لا وقت للحريات في هبة النيل
عرفت القضية باسم "غرفة عمليات رابعة" نسبة إلى اعتصام لأعضاء ومؤيدي جماعة الإخوان أمام مسجد رابعة العدوية في شمال شرق القاهرة فضته قوات الأمن في أغسطس/آب 2013 وقتل فيه مئات المعتصمين وثمانية من قوات الأمن.
واعتبر يحي قلاش نقيب الصحفيين هذه الأحكام بأن "لها طابعا سياسيا"، مضيفا أن النقابة بصدد تشكيل لجنة قانونية حقوقية من كبار المحامين للدفاع عن صحفييها المحبوسين أو المحكوم عليهم، مشيرا إلى أن عدد الصحفيين المحبوسين المقيدين بالنقابة هم 8 صحفيين، في حين يصل عدد الصحفيين غير المقيدين بالنقابة ما بين 60 إلى 120 صحفيا، مؤكدا أن اللجنة ستدافع عنهم جميعا، مشيرا إلى أن النقابة تطالب على الأقل بحق الصحفيين المحبوسين الطبيعي في محاكمات عادلة".
ويُعول الصحفيون مؤخرا على التشكيل الجديد لمجلس نقابتهم، وبدء تحرك لجنة الحريات في ملف الصحفيين المعتقلين.
وأضاف قلاش أنه بالرغم من تحقيق مكاسب لحرية الصحافة في تعديلات الدستور لكنها لم تترجم إلى تشريعات قانونية، وأصبح هناك تراجع حقيقي للحريات بعد عزل الإخوان في 3 يوليو 2013 وازدياد ممارسة العنف، فأصبح هناك إعلاء للمعالجة الأمنية على حساب حرية التعبير، كما أن الصحافة جزء من المجتمع الذي يعيش حالة من الاستقطاب حتى أننا نسمع داخل الوسط الصحفي نفسه من يطالب بشطب الإخوان من النقابة وأننا في حالة حرب".
المسموح والممنوع في الصحافة المصرية
ويرى حسين نجاح الصحفي بجريدة الأخبار ،37 عاما، أن أسوأ ما هو في الصحافة الآن هي "الرقابة الذاتية التي تعلمها الشباب من الجيل الأكبر، ويفكرون ما إذا كان الموضوع يتماشى مع سياسة تحرير الجريدة أم لا، لأنه إذا كان فيه انتقاد للسياسات العامة فبالتأكيد سيبتعدون عنه".
ويضيف حسين نجاح: "في الوقت الحالي هامش الحرية الذي كان موجودا يقل، حتى في الصحف الخاصة لم يعد هناك فرق كبير بينها وبين الصحف القومية، بل أصبحت التغطية أسوأ من أيام مبارك".
واضطر الصحفي محمود شعبان للسفر للبحث عن فرصة عمل تكفل له حرية أكبر بعد أن عمل في 3 جرائد خاصة كبرى في مصر، حيث يقول: "أجزم أني لم أستطع أن أحصل علي حريتي المهنية في النشر في أي منها، خاصة وأنك تدرك جيدا أن ما تريد نشره سوف يصطدم بتوجهات الرؤية التحريرية لرئيس القسم المستمدة بطبيعة الحال من رؤية المؤسسة ككل".
ويضيف: "هناك أمر آخر في علاقة الصحفي المعارض لتوجهات المؤسسة الصحفية مثلي، وهو أنه لاحظ تجاهل له لدى الإدارة في الترقي مهما كان جهده وعمله وانفراداته واجتهاداته، فضلا عن بقائه في الشريحة الأقل من حيث المرتب، بالإضافة إلي التأخير في التعيين أو الاستبعاد في التعيين من الأساس وهو حلم كل صحفي".
ويحكي أبانوب عماد صحفي فيديو بـجريدة "المصري اليوم" أن النزول للشارع للتصوير أصبح يحتاج إلى تصاريح من وزارة الداخلية، التضييق علينا بهذا الشكل لم يكن موجودا في السابق بالرغم من أننا نحمل كارنيهات مؤسسات صحفية كبرى، فما بالك بالصحفيين الذين يعملون بشكل حر".
ويتابع: "نحن أيضا نعاني ليس فقط على مستوى السلطات ولكن أنا كصحفي فيديو أواجه تشكيكا من الناس طوال الوقت بأنني أصور لقناة الجزيرة أو مواقع تابعة لجماعة الإخوان خاصة لو قمت بتصوير مشاكل الناس مثل مشكلة اسطوانات البوتاجاز، كأن دورنا ألا نتحدث عن مشاكل الناس أو ننتقد الحكومة".
في المقابل يرى الصحفي بجريدة الشروق أمجد مصطفى، 38 عاما، أن الوقت الحالي ليس وقت الحريات، خاصة وأن "الشارع نفسه يطالب وزارة الداخلية بالحزم ضد الإرهاب والفوضى في الشارع"، حسب قوله.
ويشير إلى أن "المواطنين لن يتقبلوا انتقاد الحكومة أو الجيش أو الشرطة أو الحديث عن انتهاكات الداخلية.. فالانتقاد ليس وقته لأن البلد في حالة حرب. البلد ما إن تخرج من أزمة حتى تدخل في أزمة أخرى نحتاج لبعض الهدوء حتى يستطيع المسؤولون العمل".
ويبرر مصطفى أخطاء الحكومة قائلا: "الخطأ في كل مكان ولا أحد معصوم من الخطأ.. لكن لا يجب أن نركز فقط على السلبيات .. وعندما تنتهي الأزمات الحالية فإن الناس أنفسها ستبدأ بالبحث والحديث عن الحريات".
أزمة مالية تؤثر على الصحافة المستقلة
ولا يخفى على أحد في مصر الأزمة المالية الخانقة التي باتت تهدد الصحافة المصرية المستقلة، فعدد من الصحف الخاصة استغنت عن العشرات من صحفييها فضلا عن أن هناك فضائيات لم تصرف رواتب موظفيها منذ شهور، وقنوات أغلقت تماما.
وفي هذا الصدد يقول الصحفي عبد الرحمن مصطفى، 35 عاما، إن "سوق الإعلانات يتحكم إلى حد كبير في الإعلام، وما يحدث الآن هو ضمور العمل الإعلامي تحت تأثير الأزمة المالية، وهو ما يضع الصحفيين في حالة استجداء العمل، أضف إلى ذلك إحكام الرقابة من السلطات على المحتوى الإعلامي، ما يجعل أصحاب رأس المال تحت ضغط الرغبة في البقاء، وهو ما ينقلونه للصحفيين العاملين في مؤسساتهم".
ويضيف: "سيعمل الصحفيون على تحقيق ما يريده أصحاب رؤوس الأموال، سواء بتقديم محتوى خالٍ من السياسة أو عدم الكشف عن خلل في السياسات العامة أو حتى عدم كشف فساد في دوائر متصلة بالسلطة، ويتجه البعض إلى المحتوى الخفيف والترفيهي حاليا للبعد عن الصدام".
ويقول محمد سالم رئيس القسم السياسي ببوابة التحرير إن "العمل الصحفي في مصر الآن أصبح محفوفا بالمخاطر؛ فالصحفي مطارد سواء من أجهزة الأمن إذا ما حاول ممارسة عمله الميداني بكشف الحقائق، أو من إدارات الصحف الخاصة التي تتحجج بالأزمات الاقتصادية التي تضربها حاليا، وتهدد صحفييها، من المخالفين عادة لأجندتها التحريرية، بالرحيل حال استمرار أزماتها.
وفي 2 يونيو الماضي 2014 أعلن باسم يوسف عن توقف برنامجه الساخر الأشهر بعد تعرضه لضغوط معربا عن خوفه على سلامته الشخصية وعائلته ومن حوله، ومفضلا توقف البرنامج على التقليل من سقف حريته.
وفي 24 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي 2014 وقّع رؤساء 17 صحيفة يوميّة خاصّة ومملوكة من الدولة بياناً جدّدوا فيه "رفضهم لمحاولات التّشكيك في كافّة مؤسّسات الدولة وفي خياراتها الأساسيّة أو في التّطاول على الجيش أو الشرطة أو القضاء بما ينعكس سلباً على أداء هذه المؤسّسات".
تهديدات
وفي محاولة لكسر "ما قد يعتبر محظورا" قامت جريدة "المصري اليوم" بنشر ملف عن شهداء وانتهاكات الداخلية بعنوان "ثقوب في البدلة الميري" موثقا بالأرقام والشواهد الفعلية، لكن وزارة الداخلية أصدرت بيانا اتهمت فيه أحد الصحفيين بالجريدة ورئيس التحرير بأن هناك خصومة بينه وبينها، وأعلنت أنها ستتخذ الإجراءات القانونية ضد ما نشر بحقها.
وفي محاولة لكسر "ما قد يعتبر محظورا" قامت جريدة "المصري اليوم" بنشر ملف عن شهداء وانتهاكات الداخلية بعنوان "ثقوب في البدلة الميري" موثقا بالأرقام والشواهد الفعلية، لكن وزارة الداخلية أصدرت بيانا اتهمت فيه أحد الصحفيين بالجريدة ورئيس التحرير بأن هناك خصومة بينه وبينها، وأعلنت أنها ستتخذ الإجراءات القانونية ضد ما نشر بحقها.
من جانبه وصف خالد البلشي، وكيل نقابة الصحفيين ورئيس لجنة الحريات، بيان الداخلية بأنه "درس في الاستبداد وكيفية مصادرة الجهات التنفيذية لحرية الصحافة"، مشيرا إلى أن الملف استند إلى وقائع حول فساد بعض الضباط بخلاف اتهامات التعذيب والتي وثقتها العديد من الجهات منها المجلس القومي لحقوق الإنسان والبلاغات الرسمية.
وقال: "بدلا من أن ترد الوزارة على الوقائع استندت إلى بلاغ سابق قدمته ضد الصحيفة والمحرر في محاولة للإيحاء بأن الموضوع كيدي، ونست الوزارة مجموعة من الحقائق أولها أن رئيس تحرير الجريدة الذي قالت إنه تم تقديم البلاغ ضده لم يعد موجودا وهو ما يعني انتفاء صفة الكيدية، كما أن البلاغ الذي قدمته الوزارة ردت عليه جريدة المصري في التحقيقات بالعديد من المستندات والوقائع وصار في حوزة النيابة العامة ولا يجوز استخدامه بهذه الطريقة ولا يعني أبدا أن على الجريدة الصمت على ما يرونه انتهاكات جديدة. ولا يجوز اتخاذه ذريعة لمنع انتقاد الوزارة وإلا كان الحل أن تقوم كل وزارة بمقاضاة كل الصحف التي تنتقدها لإسكاتها للأبد وإذا لم تسكت تحذو حذو الداخلية وتحاول الإيحاء بأن الأمر كيدي".
وأضاف البلشي أن توسع الجهات التنفيذية في تقديم بلاغات ضد الصحافة والصحفيين هو باب جديد لمصادرة الحرية ولابد من ضبطه خاصة وأن هذا الأمر مارسته الداخلية وغيرها من الوزارات مع عدد كبير من الصحف أكثر من مرة حتى الآن وتعود الآن للتهديد به بل واستخدامه كمبرر لإسكات الصحف.
مصطفى هاشم-القاهرة