"المفاوضات المباشرة بدل سياسة العقوبات"

يرى هانس بليكس، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرِّية IAEA أنه لا بد من إجراء محادثات مباشرة مع طهران إزاء برنامجها النووي واعتماد سياسية الحوافز كمخرج لهذا الملف الشائك. توماس لاتشان تحدَّث إلى هانس بليكس حول تعامل الغرب مع إيران وموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الملف النووي الإيراني.

تنتقد الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية في تقريرها الذي قدَّمته في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2008 إيران بسبب استئنافها لنشاطاتها النووية وعلى الرغم من العقوبات المختلفة التي فرضتها عليها هيئة الأمم المتَّحدة قامت بتخصيب نحو طنَّين من اليورانيوم. فهل تأتي تحرِّيات الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية وتقاريرها بنتائج جديدة؟

هانس بليكس: لا، أنا لا أعتقد أنَّ ذلك سيأتي بنتائج جديدة. فالوكالة الدولية للطاقة الذرِّية قامت منذ فترة طويلة بعمليَّات تفتيش وبحثت عن أجوبة لأسئلة لا ترغب الحكومة الإيرانية في الإجابة عنها. وبعض هذه الأسئلة يتعلَّق أيضًا بمعلومات عسكرية حسَّاسة من حقِّ طهران عدم الإجابة عنها. ولهذا السبب فأنا لا أعتقد أنَّ الاستمرار في أعمال التفتيش سيكون على وجه الخصوص عملاً مفيدًا. وصحيح أنَّ الهدف هو حمل إيران على الكشف عن أوراقها؛ ولكن من المستحيل إثبات عدم وجود أسلحة ذرِّية هناك. ولذلك فإنَّ إيران لا ترى أي سبب للكشف عن أوراقها.

وربما يأمل المحقِّقون في العثور على أدلة وسندات معيَّنة، على وثيقة أو رسالة أو شيء كهذا يثبت أنَّ إيران تحاول صناعة هذه الأسلحة الذرِّية. ولأنَّ ذلك لا يحصل فإنَّ التحقيقات وعمليَّات التفتيش تستمر. وأنا أعتقد أنَّ إيجاد حلّ لهذا الخلاف لا يتم من خلال عمليَّات البحث والتفتيش، بل من خلال المفاوضات السياسية.

إذن هل يبدو الآن أنَّ هناك تحوّلا مع رئيس الولايات المتَّحدة الأمريكية الجديد، باراك أوباما؟

بليكس: لقد قام على كلِّ حال الرئيس الإيراني بتهنئة باراك أوباما بالفوز في الانتخابات - وهذه برأيي بادرة حسنة. وثمة أمل بأن يتم الآن استئناف المحادثات مرَّة أخرى. فالولايات المتَّحدة الأمريكية هي التي تمتنع عن التحدّث مع إيران قبل أن توقف برنامجها النووي. وحتى إنَّ كوندوليزا رايس عرضت على إيران السفر إلى هناك إذا خفَّفت طهران من حدَّة لهجتها. وحاليًا نحن موجودون في وضع لا يفضي إلى أي شيء.

وعندما يلحّ طرف على إجراء اللقاء، فمن الممكن للطرف الآخر وضع شروط، بيد أنَّ الإيرانيين لا يأبهون بإجراء لقاء، فالولايات المتَّحدة الأمريكية والغرب هما اللذان يخشيان من البرنامج النووي الإيراني. وباراك أوباما لديه كلّ الحقِّ عندما يقول إنَّه من الجائز جدًا للمرء الحديث مع العدو. وليس من المفترض أن يكون الطرفان متشابهين في الرأي من أجل الحديث مع بعضهما. ولذلك فإنَّ الإيرانيين يأملون في أن تثبت الإدارة الأمريكية الجديدة أنَّها أكثر سلمًا وتسامحًا. وصحيح أنَّ هيلاري كلينتون قد هدَّدت إيران بالإبادة في حال أقدمت على مهاجمة إسرائيل بأسلحة ذرِّية - ولكن فقط في هذه الحال. وعلى كلِّ الأحوال ستكن هذه المحادثات محادثات غير سهلة. ولكن المحادثات المباشرة ستكون جيِّدة.

حتى الآن لم تحمل العقوبات إيران على التخفيف من حدَّة لهجتها. فهل تشكِّل العقوبات منطلقًا خاطئًا؟

بليكس: أنا لم أعتقد في يوم ما أنَّ العقوبات تحقِّق نجاحًا، ولا حتى العقوبات العسكرية. بل على العكس من ذلك؛ فمن شأن العقوبات أن تشكِّل كارثة وتكون ذات أثر سلبي. وأنا أعتبر المغريات والمكافآت مفيدة أكثر بكثير.

ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية لا تستطيع الكفّ عن وضع حاملات الطائرات ونصب الصواريخ العابرة للقارَّات في الخليج والإعلان عن أنَّها تبقي لنفسها جميع الاحتمالات وحتى العسكرية مفتوحة. وأنا أعتقد شخصيًا أنَّ هذا أمرا ذو أثر سلبي. وهو يعزِّز موقف المتشدِّدين في إيران.

وطهران كشفت بكلِّ تأكيد عن بعض أوراقها وربما ينبغي لها الكشف عن المزيد منها . وينبغي للولايات المتَّحدة الأمريكية السعي من أجل إجراء محادثات مباشرة. فأنا أعتقد أنَّ عدم التحدّث مع إيران يشكِّل أيضًا إهانة. والإهانات سيِّئة في الدبلوماسية الدولية.

فهل يعدّ إذن الخيار العسكري على الإطلاق أمرًا واقعيًا؟

بليكس: لا أعتقد أنَّ هذا سيحصل على أرض الواقع - الآن لم يعد واردًا. فالإدارة في واشنطن منقسمة كثيرًا في هذه المسألة؛ فهناك المتشدِّدون مثل ديك تشيني الذين يتبنّون منطق القوة العسكرية، وهناك المعتدلون الذين يؤيِّدون الحوار. والآن في الوقت الذي لم يعد فيه جورج دبليو بوش موجودًا على كلِّ حال في منصبه فلن يعد هناك هجوم عسكري.

والمعتدلون في واشنطن بذلوا بعض الشيء؛ وكوندوليزا رايس هي التي اهتمَّت بأن تذهب الولايات المتَّحدة الأمريكية مع الدول الغربية مثل بريطانيا العظمى وألمانيا وفرنسا عندما كان الأمر يتعلَّق بإغراء إيران بتسهيلات اقتصادية، أي بمنحها عضوية في منظمة التجارة العالمية وتقديم المساعدات لها من أجل برنامج نووي سلمي. وقد خفَّفت رايس من حدَّة لهجتها ودعمت ذلك. وكان ذلك برأيي جيِّدًا جدًا.

وهذا هو الإرث السياسي الذي سيستلمه أوباما؛ وأنا أعتقد أنَّ في عهده سيكون هناك خطوات معتدلة وحتى علاقات دبلوماسية - ليس على المستوى الرئاسي، بل على مستويات كثيرة جدًا وأقل ارتفاعًا. ولكن يجب أن يتم إجراء محادثات مباشرة.

سوف تجرى في شهر حزيران/يونيو أيضًا في إيران انتخابات رئاسية. فهل تعتقد أنَّ هذه الانتخابات سوف تغيِّر شيئًا ما؟

بليكس: أنا لست خبيرًا في شؤون السياسة الداخلية الإيرانية، بيد أنَّ اقتصاد البلاد سيِّئ جدًا وسياسة أحمدي نجاد لا تتحقَّق، كما أنَّ سعر النفط منخفض. وهذا ما يفيد خصومه ويصل إلى أيديهم. والإيرانيون ليسوا معادين بطبيعتهم لأمريكا، ولكنهم يعتزّون ببرنامجهم النووي ولا يريدون أن تتم إهانتهم. وربما يخسر أحمدي نجاد الانتخابات ويفوز بها شخص من المعسكر المعتدل. ولكن حتى ذلك يجب على ألمانيا وبريطانيا العظمى والولايات المتَّحدة الأمريكية الاهتمام بأن لا يقوموا من خلال تعاملهم مع إيران بتقوية المتشدِّدين في إيران.

هل الفرص الآن أفضل من أجل الحوار؟

بليكس: الآن وبعد الانتخابات تعتبر الفرصة مواتية. ولا يوجد في الإنجازات البطيئة سوى عيب واحد؛ فعمليَّات تخصيب اليورانيوم في إيران تسير إلى الأمام، كما يتم تركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي. ولكن على الرغم من ذلك فأنا أعتقد أنَّه من الحكمة أن يتم التقارب الآن في محادثات وإجراء اتِّصالات على مستوى أقلّ ارتفاعًا.

أجرى الحوار: توماس لاتشان
ترجمة: رائد الباش
دويتشه فيله 2008

عمل هانس ماتريكس بليكس في الفترة من عام 1981 حتى عام 1997 رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرِّية IAEA وفي الفترة من شهر كانون الثاني/يناير عام 2000 حتى شهر حزيران/يونيو عام 2003 رئيس لجنة الأمم المتَّحدة للرصد والتحقيق والتفتيش "أنموفيك" UNMOVIC.

قنطرة

المتشددون الإيرانيون ضد الانفتاح الاقتصادي:
عرض أوروبي مرفوض في أزمة الملف النووي الإيراني
يأمل مفاوضو الإتحاد الأوروبي من خلال مغريات اقتصادية على حمل إيران للتخلي عن عمليات تخصيب اليورانيوم. ولكن لم يعد يرحب الإيرانيون بالتعاون الاقتصادي مع الأوروبيين على عكس ما كان متوقعاً. بقلم ميشائيل هايم

طهران مصرة على العودة إلى استئناف انشطتها النووية:
توتر العلاقات الأوربية-الإيرانية
عادت الأزمة الخاصة بالملف النووي الإيراني إلى الواجهة بعد إعلان طهران عزمها استئناف بعض أنشطتها النووية، مسؤولون أوروبيون عبروا عن تشاؤمهم بالخطوة الإيرانية وطهران لا تخشى من تحويل الملف إلى مجلس الأمن.

البرنامج النووي الإيراني:
الأسلحة النووية تعارض الدين الإسلامي
من الممكن أن تخسر القيادة الإيرانية في طهران الكثير في لعبة البوكر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. يطلعنا الكاتب والصحفي بهمان نيروماند على الأهداف السياسية التي ترمي إليها إيران من خلال سياسة المماطلة التي تتبعها في الخلاف الدائر حول برامجها النووية.