العلوم الإسلامية وجدت موطنا جديدا لها في ألمانيا اليوم
سيد عمر أوزسوي، هل يمكن لعلم الأصول الإسلامية أن يكون في الآن نفسه إسلاميا وعلميا؟
عمر أوزسوي: بل إنني سأمضي أبعد من ذلك لأؤكد بأن علم الأصول الإسلامية لن يستطيع أن يطمح إلى الأصالة إلا إذا ما كان علميا بحق ويجري العمل داخله وفقا للنموذج العلمي.
تعلق المؤسسات السياسية والرأي العام معا في ألمانيا آمالا على المراكز الإسلامية الجديدة التي تم إحداثها في السنوات الأخيرة. فكيف تتعاملون مع هذه التوقعات؟...
عمر أوزسوي: نتعامل معها بالحوار مع كل الأطراف المعنية والمشاركة، ومع الأطراف السياسية المسؤولة والجمعيات الإسلامية، ومع الأطراف المشاركة في الحوار العلمي. ونحن مسرورون للنتائج التي حققناها إلى حد الآن. فقد تم في مقاطعة هسّن الألمانية الاعتراف بجماعتين دينيتين إسلاميتين من طرف حكومة المقاطعة، وهما ديتيب والأحمدية، الأمر الذي سيجعلنا غير مضطرين إلى الالتجاء إلى نموذج رديء للمجلس الاستشاري، من وجهة نظرنا في فرنكفورت. إن التوقعات التي تعلق على كرسيّيْ العلوم الإسلامية مختلفة ومتنوعة جدا، ويصعب إيجاد تناغم بينها. كل ما يمكننا التوصل إليه هو تحقيق تقارب داخل حوار منهجي بين الأطراف المشاركة.
هناك ذلك التوقع الواضح الذي يتعلق بوضع مخطط لمشروع إسلام أوروبي إصلاحي.
عمر أوزسوي: أعتقد أن إطلاق اسم إسلام ألماني أو أوروبي على علم إسلامي مستقر في ألمانيا وتجري ممارسته هنا أمر لا موجب له. فالمسألة بديهية، لأن كل علم لاهوت بوصفه أحد العلوم الإنسانية وبما يحمله من مكونات عملية وسياسية اجتماعية سيتخذ ذلك اللون المحلي والثقافي المحيط. وإنه لأمر عادي إذن أن تكون العلوم الإسلامية في ألمانيا على هيئة مختلفة عن تلك التي هي عليها في تركيا أو في مصر. ولن تساهم التسمية هنا إلا في إرباك الأطراف الثيولوجية المتحاورة وإحداث سوء التفاهم فيما بينها، كما لو أن الأمر يتعلق بسعي لإحداث علم لاهوت حكومي، وهو ما لاحاجة لنا به. إن التوجه الإصلاحي يعني: إنه أمر واضح أن العلم لا بد أن يكون منفتحا على القبول بكل النتائج الممكنة. وإذا طرحنا مسبقا اتجاها إديولوجيا بعينه فإننا لن نستطيع عندها أن نقوم ببحوث منفتحة على كل النتائج الممكنة. إذ سيكون علينا أن نلاحق مهمة بحسب الطلب، بما معناه أننا نخضع أنفسنا لمهمة موكلة إلينا تقتضي الوصول إلى نتيجة محددة بعينها.
هل هناك فرق بين العلوم اللاهوتية المسيحية والإسلامية فيما يتعلق بالعلاقة بالنصوص المقدسة؟ -ما يتعلق بالمنهج النقدي التاريخي.
عمر أوزسوي: لقد وجدت العلوم الإسلامية موطنا جديدا لها في ألمانيا اليوم، حيث يتم إيصالها، بمعنى التعبير عنها باللغة الألمانية أيضا. في الأماكن التقليدية التي كانت تمارس فيها، في البلدان العربية وفي تركيا، كانت العلوم الإسلامية تنطق بأدوات مفهومية مغايرة. ومن خلال هذه المفهومية الجديدة سيكون بوسعنا أن نستمد تماشيا نقديا تاريخيا، حتى وإن لم نطلق على ذلك هذا الاسم. ولا أرى أي داعٍ لتحفظات مفادها أنه لا ينبغي علينا كلاهوتيين إسلاميين أن نتوخى استعمال هذا المنهج.
يتعلق الأمر في المنهج النقدي التاريخي بمسألتي نشأة وتأويل النصوص، أي بالحيثيات التي نشأت داخلها النصوص وكيف يمكننا فهمها. والمسلمون لا يرفضون الفرضية القائلة بأن لهذه النصوص تاريخ. فالقرآن لم يكن في الأصل نصا متكاملا، بل تحول فيما بعد إلى نص. وإذا كانت نصوص ومقاطع منه قد نشأت ضمن ظروف وأوضاع محددة فإنه سيكون علينا أيضا أن نردها إلى ذلك السياق وأن نفهمها ضمن ذلك السياق.
يعني هذا أنكم تعملون وفقا لهذا المنهج؟
عمر أوزسوي: إنني أمارس أيضا التأويل النقدي التاريخي. فنحن لا نستطيع أن نجعل نصا، يخاطب زمنا آخر، يتحدث في عصرنا الحالي إنْ لم نفهم ماذا يريد هذا النص. غير أن للمسلمين نفورا غير مبرر من المنهج النقدي التاريخي، فقط لأنه مطبوع في شكله المعروف بصبغة مسيحية. ويخشى المسلمون أن يقودهم هذا المنهج إلى نفس النتائج التي انتهت إليها البحوث الإنجيلية، مما سيجعل النصوص لا يمكن عزوها دون إشكالية إلى الله ويسوع وموسى، أو إلى محمد بالنسبة للقرآن.
ألا يمكن أن تنجر عن هذا علاقة توتر بين الإيمان والعلوم الدينية؟
عمر أوزسوي: بأي شيء سيلتزم علم اللاهوت كعلم إذن؟ إذا تمت البرهنة علميا على أن القرآن لم يكن بإمكانه أن يُحفظ بأمانة، فستكون تلك هي الحقيقة. وبالتالي سيكون علينا أن نجعل العلوم الدينية تتلاءم مع هذه الحقيقة. غير أن الأمر ليس كذلك. في الحالة الخاصة بالقرآن ليس لدينا أي داعٍ للبحث عن مؤلفين للمقاطع المختلفة من النص. فبين أيدينا نص متكامل نابع عن شخص واحد؛ يسمي المسلمون ذلك وحيا. بالنسبة لخبراء العلوم الإسلامية هي كلمات النبي محمد، وبالنسبة للمسلمين كلام الله على لسان آدمي. وبصرف النظر عن هذا البعد الإيماني للمسألة فإنه بمستطاعنا أن ندرك الكيفية التي تم بها حفظ ذلك الكلام الذي نطق به محمد، وكيف تم نقله. إنها مسألة تتعلق بكل من مجالَيْ العلوم اللغوية والعلوم التاريخية.
أين ترون اختلافات مع علم اللاهوت المسيحي؟
عمر أوزسوي: هناك شيء يقلقني في كون لقاءات الحوار تركز دوما إما على الاختلافات وحدها أو على الأشياء المشتركة دون غيرها. لكن الحقيقة هي أن الاختلافات تظهر ضمن إطار المسائل المشتركة. فكلا الديانتين تنطلقان من مفهوم الوحي الذي تتم بموجبه علاقة اتصال بين الله والإنسان. أما كيف يتجلى ذلك الوحي، وأية تبعات ستكون لكل طريقة لتجلي الوحي وأي نوع من الفهم سينجر عنه، فذلك هو موقع الخلاف بين العقول من كلا الطرفين.
لابد أن ننظر إلى الإسلام كتتمة لمسار تقليد الوحي اليهودي المسيحي. يتبنى القرآن من بين ما يتبناه قصة الخلق الإنجيلية، لكنه يدخل تحويرات على روايتها. ففي القرآن لدينا رواية لا نستطيع أن نستمد منها لا قصة عن التخليص ولا خطيئة أصلية.
وماذا يعني ذلك؟
عمر أوزسوي: أنا لا أنطلق من مواضع الاختلاف بل من المسائل المشتركة، غير أنه يمكن أن تكون هناك اختلافات في المسائل المشتركة أيضا، لا لأن لكل من المسلمين والمسيحيين بنية ذهنية مختلفة، بل لأن لكل منهما مواد للتفكير تختلف عن الأخرى. فالمسلمون لم يكونوا يشعرون في مرحلة النشأة والحقب الأولى للإسلام قَطّ بحاجة إلى تبرير عقيدتهم الإسلامية أمام متطلبات العقلانية. بينما الأمر يختلف في المسيحية. فمسائل التثليث والتخليص أو صلب المسيح كلها مسائل على غاية من التعقيد وتتطلب تبريرا عقلانيا. والإسلام لا يدعو إلى شيء من قبيل المرويّ السردي، بل إلى شيء يحمله الإنسان على أية حال في نفسه بموجب مبدأ الخليقة.
هل تعتقدون أن التقاليد الإسلامية المتنوعة في مجملها قد أصبحت لها مكانة واثقة داخل الجامعات الألمانية؟
عمر أوزسوي: الأمر على غير هذا في الوقت الحاضر، غير أن ذلك هو ما ينبغي أن يكون، وأنا متفائل جدا على أية حال في هذا الشأن.
حاورته: كلاوديا منده
ترجمة: علي مصباح
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014