18 كاتباً ....18 رسالة... 18 حكاية
18 كاتباً و18 رسالة. 18 حكاية واعترافا ومقالة. النبرة في معظم الأحيان سوداوية، هادئة، متحفظة. 18 طريقاً لرؤية المغرب بلداً وناساً. 18 طريقاً مختلفاً؟ في الشكل نعم، في المضمون لا. بكلمات واضحة يتم وصف الأحوال السيئة المعتادة: الفقر وانسداد الأفق والفساد والبطالة والأصولية الناجمة عن كل ذلك وكذلك الرغبة في الهجرة من البلد.
رغم ذلك، فإن الدوافع للكتابة مختلفة عند عديد من الكتاب: إنهم يرون مواطنيهم وقد استولى عليهم اليأس والشلل وانعدام الشجاعة. حفرة وجودية تفتح فاها، عدم رمادي، وفيه تنهار خطط حياتية كثيرة. الإرادة موجودة، ولكن الناس تفتقد إلى الجَلَد والصبر والإصرار. المغرب – هكذا نقرأ في رسائل عديدة - بلد الآمال المُحبطة، بلد النوايا الحسنة غير المتحققة. هل من الممكن أن يتغير الوضع؟ المرء بحاجة إلى أشياء عديدة حتى لا يفشل في هذا البلد، أكثر مما يحتاجة المرء في بلاد أخرى. نعم، الرغبات والآمال والمواهب متوفرة، بل إن البلد يفيض بها. ولكن الشروط اللازمة لتحقيق تلك الآمال والرغبات غير موجودة في معظم الأحيان.
العالم العابث
بالإضافة إلى كل ذلك هناك الحلم بالنجاح دون بذل جهد، حلم الصعود السريع المجاني. العبثي في الأمر هو أن ذلك الحلم تحديداً هو الذي يربط المغاربة بالبشر في باقي أنحاء العالم، هو الذي يصلهم بذلك العالم العابث، بأولئك المشهورين الذين يدافعون بملء الفم عن وضعهم دون أن يستطيعوا أن يشرحوا للناس على أي أساس ترتكز تلك الشهرة. "إن المغرب أيضاً"، هكذا كتب الطاهر بن جلون، وهو بسنواته الخمس والستين شيخ المؤلفين في الكتاب، "قد انتقلت إليه عدوى حمى المال والثروة الطائلة، حمى الزيف والتطاول".
وهم الخصوصية
ماذا يعني ذلك، وكيف تكون ردة الفعل عليه؟ هذا هو موضوع كافة المقالات في الكتاب تقريباً. أما الإجابة عن تلك التساؤلات فإنها تساعد هذا النوع الأدبي الذي كاد يطويه النسيان، أدب الرسالة، إلى تلك الوظيفة التي اشتهر بها في الأيام الخوالي: الرسالة تغدو وسيطاً لتبادل الأفكار والبوح بها، وهي لا تخطئ هدفها حتى وإن كان واضحاً منذ البداية أن عملية التراسل، الشخصية أساسا،ً ستفقد خصوصيتها عندما تُعرض على جمهور القراء العريض. ربما يحقق ذلك الشكل الحميمي أكبر تأثير عندما تكون الحميمية مُختلقة.
غير أن وهم الخصوصية له هدفه: إنه يدعو القارئ إلى تقبل الألم في الاعترافات. هاشم طاهر على سبيل المثال، المولود عام 1989، وهو بذلك أصغر المؤلفين في الكتاب سناً، يهتم في رسالته بآلام شخص آخر، بالشعور الكارثي لشاب لا يستطيع أن يفرح في بلده أو لأحوال بلده، لذلك يريد أن يهجره ويبحث عن سعادته في مكان آخر. ولكن: هل سينجح في مكان آخر؟ هل سيسيطر على مجريات حياته في بلد آخر؟ ليس هذا بالأمر الأكيد. لماذا لم تنهِ دراستك، يتساءل طاهر. لأن شهادة إتمام الدراسة لا تجلب شيئاً على كل حال. ولكن: هل هذا أكيد؟ يلاحظ طاهر – ككتاب كثيرين آخرين – تنامي الأصولية من حوله، لكن تلك الأصولية تسلب المغاربة أكثر ما يحتاجون إليه: تسلبهم الثقة والتفاؤل.
جيل ناقد لنفسه
وهذا تحديداً هو الفارق بين جيل الكتّاب المجتمعين هنا – وقد ولد معظمهم في سنوات السبعينيات – وبين الأجيال السابقة لهم: إنهم يرون بوضوح ضعف المؤسسات في مجتمعاتهم، لكنهم لا يعزون أخطاءهم إلى ذلك الضعف. لم يعد هذا الجيل يشعر – مثل سابقه - بالفرحة العارمة من أجل الاستقلال. الجيل الحالي يلقي نظرة هادئة على نصف قرن انقضى منذ استقلال البلاد، في هذه الفترة كان لدى المغاربة فرصة كافية لكي يتدربوا على فن الإزاحة والتناسي.
"إنني أثور وأنفعل ويستولي علي الغضب عندما أسمع تلك العبارات التي يتفوه بها البعض ناسبين إلى الآخرين كل الأخطاء والإهانات والنكسات والإخفاقات"، تقول الصحفية سناء إلاجي. "الولايات المتحدة وإسرائيل والمشاكل العائلية والحكومة والفقر والجهل والأمية والخمر – إنها قائمة طويلة. أنا لا أفهم لماذا يعتقد عديد من أبناء هذا البلد أن الولايات المتحدة الأمريكية مهووسة بتمريغ قيمنا في الوحل." ليس من السهل النطق بكلمات كهذه، ولا حتى في رسالة: فبسبب مقالة نُشرت في المجلة الساخرة "نيشان" وكان موضوعها النكات الشائعة في المغرب عن الدين، صدر حكم بالسجن ثلاث سنوات مع إيقاف التنفيذ ضد إلاجي وإدريس كسيكس، رئيس تحرير المجلة.
كائنات مُقتلعة من جذورها
إنها تلك الظروف التي يريد عبد الله طايع، محرر هذا الكتاب، أن يواجهها. وطايع هو أول كاتب في المغرب يعترف علناً بمثليته الجنسية. فعل طايع ذلك قبل عامين مثيراً نقاشاً ضخماً في بلاده حول هذا الموضوع. والآن ها هو يصدر مجموعة الرسائل. في رسالته هو يتحدث عن أبيه، الرجل الذي لم تكن له جذور: ليس أبوه ذلك الإنسان الذي يعتقد أنه هو – هكذا قال له أخوه يوماً. لأن الأب ثمرة علاقة غير زوجية أقامتها أمه. رغم ذلك سُمح له بحمل اسم "طايع". حقيقة أم خيال؟ هذا السؤال لم يستطع أن يجيب عليه قط. غير أن الشبهات ظلت تحوم، وظل الوالد يعاني منها حتى وفاته في عام 1996.
الكتّاب الآخرون يتحدثون أيضاً عن الاقتلاع من الجذور. الكاتبة رشيدة لمرابط التي تعيش في بلجيكا تتحدث عن عبادة الذكورة لدى شباب المغاربة، والمحاولة اليائسة للتحكم في مسار الحياة في الغربة. الفنان منير فاطمي يتحدث عن فقر سنوات طفولته وعزمه على التعايش معه. عبد الحق سرحان يستطلع بصورة ساخرة الأحكام المسبقة التي تحيط بالساسة. أما الصحفي يونس بومهيدي فيحث أبناء جيله على عدم الهجرة من بلادهم – فالبلد في أمس الحاجة إلى الشباب. حذار من الوقوع في هوة اليأس، يقول الكتّاب مشجعين أنفسهم وقراءهم. حذار من الوقوع في هوة اليأس، حتى وإن كان الوضع ليس سهلاً – بل بسبب ذلك تحديداً.
كيرستن كنيب
ترجمة صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2009
هذه الرسائل نشرت الآن في كتاب بعنوان "رسائل إلى شاب مغربي"، وتم توزيع 50 ألف نسخة منها مجاناً مطلع أغسطس/آب عبر المجلة الإخبارية Tel Quel. وفي غضون شهرين سيطرح الكتاب في الأسواق الفرنسية.
قنطرة
إدريس بن حامد الشرادي - "حياة مليئة بالحفر":
سحر القصة الشفوية بنكهة الأدب المكتوب
لا يعتبر كتاب "حياة مليئة بالحفر" مجرَّد صورة قوية الدلالة، تصوِّر حياة أفقر الفقراء في المغرب إبَّان فترة الاستعمار، بل هو أيضًا خير دليل على التمكّن من نقل سحر القصص الشفوية التي تُروى بشكل مباشر إلى الأدب المكتوب. ريتشارد ماركوس يستعرض هذا الكتاب.
رواية "يمّة - أمّي، ابني" للكاتب الطاهر بن جلون:
"ليست مجنونة، لكنها على سفر"
يتابع الكاتب المغربي الطاهر بن جلون حياة أمّه التي تعاني من اضطرابات في الذاكرة، متقصيًا سيرتها الذاتية منذ زواجها الأول الذي استمر فترة قصيرة حتى شيخوختها، حيث أصبحت لا تستطيع مفارقة السرير ولم تعد تتعرّف على نفسها. أنغيلا شادر قرأت هذه الرواية التي ترجمت إلى الألمانية.
حميد سكيف في رواية "جغرافيا الخوف":
حياة مهاجر بلا أوراق في الخفاء
حميد سكيف صوت لا يمكن التغافل عنه داخل الكتابة الأدبية في المغرب العربي. الصحافي والكاتب باللغة الفرنسية يفسح من منفاه الألماني في روايته الجديدة "جغرافيا الخوف" المجال لمهاجر غير شرعي للتحدث عن نفسه في واقعية مثيرة للفزع. عرض نقدي كتبته نعيمة الموسوي.