هل أنقذ عرب يهودًا من المحرقة؟

نتيجة هامة توصل إليها روبرت ساتلوف في كتابه الجديد: قام عرب على الرغم من أنَّ حياتهم كانت عرضة للخطر بإخفاء بعض اليهود أو بمساعدتهم على الهرب خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي. بقلم غوتس نوردبروخ

هل يوجد شخص عربي مثل راؤول فالنبرغ؟ بهذا السؤال يبدأ روبرت ساتلوفّ البحث الذي أجراه حول "قصص ضائعة تتحدَّث عن فروع للمحرقة تمتد إلى البلدان العربية". يعتبر الديبلوماسي السويدي فالنبرغ واحدًا من بين أكثر من عشرين ألف شخصًا غير يهودي، أدرجت أسماؤهم في قائمة الشرف في متحف المحرقة التذكاري الخاص بمؤسسة "ياد فاشيم"، تقديرًا لهم على محاولاتهم إنقاذ أشخاص يهود من الاضطهادات النازية.

يوجد من بين هؤلاء الحاصلين على وسام "أصدقاء الشعوب" أشخاص صينيون وبرازيليون ويابانيون وأتراك وألبان وبوسنيون - لكن لم يمنح هذا الوسام حتى يومنا هذا لأي شخص عربي.

يحاول روبرت ساتلوفّ في كتابه "من بين الأصدقاء" المساهمة في تغيير ذلك. إذ أقام ساتلوفّ الذي يعمل مديرًا لمعهد واشطن لدراسات الشرق الأدنى ثلاثة أعوام في شمال إفريقيا، وذلك من أجل إعادة كتابة قصص الاضطهاد التي تعرَّض لها اليهود في شمال إفريقيا إبَّان حكم احتلال نظام فيشي والاحتلال الألماني.

لكي نستبق نتيجة بحثه التي تنمّ عن قدر قليل من المفاجأة نقول: نعم لقد كان هناك "أصدقاء" عرب، قاموا على الرغم من أنَّ حياتهم كانت عرضة للخطر بإخفاء بعض اليهود أو بمساعدتهم على الهرب. تمكَّن ساتلوفّ من تتبّع الكثير من تفاصيل قصصهم.

توابع الاحتلال

لكن الأكثر مفاجأة من حقيقة قيام بعض الأشخاص في المغرب والجزائر وتونس بإخفاء جيرانهم اليهود هو جواب ساتلوفّ على هذا السؤال: لماذا لا يكاد يعرف أي شخص من هؤلاء الأشخاص بعد مرور ستين عامًا على نهاية الحرب؟ "أوّلاً لأنَّ الكثيرين من العرب (أو ورثتهم) كانوا لا يريدون أن يعثر عليهم أحد، وثانيًا لأنَّ اليهود لا يبذلون جهودًا كافية من أجل العثور عليهم".

يصف ساتلوفّ معتمدًا على الكثير من الحوارات والأحاديث زيادة وتفاقم ممارسات الاضطهاد المعادي لليهود، من عمليات التعذيب وسوء المعاملة التي كان يعاني منها اليهود في المعتقلات التي كان يزيد عددها عن مائة معتقل، والأشغال الشاقة التي كانت تُفرض عليهم في إنشاء سكة حديد الصحراء الكبرى الفرنسية.

فهو يصف التوابع التي نجمت عن القوانين المعادية لليهود في عهد احتلال فيشي والتي كانت السلطات الفرنسية تطبِّقها عن طيب خاطر من دون ممارسة الألمان نفوذ، وكذلك نتائج الاحتلال الألماني لتونس في خريف عام 1942.

لم يتم وضع نهاية لمخطَّطات الألمان إلاّ من خلال دخول الحلفاء إلى شمال إفريقيا والاستيلاء على تونس في شهر أيّار/مايو عام 1943. تلك المخطَّطات التي كان أمر تنفيذها قد صدر من خلال إرسال فرقة من وحدات الأمن النازي المعروفة باسم "إس إس"، بقيادة ضابط وحدات الاقتحام الخاصة بالإس إس العقيد فالتر راوف. كان فالتر راوف قبل ذلك مسؤولاً في أوروبا الشرقية عن تسليح وإعداد القوات العاملة التي كلِّفت بإبادة اليهود هناك.

معارضة عربية-إسلامية

لم تبقى الإجراءات التعسّفية والاضطهادات المعادية لليهود خفية أيضًا في شمال إفريقيا. إذ أنَّ اليهود المغاربيين الذين تحدَّث معهم ساتلوفّ والذين عايشوا تلك الحقبة يتحدَّثون مرارًا وتكرارًا عن عدم المبالاة التي كانت تمتاز بها ردود فعل الكثير من المسلمين العرب؛ وعن حالات من التعاون مع العدو كانوا فيها كمخبرين لدى السلطات والقوات الألمانية أو كمراقبين في المعتقات الكثيرة.

لهذا السبب فإنَّ الأوصاف التي تتحدَّث عن تجارب أخرى تكون أكثر عمقًا. من هذه التجارب رفض المؤسسات الدينية والسياسية في الجزائر بصورة صريحة التعاون مع سياسة نزع الملكية التي كانت تتبعها فرنسا مع اليهود الجزائريين.

فهكذا أفشلت مقاومة وصمود الأئمة مساعي السلطات الفرنسية من أجل كسب تأييد المواطنين الجزائريين المسلمين من خلال إجراءات معادية لليهود. كما خالف مصالي الحاج رئيس حزب الشعب الجزائري في رأيه الفرنسيين: "إنَّ الحدّ من حقوق اليهود لا يأتي للمسلمين بحقوق جديدة".

نذكر من بين الكثير من القصص هذه القصة المثيرة الخاصة بامرأة يهودية من تونس، تمّ إخفاؤها حينما كانت طفلة مع عائلتها بضعة أشهر من قبل شخص مسلم يعرف أسرتها. فبعدما أخبر ضابط ألماني هذا الشخص الذي يعرف أسرتها بأنَّه يريد في الأيام التالية اغتصاب أمّ الطفلة اليهودية، تمّ نقل الأسرة في جنح الليل إلى مزرعة أخفيت فيها تقع خارج المدينة.

قصص منسية

يبدو أنَّ هذه القصص منسية - أو يتم تناسيها. تظهر باستمرار وبوضوح الصور التي يصفها ساتلوفّ في بحثه مدى فتور الاهتمام لدى ذوي العلاقة من المسلمين بالذات بالتذكير بالمساعدة التي قدَّموها لليهود المضطهدين. لم يكن يعتبر في أجواء ما بعد الحرب والنزاع العربي-الإسرائيلي التذكير بإنقاذ اليهود أمرًا يدل على النزاهة، بل كان يعتبر ضعفًا وتعاونًا مع العدو؛ وأحيانًا مع بعض الآثار المخيفة.

إذ يتحدَّث ساتلوفّ عن الأحاديث التي أجراها مع أبناء وأحفاد صاحب مزرعة أخر، استقبل وأوى في مزرعته في خريف عام 1943 مجموعة تتكوَّن من ستين عامل سخرة يهودي استطاعوا الهرب؛ بقي هذا المزارع يعتني بهم ويخفيهم في مزرعته عن القوات الألمانية حتَّى دخول الحلفاء.

بيد أنَّه لم يخبر أسرته بشيء من ذلك، لا سيما وأنَّ ابنيه كانا يعرفان قصة مختلفة كلّ الاختلاف: فأبوهما قام في الواقع باستقبال وإيواء مجموعة من اللاجئين في مزرعته، حسبما أوضح الابنان أثناء الحديث معهما. لكن هؤلاء اللاجئين لم يكونوا - حسب تعبير الإبنين- يهودًا، إنَّما جنودًا من الجيش الألماني، طلبوا من أبيهم أن يضيفهم لديه نظرًا لتقدّم قوات الحلفاء.

هناك أدلَّة تثبت الرواية الأولى، لكن لا يوجد ما يثبت الرواية الثانية. يترك ساتلوفّ السؤال من دون جواب، عما إذا كان الأمر يتعلَّق بأحداث مختلفة أو بتفسير متأخِّر للقصة بصورة مختلفة. لكنّه علاوة على ذلك متأكِّد من أنَّه اقترب قليلاً من تحقيق هدفه.

يأمل ساتلوفّ في أن يؤدي تكريم بعض "الأصدقاء" العرب إلى إثارة حوار لدى الجماهير العربية حول موضوع المحرقة. تثبت صحة أمله من خلال ردود الفعل الأولى على كتابه. إذ يبدو جهاد الخازن في تعليق كتبه في جريدة الحياة بعدما قرأ هذا الكتاب معجبًا جدًا بالكتاب.

فهو يصف الأسلوب الذي عرض به ساتلوفّ الكتاب بأسلوب علمي غير مألوف؛ ليس من الممكن لجهاد الخازن أن يمدح ساتلوفّ أكثر من ذلك، لا سيما وأنَّ الخازن كان يشن حملات في الماضي على ساتلوفّ الذي يصفه بصفة "المتطرِّف في تأييده لإسرائيل".

بقلم غوتس نوردبروخ
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007

روبرت ساتلوفّ: "من بين الأصدقاء" - قصص ضائعة تتحدَّث عن فروع للمحرقة تمتد إلى البلدان العربية. صدر عن دار نشر بوبليك أفيرس، نيويورك 2006.

قنطرة

دراسات عن العرب والنازيّة
دراسة مميزة تبحث علاقة العرب بالإيديولوجيا القومية الاجتماعية

غياب أبسط بديهيات المنطق ومبادئ العقلانية
انضم المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر إلى تصريحات الرئيس الإيراني ووصف المحرقة بأنها "خرافة". هذا الرأي يطرح أسئلة لا مفر منها حول مدى موضوعية تعاطي بعض النخب العربية والإسلامية مع أكثر فصول تاريخ البشرية بشاعة. تعليق لؤي المدهون