حكومة تونس...بحث عن بداية جديدة وخارطة طريق واضحة
من المفترض أن تبقى الحكومة التونسية الجديدة على رأس عملها حتى نهاية العام الحالي 2013، ليتم بعد ذلك إجراء انتخابات جديدة.
أداء هذه الحكومة سيكون مصيرياً بالنسبة لمستقبل البلاد، لأن ذلك سيقرر ما إذا كانت تونس ستتبع النهج التركي وتتحول إلى دولة مدنية معاصرة باقتصاد حر وقيم مبنية على الدين الإسلامي، أم أنها ستتجه إلى الفوضى والعنف، وتصبح ملجأ للمتطرفين الإسلاميين، أو حتى دولة ضعيفة مجاورة لأوروبا.
ويقول كمال بن يونس، رئيس تحرير صحيفة "الشروق" ومدير القناة التلفزيونية الجديدة "الجنوبية" في تونس، إن "قيادتنا السياسية تخسر الكثير من الوقت، فهم يبحثون باستمرار عن حلول وسط".
إلى الوراء
ويُتوقع أن تصحح الحكومة الجديدة الطريق وبسرعة، ذلك أن الوقت لا يصب في صالح البلاد. فنسبة البطالة ما زالت في ازدياد وأسعار المواد الغذائية في ارتفاع، بينما يتجنب السياح زيارة البلد، وهذا يعيد اقتصاد البلاد إلى الوراء.
إلى ذلك، تشهد تونس أيضاً تنامياً في انعدام الثقة والتوتر، في ظل مواجهة بين القوى العلمانية والدينية دون أي أمل في المصالحة، واكتساب السلفيين للمزيد من الشعبية.
ففي ظل الطاغية زين العابدين بن علي، تمت ملاحقة هؤلاء السلفيين والزج بهم في سجون البلاد. لكنهم خرجوا من السجون بعد الثورة وأعدادهم ما تزال غير دقيقة، إلا أن اليأس المخيم على الشعب دفع به للجوء إلى هؤلاء السلفيين، بحسب ما يرى الصحافي التونسي صلاح الدين الجورشي.
ويعتبر الجورشي أن لذلك عدة أسباب، إذ يقول: "كانت الدولة التونسية بعد الثورة مباشرة ضعيفة، وما تزال كذلك حتى الآن. لقد تم استغلال هذا الضعف من قبل أطراف خارجية لدعم المتطرفين داخل البلاد وإضعاف القوى المعتدلة". ويُعتقد أن السعودية تقدم الدعم المالي للمجموعات السلفية في تونس.
تونس ملعب لدول الجوار العربية
ولذلك، فإن حكومة تونسية مستقرة مهمة من أجل منع تحول البلاد إلى ملعب لدول الجوار العربية، التي تحاول نشر الإسلام المحافظ، بل والوهابي أيضاً.
وفي هذا السياق، يعتبر صلاح الدين الجورشي أن "الثورات العربية سببت فوضى كبيرة للنظام السائد في العالم العربي ... لذلك تحاول بعض الأطراف التدخل بقوة في وضع ما بعد الثورة، والسعي إلى التأثير على قواعد التغيير السياسي بعد الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية، بهدف تقوية القوى الإسلامية المحافظة وإضعاف القوى الليبرالية".
هذا التدخل له عواقب وخيمة على دولة مثل تونس، التي اعتُبرت لسنوات من الدول المنفتحة على العالم والعصرية. لكن الصدمة الأكبر في هذا الصدد هي اغتيال المعارض السياسي العلماني شكري بلعيد مطلع شهر فبراير الماضي. ولا تزال الظروف المحيطة بجريمة قتله، التي اعتبرت كل الأطراف أنها تأتي على خلفية سياسية، مجهولة حتى الآن.
وبالنسبة لسعاد عبد الرحيم، النائبة عن حركة النهضة في البرلمان التونسي، فإن اغتيال بلعيد يشكل نقطة تحول، مضيفة أن "من الواضح أن علينا إقرار خارطة طريق فوراً – خطة واضحة لما يجب علينا فعله ومتى يجب الانتهاء منه. لهذا أعتقد أنه ينبغي علينا الانتهاء من صياغة الدستور بأقصى سرعة ممكنة".
من أجل سياسة تغيير
هذه الخطة الواضحة والسريعة ستقرر فرص نجاح الحكومة الجديدة. ففي العامين الماضيين بعد ثورة الياسمين، حاولت عدة حكومات الاضطلاع بالمهام المركزية، المتمثلة في إعادة الأمن إلى البلاد وإعطاء نفحة من الأمل لحوالي 200 ألف خريج وخريجة، وقبل ذلك كله صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات.
ورغم الإعلان في السابق عن صياغة الدستور وإجراء الانتخابات، إلا أن الحكومة أعلنت الآن أنها ستنتهي منها مع نهاية العام الحالي.
لكن الحكومة، وفي ظل نفاد الصبر الذي يسود تونس حالياً، ستُقاس بحسب نتائجها، خاصة في القطاعات الحساسة الثلاثة – الأمن والاقتصاد والاستقرار السياسي. هناك الكثير من التغييرات التي يجب إجراؤها، ولكن الأهم أن يشعر الناس على الأرض بهذه التغييرات.
خسارة المصداقية
لكن أكبر مشاكل الحكومة الجديدة والديمقراطية بشكل عام هي أزمة انعدام الثقة التي يعاني منها كل ساسة البلاد، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من نصف الناخبين التونسيين لن يشاركوا في الانتخابات المقبلة لأنهم لا يثقون في صناع القرار السياسي.
ويقول الصحافي صلاح الدين الجورشي إن انعدام الثقة هذا "حمل ثقيل"، فثورة الياسمين لم تطالب في البداية بالديمقراطية، بل بالخبز والعدالة والكرامة، ودعت إلى المزيد من الحقوق الاجتماعية وفرص العمل.
لكن الساسة لم يستجيبوا لحد الآن بشكل كافٍ لهذه المطالب. ويحذر الجورشي من أن "الفوضى المطلقة تتهدد تونس، في حالة عدم حدوث تحسن ملحوظ على الاقتصاد قريباً".
التعلم من الأخطاء
رغم أن هناك أكثر من مئة حزب سياسي في تونس حالياً، إلا أن حزباً واحداً فقط متجذر في كل المناطق والمدن والطبقات الاجتماعية المختلفة، ألا وهي حركة النهضة الإسلامية، التي حصلت على أفضل النتائج في انتخابات أكتوبر 2011.
ودخلت حركة النهضة في ائتلاف مع كل من التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والمؤتمر من أجل الجمهورية، الذي ينتمي إليه رئيس البلاد الحالي المنصف المرزوقي. هذا الائتلاف عبارة عن تحالف مصالح، وأعضاؤه نادراً ما يتفقون على قضية ما.
هذا الائتلاف الثلاثي "الترويكا" يضم 109 نواب في البرلمان، ورغم أنه يشكل أغلبية هناك، إلا أن ذلك لا يعني أن هذا الائتلاف قادر على حكم البلاد، بحسب ما يشرح صلاح الدين الجورش، إذ يقول: "حركة النهضة نشأت من حركة شعبية. لكنها تفتقر إلى الكفاءة وإلى برنامج سياسي ملموس، في القطاع الاقتصادي على سبيل المثال".
لذلك، فقدت حركة النهضة الكثير من مصداقيتها عندما تولت مقاليد الحكم. لكن عملية تشكيل الحكومة الجديدة أظهرت قدرة النهضة على التعلم من أخطائها، فهي تخلت في نهاية فبراير عن مطلبها بتولي حقائب وزارية هامة في الحكومة الجديدة، التي سيتولاها خبراء.
فعلى قاضي التحقيق البارز لطفي بن جدو، الذي سيشغل منصب وزير الداخلية، أن يركز جهوده أولاً على كشف ملابسات جريمة قتل شكري بلعيد، والذي أدى اغتياله إلى إغراق البلاد في أزمة سياسية حادة.
وكوزير جديد للعدل، على أستاذ القضاء نذير بن عمو القيام بإصلاح النظام القضائي، وهو نظام يُعتبر امتداداً لمصالح الدكتاتور بن علي ولا يتصرف في كثير من القضايا بعدل أو استقلالية.
كما يتولى السفير التونسي السابق لدى الأمم المتحدة، عثمان جراندي، منصب وزير الخارجية. وفقط منصب رئيس الحكومة سيبقى في يد حركة النهضة.
وعلى عاتق هذه الحكومة الجديدة ستقع مسؤولية تحويل الحرية التي حققتها ثورة الياسمين في تونس إلى مؤسسات وهياكل ديمقراطية.
أوته شيفر
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2013