جيل منفتح على تصوير حياة الفتاة المصرية
"عليكِ ختان بناتك حتى يصبحن عفيفات" يقولها سامي الذي يلعب دور امرأة كبيرة في السن مؤيدة لختان الفتيات. ويثير تمثيل سامي دور المرأة ضحك الفتيات اللاتي يشاهدن العرض خاصة وهو يرتدي حجابا طويلا أزرق اللون ويمسكه بيده حتى لا يسقط.
يبالغ الشاب البالغ من العمر 25 عاما في أداء دور المرأة المسنة التي تحاول إقناع ابنتها بضرورة ختان فتياتها الصغيرات وفقا للتقاليد، أما الابنة فهي ترفض هذه العادة. وجود رجل يلعب دور امرأة يثير حماس الفتيات الحاضرات في العرض، المقام بأحد المراكز العامة وذلك بالرغم من أن موضوع العرض نفسه غير مضحك للفتيات.
"أكثر من 90% من المصريات تعرضن للختان"
قدم أعضاء فرقة "حارة تي في" المكون من ثلاثة ممثلين ومخرجة، عرضهم في قرية كوم بوها بمحافظة أسيوط في جنوب مصر. وتقطع المخرجة ندى ثابت العرض لتسأل الفتيات الحاضرات، وعددهن نحو 40 فتاة، عن محتوى المشهد الذي رأينه. تتنوع أعمار الفتيات الحاضرات هنا فبعضهن في الثالثة عشرة تقريبا والبعض الآخر في العشرينات. وترتدي معظم الفتيات غطاء الرأس والملابس الطويلة وبعضهن يحاولن التغطية على ارتباكهن بالنظر في الهاتف المحمول. لكن ما يجمع كل هؤلاء الفتيات هو أنهن مختونات فكل واحدة منهن مرت بما تسمعه في هذا العمل التمثيلي، حالهن في ذلك حال أكثر من 90 بالمئة من المصريات اللاتي تعرضن لعملية الختان في المرحلة العمرية بين التاسعة والخامسة عشر، وفقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف). ولا ترغب معظم الفتيات هنا في الحديث عن عملية الختان التي خضعن لها إما على يد طبيب أو على يد قابلة القرية.
أعدت ثابت النص التمثيلي وقدمته للأمم المتحدة التي مولت العرض لنحو 160 مرة في مختلف أنحاء مصر، ليشكل كل عرض للعمل تجربة حياتية جديدة للممثلين والمشاهدين على حد سواء. وتقول ثابت: "نحن هنا بهدف خلق مكان يمكن فيه الحديث عن هذا الموضوع الصعب وهو الختان، بعيدا عن الدين والطب وبطريقة عملية بحتة".
عندما تكون العادات أقوى من القانون
للختان تاريخ طويل في مصر دون ارتباط لا بالدين ولا بالتعليم والمستوى الاجتماعي فهو بمثابة عادة انتشرت حول النيل كطريق تجاري، لذا فهي منتشرة أيضا في السودان. وبالرغم من أن السلطات المصرية وضعت ختان الإناث منذ عام 2008 ضمن الأعمال التي تستوجب العقوبة، إلا أن هذه العادة أثبتت أنها أقوى من القانون.
يلعب سامي الآن دورا آخر فهو يمثل دور رجل مصري يجب عليه الالتزام بالقواعد ومعاكسة النساء في الشوارع، كما يعتقد. ونرى سامي يسير خلف زميله أحمد الذي يلعب دور فتاة، ويبدأ في معاكسته. يثير هذا المشهد ضحك الفتيات الحاضرات للعرض خاصة وأن أحمد يرتدي فستانا وردي اللون. تحاول "حارة تي في" من خلال كوميديا بسيطة تصوير حياة الفتاة المصرية، حياة كلها إملاءات وتوصيات منذ بدايتها، حياة تفرض أشكالا للمظهر والشكل وطريقة التفكير وتشتهر بعبارات تقال للفتاة دوما مثل "ارتدي الملابس المناسبة" و "ضمي قدميكي أثناء الجلوس مثل الفتيات المحترمات". يقف أحمد بفتساته الوردي أمام الجمهور ويبدأ في استقبال كل الأفكار التي يمليها المجتمع على الفتاة.
قضية شائكة
يحفز هذا المشد الفتيات على المشاركة بتجاربهن ليبدأن في الشكوى من عدم السماح لهن باللعب في الشارع مثل الذكور ومن تحملهن للكثير من المسؤوليات سواء في البيت أو الحقل. وبالتدريج تبدأ الفتيات في الحديث حول الموضوع الأساسي للعرض وهو الختان.
تشارك رضا عبد الصبور البالغة من العمر 18 عاما في الحوار وتقول: "كل الفتيات هنا مختونات بالطبع" وتضيف الفتاة ذات العيون الفاتحة والابتسامة الواثقة: "الآن بعد أن شاهدت هذا العرض فهمت المشكلات التي يسببها الختان للفتيات".
تستخدم رضا ضمير الغائب في الحديث عن الختان بالرغم من وضوح أنها تتحدث عن نفسها، لكن هذا الأمر يبدو طبيعيا، إذ أن الحديث عن هذا الموضوع الحساس يحتاج للكثير من الشجاعة. وتقول رضا في هذه الغرفة المغلقة ما يدور في عقول الكثير من الفتيات وتضيف: "لن أخضع بناتي بالطبع لعملية الختان حتى لا يعانين مما عانيت منه".
وترصد ندى ثابت رد فعل الجماهير خلال استراحة بين عرضين وتقول إن الأجيال الجديدة أكثر انفتاحا في الحديث حول الموضوع. بعد انتهاء العرض الأول يجلس أعضاء الفريق في أحد المقاهي على ضفاف النيل يشربون الشاي ويستجمعون طاقتهم للعرض القادم، فهم يعرضون ثلاث مرات في المتوسط يوميا في ثلاث قرى مختلفة وأمام جماهير متنوعة.
وتقول ندى وهي تلتقط بعض الصور للفريق لنشرها على موقع فيسبوك: "المهم لنا ألا نملي على الناس شيئا فنحن لا نقول إن الختان جيد أو سيء..نستمع لكافة الآراء وفي نهاية المطاف يجب على الناس أن يقرروا بأنفسهم فنحن سنرحل في آخر الأمر".
ضغط الجدات
لقاء ندى وزملائها في الفريق مع أهالي القرى المختلفة بمثابة لقاء عوالم مختلفة، فالقاهرة بعيدة جدا عن هذه القرى لكن تفكير أهلها أبعد بكثير. تتعالى الضحكات خلال العرض الثاني في هذا اليوم في المشهد الذي يجري فيه أحمد بفستانه الوردي وسط الصفوف بينما يتابعه صوت سامي.
ومن بين الحضور نساء لم يقنعهن العرض أو الحوار الدائر حوله بتغيير رأيهن حول الختان كما هو الحال مع بطة عبد المنعم فالمرأة البالغة من العمر 50 عاما تقول: "الختان ضروري ولا بد منه فهو يساعد الفتاة على العفة"، لكن بطة لم تجب على سؤال حول تعريفها لمعنى العفة.
تدرك ندى أن المسرح لن يمكنه تغيير الكثير لكنها مازالت تأمل بأن يساعد هذا العمل على حث الناس على إعادة التفكير في جدوى الختان، وهو أمر لمسته ندى من خلال امرأة حضرت العرض وقالت إنها أم لفتاة في الثالثة عشرة من عمرها وتفكر منذ فترة طويلة: هل تجري لها عملية الختان أم لا، لكنها قررت بعد مشاهدة هذا العرض عدم ختان ابنتها. مثل هذه النجاحات الصغيرة هي التي تشجع فرقة "حارة تي في" على مواصلة عروضها المسرحية في قرى مصر المختلفة.
إليزابيت ليمان
ترجمة: ابتسام فوزي