المسلمون جزء من الهوية الألمانية...منذ زمن طويل

هل الإسلام جزء من ألمانيا؟ هذا السؤال لا يزال مطروحا مثل ذي قبل في وسائل الإعلام الألمانية، بين موافق ومخالف. عالمة الأنثروبولوجيا التركية الأصل إسراء أوزيوريك تناولت هذا الموضوع بالتفصيل في كتابها "كونك ألمانيًا يصبح مسلمًا - العِرق والدين واعتناق الإسلام في أوروبا الجديدة"، وقد توصلت إلى نتائج واضحة. عمران فيروز حاورها لموقع قنطرة حول الإسلام والمسلمين في ألمانيا.

الكاتبة ، الكاتب: عمران فيروز

جاء خاصة في الأسابيع والأشهر الأخيرة الكثيرون من الوافدين من دول ذات غالبية إسلامية إلى ألمانيا. وعلى أبعد تقدير منذ أحداث ليلة رأس السنة الميلادية 2016 في مدينة كولونيا، ازدادت التحفُّظات عليهم. حيث ينتشر الرأي القائل إنَّ "الإسلام لا يتَّفق مع القيم الغربية" انتشارًا واسعًا. فلماذا يسود هذا الخوف من الإسلام هنا في ألمانيا؟ وهل الإسلام لم يصبح منذ فترة طويلة جزءًا من ألمانيا؟

إسراء أوزيوريك: أعتقد أنَّ هذا يرتبط كثيرًا بالخوف من الآخرين بالإضافة إلى النزعات العنصرية القوية. والخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) جزءٌ من هذا الخوف والكراهية تجاه الآخرين. ولكن عندما يتعلق الأمر بالخوف من اللاجئين فأنا أشعر أنَّ الإسلاموفوبيا لا تُمثِّل سوى جزء من الكلّ. والوافدون الجدد يواجَهون بالخوف والكراهية فقط لأنَّهم مختلفون. وهنا يتجاهل المرء أنَّ هؤلاء الناس معرَّضون للخطر ولم يعد لديهم مكان آخر.

وفي الواقع يعتبر المسلمون منذ فترة طويلة جزءًا من ألمانيا. فهم يعيشون هنا حياةً مسالمةً ويساهمون كثيرًا في المجتمع الألماني. وأعتقد أنَّه من المدهش أن يفعل المرء مرارًا وتكرارًا كما لو أنَّ الإسلام قد وصل قبل فترة قصيرة إلى ألمانيا. وبالإضافة إلى ذلك لا يوجد تعريف واضح سواء لوجهات النظر الإسلامية أو القيم الغربية. وفي كلتا الحالتين توجد مجموعة غامضة من القيم، التي كانت لها معانٍ مختلفة في أوقات مختلفة.

مثلما هي الحال في العديد من البلدان الأوروبية الأخرى، يمثِّل الإسلام أيضًا في ألمانيا طائفة دينية متزايدة العدد. وهذه العملية بدأت منذ أعوام عديدة - ليس فقط كنتيجة للهجرة، بل أيضًا من خلال التحوُّل إلى الإسلام. فلماذا لا يزال هناك مع ذلك انطباعٌ بأنَّ الكثيرين من الألمان ينظرون إلى الإسلام على أنَّه غريب ويشكِّل تهديدًا؟

إسراء أوزيوريك: أنا أنظر إلى التحوُّل إلى الإسلام باعتباره نتيجة لاندماج وتعايش صحِّيَّيْن. فمنذ أن أصبح المسلمون يندمجون بشكل أفضل في المجتمع، باتوا يكوِّنون علاقات أقوى مع غير المسلمين. وبعض هذه العلاقات أدَّت في النهاية إلى حالات التحوُّل إلى الإسلام. وفي الوقت نفسه يتبنَّى المزيد من المسلمين أساليب الحياة العلمانية.

وبصرف النظر عن تحوُّلات اللاجئين الأخيرة فقد كانت دائمًا تحوُّلات المسلمين إلى المسيحية بالمقارنة أقل من التحوُّل إلى الإسلام. ولكن مع ذلك فإنَّ الكثيرين من المسلمين يعيشون حياة لا يلعب فيها الدين أي دور. وفي المقابل الألمان  يتحوَّلون إلى الإسلام منذ أكثر من مائة عام. وفقط منذ فترة قصيرة بات يُنظر إلى معتنقي الإسلام على أنَّهم يشكِّلون تهديدًا. وهذا يتعلَّق قبل كلِّ شيء بكيفية النظر إلى الإسلام والمسلمين هنا في ألمانيا.

Cover of Esra Ozyurek's "Being German, becoming Muslim" (published by Princeton University Press)
كتاب "كونك ألمانيًا يصبح مسلمًا - العِرق والدين واعنتاق الإسلام في أوروبا الجديدة" يشرح بطريقة مثيرة للإعجاب سبب اعتناق الألمان للإسلام، وكيف يواجهون التحدِّيات الاجتماعية على خلفية الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب. المؤلفة إسراء أوزيوريك أستاذة في المعهد الأوروبي في كلية لندن للاقتصاد.

على الرغم من أنَّ الصورة السلبية للإسلام لا تزال حاضرة خاصة في وسائل الإعلام الألمانية، غير أنَّ الكثيرين من الألمان لا يزالون يتحوَّلون إلى هذا الدين. والكثيرون من الألمان يستبدلون أسماءهم بأسماء إسلامية ويغيِّرون حياتهم تمامًا. ليصبح الإسلام جزءًا من هويَّتهم. برأيك ما الذي يجعل الإسلام جذَّابًا بالنسبة لهؤلاء الأشخاص؟

إسراء أوزيوريك: في دراساتي الخاصة وكذلك في دراسات أخرى لاحظت مرارًا وتكرارًا أنَّ جميع حالات اعتناق الإسلام كان سببها وجود علاقة عميقة ومهمة مع شخص مسلم. هذا الشخص من الممكن أن يكون أحد الجيران أو صديقًا من المدرسة أو زميلاً من العمل أو حتى المحبوب. وما وجدته مثيرًا للاهتمام هو أنَّ مصدر الإلهام الجديد هذا لم يكن دائمًا شخصًا متديِّنًا. على سبيل المثال كانت الكثير من اللقاءات تتم في "أماكن غير إسلامية" - مثلاً في النوادي الليلية والبارات أو في سكن الطلبة، وكذلك في أماكن أكثر حيادية مثل المدارس وأماكن العمل.

ومن خلال مثل هذه اللقاءات والتجارب المكثَّفة ينفتح بعض الأشخاص على الإسلام. عندما أطرح عليك السؤال، لماذا يعتبر الإسلام جذَّابًا بالنسبة لك، فعندئذ سأحصل فقط على روايتك بعد التحوُّل إلى الإسلام. وجميع هذه القصص لديها سماتها الخاصة. وكثيرًا ما تكون أسباب حالات التحوُّل مختلفة للغاية.

فعلى سبيل المثال لقد كان البعض في السابق مسيحيين متديِّنين، ولم يكن دينهم السابق يحقِّق لهم ما يكفيهم. ومن ناحية أخرى كان الإسلام بالنسبة للآخرين أوَّل دين يهتمون به اهتمامًا مكثَّفًا. وبالتالي فإنَّ دوافع التحوُّلات متنوعة. وبالإضافة إلى ذلك لقد قابلت أشخاصًا اعتنقوا اليهودية أيضًا. وكانت لديهم دوافع مشابهة جدًا.

نشهد حاليًا في أوروبا صعودًا للأحزاب والحركات اليمينية. وفي ألمانيا يقول حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي وكذلك العديد من السياسيين المحافظين إنَّ الإسلام لا يمكن أن يكون جزءًا من ألمانيا. وكثيرًا ما يُقال إنَّ المرء لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه ألمانيًا ومسلمًا. فما رأيك في ذلك؟

إسراء أوزيوريك: أعتقد أنَّ علينا أن نقول لهؤلاء الناس شيئًا واحدًا فقط: لقد تأخَّر الوقت! فالإسلام بات منذ فترة طويلة جزءًا مهمًا من المجتمع الألماني - بصرف النظر عمَّا يقولون. لا يوجد تعريف واضح للهوية الإسلامية. والأمر نفسه ينطبق على الهوية الألمانية أو الغربية أيضًا. لقد حاول الألمان المسلمون باستمرار معرفة ما يُحدِّد الهوية الألمانية-المسلمة الحقيقية.

وتعريف هذه الهوية تغيَّر مرارًا وتكرارًا مع مرور الزمن. وحتى في عشرينيات القرن العشرين كان المسلمون الألمان ينظرون إلى أنفسهم على أنَّهم جزء من التنوير في ألمانيا. وفي الستينيات والسبعينيات أصبحت الصوفية جذَّابة خاصة بالنسبة لثقافة الشباب في تلك الأيَّام. وبالتالي فإنَّ هناك وجهات نظر كثيرة ومختلفة لاعتبار المرء كمسلم وكألماني أيضًا. وهذا في حالة تقاطع وتحوُّل مستمرة - مثلما هي الحال في مشكال الألوان.

تذكرين في كتابك أنَّ الكثيرين من الألمان الشرقيين قد تحوَّلوا إلى الإسلام بعد سقوط جدار برلين وتوحيد شطري ألمانيا. وهنا يمكن أن يتكوَّن لدينا انطباعٌ بأنَّ الكثيرين من هؤلاء الناس كانوا يبحثون عن هوية جديدة وأيديولوجيا جديدة بعد زوال الشيوعية. فما مدى صحة ذلك؟

إسراء أوزيوريك: لم أكن أريد إعطاء انطباع بأنَّ عشرات الآلاف من الألمان الشرقيين قد اعتنقوا الإسلام. ولكن في الحقيقة قدَّم الإسلام للعديد من الألمان الشرقيين هويةً جديدةً بعد سقوط جدار برلين، من أجل رفض الصورة النمطية الكلاسيكية عن الألماني الشرقي بوصفة "أوسي" [أي: الألماني الشرقي المتخلف، بعكس "فيسي" أي: الألماني الغربي المتطوِّر]. ومن المثير للاهتمام أنَّ هناك في الوقت الحاضر زوايا صوفية كثيرة في ألمانيا الشرقية، تتم إدارتها من قبل ألمان اعتنقوا الإسلام. ولكنها تُظهر ديناميات مختلفة تمامًا بالمقارنة مع الجمعيات الإسلامية السنِّية الكلاسيكية الراسخة. وهؤلاء الصوفيون الألمان يعيشون منعزلين تمامًا عن المسلمين السنة الذين يتعرَّضون لتشويه صورتهم.

منذ بضعة أعوام يتصدَّر في المقام الأوَّل السلفيون المحافظون للغاية -مثل السلفي الألماني بيير فوغِل- واجهة معتنقي الإسلام الألمان. والبعض منهم معروفون بوجهات نظرهم وعقائدهم المتطرِّفة، التي يتم نشرها على نطاق واسع من خلال الشبكات الاجتماعية على الإنترنت. وفي الوقت نفسه يحظى مثل هؤلاء الأشخاص بشعبية كبيرة بين الكثيرين من المسلمين الشباب. فلماذا يحدث ذلك؟ ولماذا تُركِّز وسائل الإعلام وبشكل شبه حصري على هذا النوع من معتنقي الإسلام الألمان؟

إسراء أوزيوريك: هذا يعود بشكل رئيسي إلى أنَّ معظم المعتنقين للإسلام منطوون على أنفسهم ومشغولون بحياتهم الروحانية الخاصة بهم. لقد التقيت بمئات من معتنقي الإسلام، ووجدت أنهم غير ملفتين للانتباه بأي شكل من الأشكال. كما أنَّهم يقضون معظم وقتهم مع أنفسهم، هذا يعني بالقراءة والتعلم والتفكير. وفي رأيي فإنَّ بعض الأشخاص الأصوليين مثل بيير فوغِل يتمتَّعون بشعبية وجاذبية لدى الشباب لأسباب عديدة.

إذ إنَّ قسمًا كبيرًا من الجالية المسلمة في ألمانيا لا تزال تهيمن عليها اللغة التركية أو العربية. والمسلمون الشباب، الذين نشأوا هنا في ألمانيا، لا يشعرون بأي تواصل مع الأئمة، الذين يأتون من تركيا إلى ألمانيا. والكثيرون من الأشخاص الأصغر سنًا يجدون هذه الجمعيات الدينية قديمة الطراز، وغير ملائمة للعصر وكذلك غير مفهومة جزئيًا.

وبيير فوغل بدوره يتحدَّث اللغة الألمانية، ولديه علاقات جيِّدة داخل الأوساط الثقافية الشبابية في ألمانيا، كما أنَّه دائم الحضور على شبكة الإنترنت. وبطبيعة الحال فإنَّ الحركة السلفية التي يُمثِّلها بيير فوغِل هي حصرية في عدة نواحي، ولكن من المدهش أنَّها أيضًا منفتحة جدًا للمسلمين من جميع الفئات. وهي غير منظمة بشكل هرمي كما أنَّها تتقبَّل جميع الأشخاص الذين يتبنون مبادئها. وعلاوة على ذلك فهي تقدِّم صورة واضحة عن العالم.

كيف سيغيِّر مسلمو ألمانيا -سواء كانوا من المهاجرين أو اللاجئين أو من معتنقي الإسلام الألمان- المجتمع الألماني في الأعوام المقبلة؟

إسراء أوزيوريك: ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية تأثَّرت تأثيرًا شديدًا بالمسلمين. والمسلمون شاركوا في بناء المدن التي دمَّرتها الحرب. واليوم أصبح المسلمون جزءًا لا يتجزَّأ من المجتمع الألماني - خاصة بالنظر إلى الثقافة الحضرية. إذ إنَّ الكثير من جوانب الحياة اليومية، سواء فيما يتعلق بالاتجاهات الثقافية الشبابة أو مثلاً بالأزياء والطعام، باتت تتأثَّر منذ الستينيات تأثرًا كبيرًا بالمسلمين. ولذلك فقد بات من المستحيل تصوُّر المدن الألمانية الكبرى من دون مسلمين ملتزمين أو غير متديِّنين.

كما أنَّ هذه المجتمعات الإسلامية سوف تستمر أيضًا في تأثيرها في بيئتها، سواء على الصعيد المحلي والإقليمي أو العالمي. ولكن مع ذلك فأنا لا أتوقَّع في هذا الصدد أية تغييرات كبيرة، بصرف النظر عمَّا يدَّعيه السياسيون اليمينيون: وذلك لأنَّ وجود المسلمين في المجتمع الألماني متوازنٌ. ألمانيا مسلمة جزئيًا منذ زمن طويل، والمسلمون منذ زمن طويل ألمان.

 

 

حاورها: عمران فيروز

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de

 

 

كتاب إسراء أوزيوريك: "كونك ألمانيًا تصبح مسلمًا - العِرق والدين واعتناق الإسلام في أوروبا الجديدة"، صدر عن مطبعة جامعة برينستون، في 192 صفحة، تحت رقم الإيداع:

 ISBN: 9781400852710