نظرة على الشرق من خلف ستارة
ولد قادر عبد لله سنة 1954 في إيران، ثم درس العلوم الفيزيائية بجامعة طهران قبل أن يغادر بلاده سنة 1988 كلاجئ سياسي. هذا الكاتب الإيراني الذي يحمل إسما مستعارا مركبا من إسمين لصديقين له اغتيلا يقيم حاليا في أمستردام. روايته التي تحمل عنوان "بيت المسجد" والتي يصف فيها استيلاء الأصولية الإسلاموية على الحياة اليومية لعائلة تحيا وفقا للتقاليد جعلت الكاتب عبد الله يقتحم قائمة الكتب الأكثر مبيعا في هولندا.
عندما قدمت إلى هولندا كلاجئ سياسي سنة 1988 كنت قد ألّفت قبلها عددا من الكتب باللغة الفارسية. فكيف كان الأمر بالنسبة لك عندما شرعت في الكتابة باللغة الهولندية؟
قادر عبد الله: أمر مجهد؛ مجهد بطريقة شنيعة. كان علي أن أبحث وأدقق في كل كلمة أكتبها. كنت أعمل مثل صائغ مجوهرات: أتناول الكلمات كلمة كلمة أمعن فيها النظر، أتشممها ثم أخطها على الورق بالنهاية. كان ذلك بكل بساطة عملا حرفيا صرفا، وكان يكلفني مقدارا كبيرا من الطاقة، خاصة بالنسبة لكتابي الأول الذي قضيت خمس سنوات في الاشتغال عليه.
وهل أدى ذلك الى تغيّر ما في طريقة كتابتك؟ هل جاءت الكتب التي ألفتها باللغة الهولندية مختلفة عن سابقاتها التي كتبتها بالفارسية؟
عبد الله: عندما أتيت إلى هنا قبل 17 عاما حللت كإيراني. لكن سبعة عشر عاما من المجاهدة مع اللغة الهولندية قد جعلت مني إنسانا آخر. فأنا الآن أكتب بعقليّة هولندي. وأعاين ثقافتي الأصلية من مسافة خمسة، أو ستة أو سبعة آلاف كيلومتر. وبما أنني أكتب اليوم لقراء هولديين وبلجيكيين وأوروبيين فإنني أنظر إلى ثقافتي الأصلية بعين تختلف عن تلك التي كنت أنظر بها قبل 17 عاما.
وأين يكمن الفرق بين هاتين النظرتين؟
عبد الله: روايتي الأخيرة "بيت المسجد" مثلا كتبتها خصيصا لقراء هولنديين وبلجيكيين وألمان وأميركيين، ذلك أن المسألة ستكون غير ذات فائدة تذكر بالنسبة لجمهور الإيرانيين. إنني آخذ بيد قرائي وأسمح لهم بإلقاء نظرة على ما يدور خلف الستارة. ولأنني أعايش الهولنديين منذ 17 سنة فقد أصبحت على دراية بما يعرفون وبما ينقصهم من المعرفة، وكذلك بما يتطلعون إلى معرفته وبالأماكن التي ينبغي علي أن أرافقهم إليها.
يعني أنك تقدم شهادة عن موطنك الأصلي؟
عبد الله: أجل، إنه بالضبط نوع من شهادات المعاينات الميدانية. ففي هولندا يتمتع عبد الله بمصداقية لدى الناس، ولذلك أقول لهؤلاء: ألا تريدون مرافقتي؟ سآخذكم معي إلى واقع ثقافتي. فالإسلام والقرآن وإيران والشرق الأوسط كلها موضوعات تستأثر باهتمام الناس حاليا في أوروبا. للناس رغبة في الاطلاع على القرآن والدين الإسلامي والحضارات القديمة. وبالتالي أقول لهؤلاء: تعالوا معي، سأريكم كل هذه الأشياء.
لكن كتابك يتناول أيضا اقتحام الدين لمجال الحياة الخاصة. وأنت تصف حياة عائلة تقطن في بيت ملاصق للمسجد وقد رأت نفسها تدخل في مواجهة مع الأصوليين أثناء الثورة الخمينية بالرغم من أنها عائلة كانت تقيم على الدوام اعتبارا وإجلالا للقرآن.
عبد الله: إنها قصة في حد ذاتها هذه العلاقة مع القرآن. فعندما أقرأ القرآن أقرؤه مثل كتاب شعري جميل قديم يحكي عن الماضي وعن الديانات. إن القرآن على نفس القدر من الأهمية بالنسبة لي مثل الإنجيل، فكلاهما ينتميان إلى أجمل ما يوجد من الكتب في العالم.
هذا هو رأيي الخاص على أية حال. لكن إذا ما وضعنا هذا الكتاب اليوم بين يدي الرئيس الإيراني الحالي فإنه سيقرؤه بطريقة مغايرة. سوف يستعمله كأداة لتبرير العنف. فالأئمة والملالي الإيرانيون يتناولون كتابا عمره 1400 سنة ويقرأونه كمصنف قوانين شرعية يستعملونه في تعاطي نشاط سياسي ويريدون توظيفه في تسيير شؤون البلاد.
وهو ما يؤدي بهم إلى ضلال شنيع! إذ عندما يريد المرء أن يحكم بلادا بالقرآن فسيكون ذلك هو الجحيم بعينه! وهذا هو ما يحدث اليوم في إيران والذي يمكن للمرء أن يشاهده. هناك مواطنون عاديون يملكون نسخة من القرآن في بيوتهم، ومن حين لآخر يستعملونه كدليل عرفي في معاملاتهم مع أبنائهم وجيرانهم، ولا يتجاوزن هذا الحد في النعامل معه. وهنا نرى أن الناس يقرأون أيضا الأناجيل لكن لا أحد ينظر إليها كدستور قانوني.
تعود في كتابك إلى فترة حكم الشاه والإطاحة به عن طريق الثورة الخمينية. وقد لقي الخميني مساندة من طرف اليسار السياسي في البداية، فهل مني هؤلاء بخيبة أمل كبرى وبإحباط لانتظاراتهم بعد ذلك؟
عبد الله: لقد كان الشاه مجرد دمية في أيدي الأميركيين ولعل ذلك هو ما مكن الخميني من الإطاحة به وطرده من البلاد بسهولة. لكن إيران لم تعرف منذ زمن طويل أي نوع من الحرية. فقد عشنا لما يعادل الثلاثة ألاف عام تحت هيمنة نظام استبدادي مرعب.
ولم يكن للناس من خبرة بحرية التعبير ولا أية تجربة انتخابات حرة. وعلى أية حال لم يكن لنا من خيار آنذاك إلا بين الشاه والخميني. لم نكن نريد الشاه، وفي الآن نفسه لم يكن هناك من بديل آخر. كان هناك زعيم واحد، وذلك الزعيم هو الخميني.
بعد مرحلة ليبرالية طويلة نسبيا عرفتها إيران إثر موت الخميني تجد البلاد نفسها اليوم مجددا تحت حكم رجل أصولي. فهل يمثل هذا وضعا خطيرا؟
عبد الله: بوش يريد أن يقصف إيران، وأعتقد أن آيات الله والملالي يرغبون في ذلك أيضا. إنهم يودون أن يدخلوا التاريخ كأبطال معادين لأميركا. وأنا لا أتمنى أن يكتب لهم ذلك بطبيعة الحال، كما أتمنى أن لا يقدم بوش على حرب ضد إيران. من الأفضل للمرء في نظري أن يحاول التحاور معهم، وإلا فإن الزعماء الروحيين سيكسبون مساندة الشعب الذي سيقف وراءهم لمحاربة أميركا.
أجرى الحوار إيليا براون
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2007