه يعني، الموضوع ده أرجو إننا منتكلمش فيه تاني".
في عصره، وضع عبد الناصر على رأس وسائل الإعلام موالين له، لكن السلطة الحالية جوّدت من الأداء بإضافة عدة قوانين تضيق على عمل الصحافة والصحفيين، حيث أصدرت قانون الإرهاب وشكل السيسي ثلاث مؤسسات لمراقبة الإعلام الخاص والمستقل، كما اشترت أجهزة سيادية حصصا في القنوات الخاصة، بحسب ما كشف صاحب عدد من القنوات طارق نور.
ويبقى السؤال: هل ستنجح محاولات نظام السيسي في حجب الحقيقة
في اعتقادي أنه على المدى الطويل، فنعم، رغم "محاولات المقاومة" من جانب بعض الصحافيّين، الذين لا يزالون يبحثون عن حريّة التّعبير.
فعندما يتبقى في النهاية وسائل الإعلام المؤيدة، التي تستخدم أسلوب التكرار المستمر لفكرة حتى لو كانت خاطئة، وبالتكرار تتحول إلى ما يمكن اعتباره جزءا من الحقيقة.
ورغم كل محاولات الصحفيين والنشطاء في مواجهة حملة حجب المواقع سواء بالنشر على شبكات التواصل الاجتماعي أو باستخدام خدمات proxy وvpn فإن الدولة تحاول تضييق الخناق على المواقع التي تقدم هذه الخدمات.
ورغم اختيار بعض الصحف المحجوبة نشر أخبارها ومواضيعها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه حل ليس عملياً، ففي ظل مراقبة السلطات لمواقع التواصل الاجتماعي بات يوجد 8 أشخاص على الأقل قد يُحكم عليهم بالسجن 5 سنوات بموجب قانون مكافحة الإرهاب المصري لعام 2015 جراء تعليقات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش.
كما أن حملة اعتقال النشطاء والصحفيين تخيف الآخرين، ناهيك عن أن معظم الصحف المصرية تحايلت للتخلص من الصحفيين المعارضين للنظام وحتى المهنيين والموضوعيين.
فالدولة مصرة على حجب الحقيقة والتعتيم على الانتهاكات، حتى أن الصحف المصرية بدت تغطيتها للاتفاقية وكأنها صحف سعودية تصدر في الرياض وليس في القاهرة، وقادت بعض الصحف حملة تخوين وتشويه للرافضين التنازل عن الجزيرتين لصالح السعودية.
وفي اعتقادي أن حملة حجب المواقع الإلكترونية والصحافة المهنية ستؤثر على الانتخابات الرئاسية التي من المقرر عقدها منتصف العام المقبل 2018، بمنع نشر أخبار عن أي مرشح معارض.
ومما يدلل على ذلك حملة الاعتقالات في صفوف النشطاء التي أعقبت إعلان خالد علي -المرشح الرئاسي السابق وأحد محامي الطعن في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية- اعتزامه الترشح في الانتخابات المقبلة، بل وصل الأمر إلى القبض على خالد علي وحجزه في قسم الشرطة والتحقيق معه واختلاق تهمة فعل فاضح أثناء الاحتفال بحكم المحكمة الإدارية العليا بمصرية جزيرتي تيران وصنافير.
ورغم كل ذلك -فضلا عن حالة الإحباط واليأس لدى قطاعات كبيرة من الشعب المصري- لا يزال البعض متمسكاً بحقه في التعبير بحرية رغم علمه بأن هذه الحرية قد تقوده إلى السجن.
مصطفى مهنا
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017