قصص داعشيين حقيقية مع نساء مختطفات
العنوان المستفز لأحدث كتب دنيا ميخائيل -أول أعمالها [الأدبية الواقعية] غير الخيالية- مختلف بشكل ملحوظ في الترجمة. ففي العربية، عنوان الكتاب هو "في سوق السبايا". في مرحلةٍ ما، أخبرتنا دنيا ميخائيل ومترجمها ماكس ويس أن كلمة "سبايا" تعني "عبد جنسي"، رغم أن ذلك ليس دقيقاً تماماً. وفي كثير من الأحيان، أُبقيَ على كلمة "سبايا" [العربية]. أما في طبعة الولايات المتحدة، الصادرة في آذار/مارس 2018، أصبح عنوان الكتاب "النحّال: إنقاذ نساء العراق المسلوبات". وحين يصدر في المملكة المتحدة في آب/أغسطس 2018، سيكون العنوان "نحّال سنجار". وكلا العنوانين الإنكليزيين لا يعطيان الصدارة لا للنساء ولا لسوق السبايا، بل لنحّال عراقي في بلدة صغيرة اسمه عبد الله شريم.
بالتأكيد، فإن عبد الله هو واحد من الأبطال العظماء في الكتاب: فبعد أن طردته قوات داعش من منزله وقتلت أو خطفت غالبية عائلته، نظّم عبد الله شبكة إنقاذ للنساء اللواتي استعبدتهن داعش. كما أنه نقل قصص هؤلاء النساء إلى ميخائيل، وهي شاعرة عراقية مرموقة تعيش في الولايات المتحدة. يُعتبرن أقل من إنسان نشرت دنيا ميخائيل سابقاً عدة مجموعات شعرية حازت على جوائز، بما في ذلك "الحرب تعمل بجدٍّ"، التي ترجمتها إليزابيث وينسلو، و"الليالي العراقية" التي ترجمها كريم جيمس أبو زيد. بيد أنها هذه المرة، قرّرت ألا تقدّم حكايات النساء عبر الشعر، بل من خلال كلماتهن الخاصة. غير أنه، حتى وإن تمت إزالة كلمة "سبايا" من العنوان، فهي تبقى مركزية في الكتاب. إذ تقول واحدة من النساء اللواتي تتحدث إلى ميخائيل، وهي معلمة حياكة عراقية تُدعى هيام، أن "ما حدث لنا لم يسبق له مثيل البتة. لقد عشنا في حرب متواصلة ولكننا لم نسمع قَطّ كلمات معينة مثل سبايا، وخلافة، ونكاح". فبالنسبة لقوات داعش، كانت كلمة "سبايا" تنطبق على النساء المسلمات غير السُنِّيات اللواتي اعتُبِرن غنائم حرب أدنى من البشر. وكما أوضح حسين كورو، مدير مكتب شؤون المختطفين، لميخائيل "يدعو تنظيم داعش رجالنا أسرى حرب ونساءنا سبايا".وبينما ينقذ عبد الله شريم البطل نساء مسلوبات، كانت امرأة هي من أنقذته أولاً. إذ أنه رافق -حين كان هارباً من مسقط رأسه- حوالي 350 شخص أثناء السفر إلى سوريا "في طريق كانت تحرسه قوات الحماية الشعبية". ويضيف: "لكي أقول لك الحقيقة، فقد كانت قوة حماية غير اعتيادية، إذ كانت مكوّنة بأغلبها من النساء". وطيلة الكتاب، تستمر النساء بإنقاذ بعضهن. فبطولاتهن الكبيرة والصغيرة هي ما يجعل الكتاب محتملاً، مليئاً بغرائبيات داعش الخيالية: القتل الجماعي، والعبودية، والتجويع، والضرب وبيع الأطفال من أجل أعضائهم. حكاية الأب-الغول جميع قصص النساء المجموعة في "في سوق السبايا" لها طابع الحكاية الخيالية. وتتضمّن واحدة منها هروب امرأة اسمها زهور وأطفالها الثلاثة الصغار. تهرب زهور من الاستعباد إلى واجهة محل خياطة لتفادي اكتشافها. وهي محظوظة لكونها ترتدي اللباس الأسود الكامل الذي أرغمها الداعشيون عليه لأن زهور، حين يقتحم الرجال محل الخياطة، تُبقي رأسها منحنياً للأسفل وتتظاهر بأنها مجرد زبونة أخرى.
وبعد خدمة زبائنها، تُخبّئ الخياطة زهورَ وأولادها،على الرغم من كون والدها داعشياً. يعود الأب مثل غول القصص الخرافية لثلاثة أيام كل ثلاثة أسابيع. وفي كل مرة يأتي بها، تتخذ زهور من خزانة خياطة ملجأ لها ولأولادها، وقد بطّنوها بالورق المقوى لإخماد الصوت. غير أن طفل زهور يشعر بالاضطراب خلال إحدى الزيارات ولم يهدأ، حتى أن زهور قاربت على خنقه لإبقائه هادئاً. وبعد ذلك، علمت هي والخياطة أنه ينبغي عليهن كسر هذه الدوامة. لذلك فإن الخياطة، ريم، تتصل بأرقام عشوائية في كردستان. ويعدها أول شخص يجيب على اتصالها بالبحث عن عائلة زهور. وبعد يومين، في الساعة الثامنة صباحاً، تأتي سيارة لتنقذ زهور وأولادها. لكن القصة تنتهي أيضاً نهاية حزينة. إذ تُقفَل الحكاية بمكالمة هاتفية إلى ريم، تعبّر فيها زهور عن امتنانها الكبير. فتجيبها ريم: "أتمنى لو أنني ذهبت معكِ". الرجال الداعشيون (العاجزون) رغم أنهم كانوا الأشخاص الذين خلقوا الجزء الأكبر من الإرهاب، فإن رجال داعش هم غالباً شخصيات ثانوية، إذ يفتقر العديد منهم إلى القدرة الحقيقية. في كل أنحاء قصة زهور، لا نعلم شيئاً عن والد ريم. ولا عن أبو قتيبة، الذي كان "مالك" زهور الأول المُسيء، ولا عن أبو سيّاف، الذي اشتراها من أبي قتيبة ورفض إطعامها. والعضو الوحيد في داعش الذي نتعرف عليه هو "الأمير الأمريكي"، المهتدي الذي أتى من الولايات المتحدة وكافح ليتمكن من التحدث بالعربية البسيطة. ريما يكون الأمريكي من أشد الغرائب بالنسبة لعبيد داعش، من حيث أنه لم يكن يطلب مجرد الطاعة بل أيضاً التظاهر بالحب. لقد أخبر امرأة تدعى بديعة قائلاً: "سوف تحبينني. يجب أن تأتي وتطلبي مني أن أنام معك، أن أمارس الحب معك من دون قيود حول معصميك أو قدميك".
يُبقي الأمير الأمريكي النساء مستعبدات ومع ذلك فهو يبدو في نهاية المطاف مثيراً للشفقة وعاجزاً، مثل داعشي شاب اسمه أحمد.الذي نسمع قصته من كلوديا. لقد كانوا جيراناً وبدا أن أحمد أراد مساعدتها. ومع ذلك خلال كل لحظة كان فيها يساعد كلوديا على الهرب، كان بشكل واضح في حالة رعب. فبعيداً عن كونهم مسيطرين على عوالمهم، يبدو أن الرجال الداعشيين مذعورون من الأنظمة التي يفرضونها. وإذ يمتلئ معظم الكتاب بقصص النساء مباشرة من أفواههن. فإن ميخائيل تُضمِّنه أيضاً لحظات من علاقتها بالعراق، إضافة إلى حساسيتها الشعرية. بين كل حين وآخر، يبدو أن النص يتفجّر شعراً، مثلما حين تستحضر ميخائيل المرارة الأليمة لامرأة: "انفجر ثوبها،/تناثرت الزهور في الهواء،/اندفعت الألوان عالياً كما الألعاب النارية في احتفال،/ لكن؛ لم يكن من الممكن سماع صوت،/ لا صوت...". في النهاية، سواء أسمينا الكتاب "في سوق السبايا" أو "النحّال"، فهو يُظهِر أن أفضل صفات الإنسان يمكن أن تستمر حتى في أسوأ الأوقات. كما أنه يُظهِر لنا قوة وقدرة المضطهَد. فبرغم أن الكثير يمكن أن يُأخذ منهم، فإنهم هم الذين بإمكانهم تغيير الحكاية. مارسيا لينكس كويليترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de