شعوب مسلمة يراها ترامب "مرعبة"
كتاب "بانثولوجي - قصص من دول غير مرغوب بها" [صادر في بريطانيا في كانون الثاني/يناير 2018 وفي الولايات المتحدة في آذار/مارس 2018]. يتمكن من التسلل عبر الإطار ولو إلى حد ما. ويفعل ذلك من خلال الحديث مباشرة عنه: اختيار قصص ترد بفطنة وبغضب وبشكل مؤثر على الحدود.
أُلِّفت القصص بثلاث لغات مختلفة: الإيطالية والعربية والإنكليزية، وتتبدى في أنماط مختلفة بصورة ملحوظة، من المستقبلية الخيالية للروائية الليبية نجوى بن شتوان، التي تدور في بلدة تدعى شرودنغر؛ إلى الفكاهة المريرة للكاتب السوري زاهر عمرين؛ إلى الواقعية الروحانية الغريبة للكاتبة الإيرانية فريشته مولوي.
تدور قصتان من القصص في المستقبل البعيد، وهما: قصة "تذكرة عودة" لـِ بِنْ شَتوان، وقصة "البطيء" لليمني وجدي الأهدل. فقصة بن شتوان، المترجمة بوضوح من قِبَل سواد حسين، تحدث في بلدة تدعى شرودِنْغَر، وهي صدى للفيزيائي النمساوي. "منح الاسم للقرية قوى استثنائية، يمكنها التحرك خلال الزمان والمكان، تُغيّر مدارها بشكل عفوي كما لو كانت الشمس وهي تشرق في مكان وتغيب في مكان آخر".
وبالتالي تسمح القرية لقاطنيها بانتهاك حدود الطبيعة، والحياة دائماً جديدة. مع ذلك، سنة بعد سنة، يبقى شيء واحد من دون تغيير في شرودنغر : سيّاحها الأمريكان الستة.
"لم يبقوا بدافع من حب المكان، بل لأن جدران بلدهم.
لم تتوقف عن الارتفاع، يوماً بعد يوم، حتى قُطِعت من العالم وقُطِع العالم عنها.
وقد كانت كل محاولة لسائح أمريكي -من أجل تسلق الجدران الشاهقة والعودة للوطن- مميتة".
تحوم شرودنغر على الولايات المتحدة مرتين أسبوعياً، في محاولة لإعادة جثث السائحين الستة إلى موطنها، وهذا ما يجعل استخبارات الولايات المتحدة مرتابة وتقترح أن القرويين يحاولون تسلق الجدران، التي أصبحت مرتفعة جداً، بحيث أن كل ما يستطيع المرء مشاهدته من الخارج هو "الشعلة المتبددة لتمثال الحرية وتاجها الملطّخ بفضلات الطيور".
وفي الواقع، لا يملك سكان شرودنغر أي رغبة بدخول مستقبل أمريكا الظلامي. ففي النهاية، "من بكامل قواه العقلية قد يرغب بالعيش في سجن مسوّر مع ناس لا يستطيعون الانسجام حتّى مع أنفسهم، ناهيك عن الانسجام مع آخرين؟".
وعلى النقيض من ذلك، فإن قصة الأهدل هي أقل سوداويةً "مرآة سوداء" وأكثر مستقبليةً دينية، تبدأ في "عام 100 بحسب التقويم البابلي"، حين يتوقف عدد من القوافل القادمة من الشمال على منفذ بين غزة ومصر.
تُمنع القوافل الـ 12 كلها من الدخول، لكن يؤكّد السارد لنا بسلاسة: "لم يكن هناك تحامُلٌ خلف الحظر". الأمر فقط أن القائد بطيء للغاية.
فتخيم القوافل الإسماعيلية في الخارج، بعناد، منتظرة أن يُسمح لها بالدخول وأخيراً تنسلُّ إلى الداخل مع بضائعها. وبعد فترة ليست طويلة، يهلك 80 بالمئة من سكان مصر بسبب المجاعة، مما يسمح للبابليين ببسط سيطرتهم على مصر ومن ثم على العالم.
ثم، وبعد حوالي 4000 عام، "بسبب الفوضى الإلكترونية، تحدث ثغرة في القُمع الزمكاني للكون الرباعي الأبعاد"، ومخلوقات غامضة تنفذ من الثغرة، وتزعم أنها الجنس الأقدم الذي استوطن الكوكب. يُسمُّون أنفسهم: "القادمون لاسترجاع الأرض من البشر".
هنا، فإنه من الأصعب ربط الحاضر بالقصة. وعلى الرغم من أن قصة "البطيء" تبدأ بحظر حدودي، فهي تأخذنا بعد ذلك خلال ما يقرب من 4000 عام من التاريخ البشري قبل إبادة الأنواع في عمل استعمار استيطاني جديد.
الفكاهة التي تتعاقب بين الضوء والظلام هي ملامح كل من الكاتب السوري زاهر عُمَرين في قصته "دليل المبتدئين للتهريب" المترجمة من قبل بروين ريتشاردز وبسمة غلاييني، وقصة "راوي القصص" لكاتبة القصة القصيرة العراقية عنود.
إذ تحاول الشخصية الرئيسية في قصة عمرين تهريب نفسها إلى أوروبا. وتحقيقاً لهذه الغاية، يشتري جواز سفر يعود لـ "زوج السفيرة الهنغارية إلى تركيا". يخبره البائع، واسمه كاليميرا: "أنت متعلم، ذكي، ليس كهذه الأغنام. فقط احفظ بضع كلمات هنغارية وستمر من خلال المطار".
ومع ذلك يواجه السارد صعوبة في تذكر أي كلمة هنغارية غير اسمه الجديد الصعب بالفعل، "كازوبا زابولكس". ومع ذلك يُسمح له بالصعود على متن الطائرة. وما أن يهبط "كازوبا" يبدل بهويته الهنغارية المزيفة أخرى يونانية مزيفة، ولكن في الوقت الذي يصل فيه إلى الدنمارك، تكون أوراقه ناقصة وكل ما يستطيع قوله لحراس الحدود هو "لا أعرف، أنا آسف، أنا طالب ذاهب إلى ستوكهولم لدراسة برنامج. أنا طبيب".
وكإثبات على هويته، يطلب حرس الحدود من ساردنا أن يقول "صباح الخير" باليونانية. وبما أنه كان يلعن بائع الهوية كاليميرا طوال الرحلة. فتلك هي الكلمة التي تندفع من فمه. وكما لو أنه سحر، فهذا هو ما يجعله يتخطّاهم.
أما قصة فريشته مولَوي الغريبة التعويذيّة "الطرف الشبحي"، فتتبع رجلاً شاباً انتقل مؤخراً من طهران إلى تورنتو. ويعيش ساردنا، وهو مدير مسرح طموح، في شقة مع ثلاثة إيرانيين آخرين. واحد منهم هو فرهاد، الذي بُتِرت الساق اليمنى لوالدته مؤخراً.
وإذ ندخل حيوات الرجال، نعرف أن فرهاد كان قد سُجِن في إيران، حيث وقع في غرام زميلة سجينة لم يرَ وجهها قَطّ. وتتكرر آلام شبحية، وإنتاجات مسرحية، وغناء نساء غير مرئيات، في أنحاء السرد الحقيقي في جز ء منه، والروحاني في جزء آخر. ورغم الحدود والمسافة، لا يزال فرهاد يسمع ويشعر ويؤدي حياة موازية في إيران.
[embed:render:embedded:node:26443]
أما قصة "عنّاب" للكاتبة الصومالية كريستينا علي فرح، فتقدّم أرض أحلام مُعذَّبة أخرى. تكاد لا تستطيع الساردة الشابة سرد الأهوال التي عانتها في موطنها، بينما تشرح"ملاحظات المترجم" المُقحمة، بشكل صحيح أو خاطئ، أشياء لا تستطيع الفتاة قولها.
فالمجموعة، مجتمعة مع بعضها، هي فقط سبع قصص في 70 صفحة قصيرة، إنها ليست مثالية، رغم أن معظمها تزودنا بطرق مقنعة جديدة -وإن كانت موجزة- لتخيّل الحظر والحدود. أما كتدخّل سياسي، فلا يبدو أن المجموعة من المرجح أن تغير في الخطاب العام. ومع ذلك مَن يعرف؟ فربما قد يقرأ بعض سماسرة القوة في الولايات المتحدة عن قرية شرودنغر ويبدؤون بالخوف من الجدران التي تضيق الخناق من حولهم.
مارسيا لينكس كويليترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de