مكافحة التطرف الإسلاموي في ألمانيا تحت المجهر
نُشر على موقع قنطرة Qantara.de في الأوَّل من أيَّار/مايو 2017 حوارٌ باللغة الألمانية أجرته مؤسَّسة دويتشه فيله مع الباحثة الألمانية نينا كيزيهاغه (الترجمة العربية للمقال نَشَرها موقع قنطرة بتاريخ 22 / 05 / 2017). وفي هذا الحوار انتقدت الباحثة نينا كيزيهاغه طريقة تعامل السلطات الألمانية مع موضوع الوقاية من السلفية.
مباشرةً في بداية هذا الحوار تتَّهم الباحثةُ نينا كيزيهاغه السلطاتِ الأمنيةَ بأنَّها كانت تعتبر السلفية حتى عام 2013 حركةً وطنية على الأغلب. ويعارض ادِّعاءها هذا التقريرُ الذي تم إعداده في عام 2011 وبمشاركة كبيرة من السلطات الأمنية الألمانية حول المساعي السلفية المعادية للدستور الألماني.
وهذا التقرير وثيقةٌ مكوَّنة من ثلاث وستين صفحة، يتم فيها وصف الحركة السلفية صراحةً بشكل متكرر كحركة متجاوزة للحدود الألمانية الوطنية. وفضلاً عن ذلك فقد تم في عام 2009 تشكيل "فريق العمل المختص بشؤون السلفية التابع للحكومة المركزية والولايات المحلية"، الذي أصدر هذا التقرير. وكذلك يشير المنشور -الذي تم إعداده في عام 2012 من قِبَل هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الألمانية الداخلية) حول المساعي السلفية في ألمانيا- إلى وجود علاقات بين سلفيين ألمان وجماعات جهادية تنشط دوليًا.
لا توجد مرجعية عُليا تفسِّر مصطلح الإسلاموية
وبعد ذلك تنتقد الباحثة نينا كيزيهاغه مصطلح الإسلاموية. وهذا أمرٌ مشروع ضمن سياق الخطاب العلمي، غير أنَّ السلطات الأمنية الألمانية لم تقم بصياغة هذا المصطلح ولا تمتلك كذلك أية سلطة تفسير له. كما أنَّها لا تساوي بين الإسلام والإسلاموية، بل إنَّها تبعًا لذلك تُميِّز بينهما في منشوراتها. لقد استعارت السلطات الأمنية هذا المصطلح من الباحثين والأكاديميين.
وفي العمل المرجعي الألماني، الذي ربما يكون الأكثر شمولًا في مجال الدراسات الإسلامية -وقد تم نشره من قبل الأستاذ الدكتور أودو شتاينباخ والأستاذ الدكتور فيرنر إنده تحت عنوان "الإسلام في الوقت الحاضر"- استُخدم هذا المصطلح بالفعل في عام 2005 في مقال "الجماعات والحركات الإسلاموية" للدكتور يان-بيتر هارتونغ والدكتور غيدو شتاينبرغ.
وبعد أقل من عشرة أعوام صدر ضمن سلسلة منشورات دار بيك العلمية المرجعُ الحديث والذي تم تصنيفه من قبل الأستاذ الدكتور تيلمان زايدِنشتيكر حول هذا الموضوع تحت عنوان "الإسلاموية - التاريخ والعقول المدبِّرة والتنظيمات"، وقد أُعيدت فيه معالجة التكوين التاريخي لهذا المصطلح بالتفصيل. وهنا يُثبت الدكتور تيلمان زايدِنشتيكر استخدام هذا المصطلح منذ الثمانينيات.
ويضاف إلى ذلك أنَّ كلاً من هذا المصطلح وتعريفه قد تم استخدامهما أيضًا لدى روَّاد عالميين في مجال الدراسات الإسلامية المعاصرة مثل الأستاذ الدكتور جيل كيبيل والأستاذ الدكتور أوليفييه روا. وكذلك يُقدِّم البحث عن "الإسلاموية" في الفهرس الإسلامي -الذي يُعَدُّ أكبر قاعدة بيانات في العالم للمقالات العلمية في مجال الدراسات الإسلامية- أكثر من ألف ومائتي نتيجة. وإذا بحثنا بالإضافة إلى ذلك في قواعد بيانات العلوم السياسية -مثل مكتبة جايستور الرقمية أو موقع شبكة العلوم Web of Science، أو في موقع البحث الأكاديمي الأوَّل Academic Search Premier- فسنحصل على أكثر من خمسة آلاف نتيجة.
والدليل على الاعتراف بمصطلح "الإسلاموية" (الإسلامية) تثبته أيضًا حقيقة أنَّ مصطلح "الإسلاموية" (الإسلامية) و"الإسلامويين" (الإسلاميين) قد تم استخدامه على نطاق واسع حتى في العالم الناطق باللغة العربية، من قبل باحثين (مثل أسامة عبد الحق) وكذلك من قبل الإسلاميين أنفسهم (مثل حسن الترابي).
أمَّا الاتِّهام التالي الذي توجِّهه الباحثة نينا كيزيهاغه للسلطات الأمنية فمفاده أنَّ هذه السلطات كانت تأمل في ألاَّ يعود إلى ألمانيا الجهاديون المسافرون للخارج، وبالتالي ألاَّ تضطر هذه السلطات للاستعداد لهذا السيناريو.
ولكن مع ذلك فقد أُشير بالفعل في الصفحة 197 من تقرير هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الألمانية الداخلية) لعام 2013 إلى خطر العائدين من الخارج إلى ألمانيا. وفي ذلك الوقت أدركت السلطات الأمنية الزيادة المنتظمة في حالات المغادرة؛ في حين أنَّ عدد العائدين كان بالمقارنة مع عدد المغادرين منخفضًا جدًا.
تنفيذ التدابير الوقائية الحكومية
وعلاوة على ذلك فإنَّ نينا كيزيهاغه توجِّه انتقاداتها إلى وزير العدل الاتِّحادي الألماني هايكو ماس، الذي -مثلما تدَّعي- لم يفِ بوعوده بتعزيز التدابير الوقائية. وفي هذا الصدد لا تكشف كيزيهاغه عن أنَّ هناك برامجَ وقاية في مجال القضاء، يتم تنفيذها من خلال البرنامج الاتِّحادي "الحياة الديمقراطية" التابع للوزارة الاتِّحادية الألمانية لشؤون الأسرة والمسنين والنساء والشباب BMFSFJ.
وبتعاون وثيق مع وزارات العدل المختصة في كلِّ ولاية ألمانية ومراكز الديمقراطية في الولايات، تهدف مشاريع البرنامج في هذا المجال إلى إيجاد عروض وقائية تربوية لمرتكبي الجرائم الشباب المسجونين ومرافقتهم من أجل دعمهم أثناء فترة عقوبتهم وبعدها.
وبالإضافة إلى ذلك يتم تقديم الدعم لبرامج عمل من أجل مساعدة السجناء الذين أصبحوا بالفعل متطرِّفين إيديولوجيًا من أجل الخروج والابتعاد عن التطرُّف. وبدلاً من خلق هياكل موازية في المشهد الوقائي فقد قرَّر المعنيون بالتالي وعلى نحو صحيح الاستفادة من البرامج والآليات القائمة والعاملة بالفعل.
وفيما يتعلـَّق بالبرامج القائمة للوقاية والحدّ من التطرُّف، يرد الادِّعاء بأنَّ الأموال لا يتم منحها أبدًا لـ"مجموعات صغيرة"، بل يتم تقديمها فقط للمشاريع الاتِّحادية الكبيرة، وكذلك بأنَّ معظم المشاريع تعتبر مرتبطة بمؤسَّسات السلطات الأمنية.
وبالنظر إلى المشهد الوقائي غير المتجانس في ألمانيا يتَّضح أنَّ هذا الادِّعاء غير صحيح في شموليَّته. ففي بعض الولايات الألمانية تتولى السلطات الاجتماعية وفي غيرها السلطات الداخلية المسؤولية عن تنسيق عمل الشبكات الوقائية.
في هامبورغ، على سبيل المثال، يوجد مركز الإرشاد "ليغاتو" Legato، الذي تديره وكالتان محليتان ويتم تمويله من قبل السلطة الاجتماعية. وهذا المركز غير مرتبط بأي مشروع اتِّحادي. وكذلك لا يوجد ارتباط بين السلطات الأمنية وبين الوكالات العاملة على مستوى عموم ألمانيا مثل جمعية أفُق Ufuq أو مؤسَّسة الثقافة الديمقراطية ZDK صاحبة مبادرة حياة-ألمانيا.
وبصرف النظر عن ذلك يسري في ألمانيا بموجب المادة رقم 138 من القانون الجنائي الألماني اِلتزام وكالات المجتمع المدني أيضًا بالإبلاغ عن أي عمل جنائي يعاقب عليه القانون. إذ لا يمكن تجاهل السلطات الأمنية بشكل تام في أي مجال عمل يتم فيه التعامل أيضًا مع أشخاص شديدي التطرُّف ومن المحتمل أنَّهم مستعدون لاستخدام العنف.
تجاوب كبير مع مركز الإرشاد ضدَّ التطرُّف في المكتب الاتِّحادي للهجرة واللاجئين "بامف"
تُفنِّد الأرقامُ المجرَّدة الادِّعاءَ بأنَّ الارتباط مع سلطة رسمية يعتبر خطأً من حيث المبدأ وأنَّ ذلك يخلق عقبات لا يمكن التغلـُّب عليها بالنسبة للأشخاص الباحثين عن المساعدة. فقد استفاد أكثر من ثلاثة آلاف وأربعمائة شخص من عروض الإرشاد الاستشارية في الأعوام الخمسة الماضية منذ إنشاء مركز الإرشاد ضدَّ التطرُّف في الهيئة الاتِّحاديية للهجرة واللاجئين. وتضاف إلى ذلك مئات الحالات، التي يَتَوجَّه فيها الناس مباشرة للاستفادة من العروض المحلية في كلِّ ولاية من الولايات الألمانية المعنية.
وبالمقارنة مع العمل في مجال الوقاية من اليمين المتطرُّف فإنَّ العمل الوقائي الموجَّه ضدَّ التطرُّف الإسلاموي/الجهادي يُمثِّل مجال عمل جديد إلى حدّ ما. ونتيجة لذلك فمن المؤكَّد أنَّ عمل السلطات لا يخلو من العيوب. يتم إخضاع مختلف البرامج والمبادرات التي يجري تنفيذها في عموم ألمانيا لتقييم علمي، من أجل تحسين العمل عندما تقتضي الضرورة والتمكُّن من إعادة تكييف هذه المشاريع - وحتى في ضوء التحدِّيات الجديدة.
وعلاوة على ذلك هناك تبادلٌ مستمرٌ بين مختلف الأطراف الفاعلة. ومن هذه الناحية يجب أيضًا على وسائل الإعلام أن تتعامل بنقد مع الأحكام التعميمية المتسرِّعة حول عمل السلطات الأمنية والتقصِّي حول حقيقة هذه الأحكام ومقارنتها بالحقائق، وأن تأخذ وسائل الإعلام بعين الاعتبار تفكير السلطات المستمر في عملها ضمن هذا المجال الحسَّاس؛ وذلك من أجل توخي النزاهة والانصاف ومن أجل مصلحة صحافة مسؤولة تنويرية.
حازم فؤاد
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017