جسر الحداثة....لقاء الحضارات

يرى يوسف كرباج وإيمانويل تودْ أن محو الأمية وتراجع نسبة الولادات سيكونان العاملان اللذان سيقودان العالم الإسلامي للمضي نحو الحداثة بهدوءٍ وحزم. كما يضيف الباحثان في علوم السكان رأيًا جديدًا في النقاش الدائر حول صراع الحضارات من خلال تحليلهما. مايك مويسر في قراءة لهذا الكتاب.

​​"لن يكون هناك صراع بين الحضارات": هذه هي رسالة إيمانويل تودْ Emmanuel Todd ويوسف كرباج الأهم، لكنهما لا يريدان ببساطة أن ينزعا خوف الغرب من انتشار الإسلام، بل يريدان أن يبرهنا أن العالم الإسلامي يخوض غمار تحولٍ عميقٍ سيسمح للحداثة في النهاية من أن تعمَّ في المجتمعات التي تبدو ظاهريًا وكأنها في حالة جمود وثبات. إنها ثورة جذرية هادئة لكنها جامحة. وقد غدا هذا التحول الاجتماعي ممكنًا من خلال محو الأمية على نطاق شعبي واسع، وعبر تراجع نسبة الولادات في المجتمعات الإسلامية.

لا يضع إيمانويل تودْ ويوسف كرباج الاختلاف في صلب بحثهما كما يفعل باحث العلوم السياسية صموئيل هانتينغتون، بل يركزان على المشترك الممكن. يعبِّر العنوان الفرنسي بشكل أكثر قوةً عن هذه الفكرة: "Rendez-vous des civilisations" "لقاء الحضارات"؛ إذًا لقاء الحضارات لا تصارعهم.

تضاد الحضارات أم توافقها

يرى إيمانويل تودْ ويوسف كرباج في "الاضطرابات" التي يلاحظها المرء في العالم الإسلامي عوارض كلاسيكية لغياب الوجهة، التي تشير بدورها إلى التحولات الاجتماعية الجذرية. الباحثان مقتنعان بالفكرة القائلة بأنه حيث يبدأ التحوُّل يكون هناك استعداد أعلى لممارسة العنف، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي أعلى درجات الحيطة والحذر. وباكستان هي أفضل مثال على ذلك.

لا يزال النقاش عن تضاد أو تعايش الثقافات حامي الوطيس منذ أن نشر صموئيل هانتينغتون مقالته عن صدام الحضارات. أما إيمانويل تودْ ويوسف كرباج فيضيفان بكتابهما فكرةً جديدةً على هذا النقاش، حيث يسعى الباحثان لأن يبرهنا عن عدم وجود صراعٍ بين الحضارات مستعينين بنتائج وتحاليل الإحصاءات السكّانية.

​​يشتغل الكاتبان بالتفصيل على دراسة الحالات في المجتمعات الإسلامية بدءًا بإندونيسيا مرورًا بالعالم العربي وصولاً إلى الدول الأسيوية والإفريقية. وقد وضعا كتابًا صعب القراءة، لكن التحاليل الواردة فيه تحتوي على قدرٍ كبيرٍ من المعلومات القيِّمة ومجموعة لا بأس بها من الأفكار الجديدة. وهذه وظيفة كتاب من هذا النوع يتناول هذا النقاش الصعب والمهم في آنٍ معًا. كما يخلُص الباحثان إلى نتائج مفاجئة، حيث يرد في الكتاب أن "إيران التي يُزعم أنها دولةٌ غير متنورة ومتسلطةٍ إلى حدّ الاستبداد لأنها دولةٌ دينية" هي دولةٌ موحّدة وتعمّ فيها الفردانية أكثر من تركيا مثلاً.

القوى الرجعية آيلة إلى الزوال على المدى المتوسط

يكتب إيمانويل تودْ ويوسف كرباج: "بعد محو الأمية، يأتي تراجع نسبة الولادات بوصفه العنصر الأساس الثاني الذي يساعد الناس على الارتقاء بوعيهم وتطورهم إلى مستويات أفضل". هنا أيضًا ينضم العالم الإسلامي إلى ركب التاريخ العالمي، حيث يضيف الباحثان: "نعم، يسير العالم الإسلامي بطريقته الخاصة، كما يسلك دروبه الخاصة أيضًا، لكن وجهته هي نفس الوجهة التي يطمح إليها الآخرين".

يعيش العالم العربي في مسيرته هذه مرحلةً انتقاليةً مأزومةً. هذه هي النتيجة التي توصل إليها الباحثان. كما يقولان إن القوى الرجعية آيلة إلى الزوال على المدى المتوسط، حتى وإن كانت الإسلاموية المتطرفة تمثِّل الرد السياسي الأقوى في الوقت الراهن على هذه المرحلة المأزومة.

" يبدو أن الأمر أقرب ما يكون إلى القانون التاريخي الذي يقول بأن أزمةً دينيةً تسبق تراجع الولادات، فالإسلام السياسي في حالة حراك حاليًا ولم يصل إلى نهاية المطاف". إذًا يتوقع إيمانويل تودْ ويوسف كرباج أن تأتي مرحلة "عالمٍ إسلامي خالٍ من الإسلاموية" تلي مرحلة الإسلام السياسي الراهنة، على غرار التطور الذي حصل في الغرب المسيحي والشرق الأقصى البوذي.

هل ثمة مسار عالمي للتاريخ؟

هذه النقطة محط خلاف النقاد: هل سيكون التحوّل فعلاً على النحو الذي يتوقعه الكاتبان الفرنسيان، أي بحسب النموذج الأوروبي؟ الخلاص إلى هذه النتيجة عبر البيانات فيه تبسيط، لأن وجود المؤشرين المهمين بالفعل "محو الأمية" و"تراجع نسبة الولادات" لا يعني بالضرورة أن التطور في العالم الإسلامي سيأخذ نفس المنحى الذي اتخذه التطور في العالم الغربي.

يتعلق الأمر "بما تقرأه النساء، كما أن تراجع نسبة الولادات قد يعني أيضًا أنه يجري استخدام معارف تقنية خاصة بمرحلة ما قبل الولادة بغية إجهاض البنات"، كما يكتب نيلز مينكمار في جريدة فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ. بيد أنها ليست المرة الأولى التي تصيب فيها تكهنات إيمانويل تودْ اللافتة.

مايك مويزر
ترجمة: يوسف حجازي
قنطرة 2008

قنطرة

ندوة بعنوان "الإرث الفكري في الإسلام":
الدراسات القرآنية العلمية على المحك
عُقدت في جامعة غوته في مدينة فرانكفورت ندوة الدولية بعنوان "الإرث الفكري في الإسلام - الدراسات القرآنية المعاصرة" وشارك فيها ثلاثون باحثاً بارزًا مختصًا في الدراسات القرآنية من مختلف جامعات العالم، وتم فيها تمحيص أساليب تفسير القرآن المعاصرة بشكل نقدي. إرهارد برون يستعرض أهم محاور الندوة الدولية.

محمد مجتهد شبستري:
الإيمان والعقل والحرية
هل يمكن أن توجد حقوق إنسان إسلامية؟ وهل أحكام القرآن صالحة لكل زمان أم نها قابلة للتغيير وفقا لاجتهادات العقل؟ تلك هي أسئلة الفكر الإسلامي الحديث التي تحتل صدارة اهتمامات العالم الإيراني محمد شبستري.

مع ابن ورّاق: حول مفهوم التسامح في الدين الإسلامي
نقد الاسلام ونظرة المسلمين
يرى الكاتب ابن الوراق ان النقد الموجه للاسلام يشكل خطرا على موجهيه بسبب عدم وجود التسامح الكافي لدى المسلمين وعدم وجود الحماية اللازمة من قبل الغرب لهؤلاء بسبب تقاطع المصالح الاقتصادية.