قناة ''ماريا'' المصرية..... للمنقبات فقط!
لا يَظهر من وجه عبير شاهين المنقب سوى عينيها السمراوين، أما باقي الجسد فلا يَظهر منه شيء، فهي ترتدي عباءة سوداءَ تغطيها من الرأس إلى القدمين، ويلف جسدَها ثوب فضفاضٌ، أما اليدين فتغطيهما بالقفازات ووجهها تغطيه بالنقاب. تقدمُ عبير شاهين على مدى أيامِ متوالية نشرة الأخبار على "ماريا تي في" وهي قناة تلفزيونية للمسلمين المحافظين المتشددين. وبدأت القناة في بث برامجها منذ شهر وتُسيرها نساء منقبات ومحجبات أمام الكاميرا وخلفها.
وفي ظل نظام مبارك لم يكن ذلك أمرا واردا، لكن شاهين تنظرُ إلى "ماريا تي في" كمؤشر على نجاح الثورة في مصر، وتقول "عبر "ماريا تي في" نكافح ضد التمييز ضد المنقبات كليا". وبالكاد كانت المنقباتُ بشكل كلي، يظهرن على شاشة التلفاز تحت نظام مبارك، ولم يكن يُسح لهن بالعمل في الإدارات الحكومية أو بالتدريس في الجامعات. وحتى الطالبات كن مجبرات على الدخول إلى الامتحانات بوجوه مكشوفة. وكان المنع من اجتياز الامتحان يطال كل طالبة ارتدت النقاب، كما توجد مطاعم ومقاه ونواد رياضية معينة لا تسمح للنساء المنقبات بارتيادها.
النقاب كفرض ديني
وتسعى "ماريا تي في" إلى إعطاء المنقبات مزيدا من الثقة بالنفس وإسداء النصيحة طبقا لتعاليم الرسول محمد. وتبلغ مدة البث ست ساعات يوميا، وهو وقت كاف لمناقشة مواضيع كالحياة الزوجية، والخيانة، وتربية الأولاد، وتدبير شؤون المنزل والتجميل. لا تستقبل "ماريا تي في" الرجال كضيوف كما لا تستقبل مكالماتهم. وعندما تُسدعى الخبيراتُ فلا يُسمح لهن بالوقوف أمام الكاميرا إلا وهن منقباتٌ أو يتم اللجوء إلى إخفاء ملامح وجوههن على الشاشة، لأن مسيرات "ماريا تي في" يعتبرن النقابَ فرضاً دينياً. وتقول عبير شاهين " بالنسبة للمرأة فهناك طريق وحيد وهو ارتداء اللباس على نحو صحيح".
وتضيف "يجب على المرأة أن ترتدي النقابَ. وهذا منصوص عليه في الشريعة الإسلامية". فالنقاب وحده ـ على حد تعبير شاهين ـ هو الذي يُتيحُ إمكانيةَ الحكم على الأشخاص بناء على طبعهم وليس بناء على مظهره لكن الأغلبية في مصر ترفضُ النقاب، والأكثر من ذلك فجامعة الأزهر، وهي أعلى مؤسسة وصية على الشؤون الدينية بمصر، منعت ارتداء النقاب مُعللة ذلك بكونه غير منصوص عليه لا في القرآن ولا في كتب الأصول.
غضب القوى الليبرالية المصرية
ولا تستأثر "ماريا تي في" في مصر إلا باهتمام الأقلية من الناس، ويجد البعض أن القناة ليست محافظة بما فيه الكفاية. ويرى الشيخ إبراهيم أن الصوت النسائي المرافقَ للبرامج يمكن أن يثير الرجال، واقترح تغييره بأصوات رجالية. لكن العديد من المصريين كسالي زوهني، المهتمة بحقوق المرأة، تملكهم الغضب عند بداية بث "ماريا تي في". غير أن سالي أصبحت لها نظرةٌ أخرى لذلك وتقول " العديدون انتقدوا مسألة أن تدفع "ماريا تي في" العديد من النساء لارتداء النقاب"، وتضيف " لكن عندما أطالبُ بحقي في رؤية نساء ليبراليات في الإعلام، فالنساء المنقبات كذلك لهن الحق في تمثيلهن".
وتم اقتباس اسم "ماريا" من جارية {عبدة} قبطية حررها الرسول محمد وتزوجها. ولم يفصح مؤسس القناة، أحمد عبد الله المعروف في الساحة السلفية بأبي إسلام، عن مصادر تمويل القناة. وسبق لأحمد عبد الله أن أسس عام 2006 قناة تلفزيونية دعوية، لكن أجهزة حسني مبارك الأمنية كانت تداهم أستوديو القناة بانتظام وتصادر آلات التصوير والحواسيب، كما ألقت القبض على أحمد عبد الله.
تصاعد القوى الإسلامية
أصبح عبد الله أحمد حرا اليوم وغدا تأثيره وتأثير القوى المحافظة يعرف تصاعدا. ففي الشوارع يأمرون النساء بارتداء الحجاب أو العشاق غير المتزوجين بإمساك يد بعضهم البعض. ففي السويس قتل سلفي شاباً لأنه جلس مع خطيبته في حديقة عامة وحدهما. وشهد البرلمان المتفكك في تلك الأثناء نقاشا حول منع الطلاق بصفة مطلقة وخفض سن الزواج من 18 إلى 12 عاما.
لكن تأثير الإسلاميين على المجتمع المصري أصبح يتزايد ومنذ سنوات عاما بعد عام. وحسب سالي زوهني فإن انعكاسات تزايد تأثير الإسلاميين لم تظهر إلا الآن، بسبب الثقة بالنفس التي اكتسبها الإسلاميون حديثا. وتقول زوهني "إن ثقافة الحجاب والنقاب في تزايد، وأرى اليومَ العديدَ من المراهقات والطالبات اللواتي أصبحن متحجبات". وتضيف قائلة "مع انتخاب رئيس إسلامي ازدادت ثقتهن بالنفس". وتخشى سالي زهوني وباقي القوى الليبرالية الثقة في النفس التي اكتسبها الإسلاميون مُجددا. لكن خلافا لذلك فمقدمة الأخبار عبير شاهين فخورة بالظهور على شاشة القناة حتى لو أن الجزء الأكبر من جسدها يبقى مغطى.
فيكتوريا كليبر
ترجمة: عبد الرحمان عمار
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012