المواقف السياسية تتشكل بالفصول المدرسية
وفقاً لدراسة صدرت مؤخراً، بدأت قطر بتنظيف كتبها المدرسية من إشارات التفوق والعنصرية والازدراء، إضافة إلى تنظيفها من أي تمجيد للجهاد العنيف والاستشهاد.
وتهدف مراجعة الكتب المدرسية في السنة الأخيرة التي تسبق استضافتها لكأس العالم لكرة القدم 2022 إلى إبقائها في مسابقة الفوز بلقب منارة الإسلام المعتدل، وتعتبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا أهم منافسيها.
وعلى نقيض المنافسين الآخرين على القوة الناعمة الدينية وقيادة العالم الإسلامي (كتركيا وإيران)، راجعت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بشكل ملحوظ مناهجها المدرسيةـ على الرغم من إشارة المحللين إلى أنّ بعض المشاكل لا تزال موجودة.
ولكن الاعتراف بالجهود القطرية الساعية لتنظيف مناهجها المدرسية يتمتع بأهمية إضافية، ولا سيما مع تسليط كأس العام الضوء على سجل حقوق الإنسان ونظام العمالة الوافدة في قطر.
يعترف النقاد أنّ قطر حققت تقدماً ملحوظاً في تحسين الوضع القانوني للعمال، لكنهم يشيرون إلى تأخر التنفيذ.
"التحسينات مفاجأة سارة"
توصل تقرير من 85 صفحة، لمعهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي (Impact-se)، إلى أنّه "سُجِّلت تحسينات جوهرية في الكتب المدرسية الجديدة المُعدَّةُ للفصل الأول من العام الدراسي الحالي".
ويُذكرُ أنّ المعهد هو منظمة غير حكومية إسرائيلية تركّز على تحليل الكتب المدرسية لمنع التطرف عند أطفال المدارس.
وفي المقدمة، أشار مدير "رابطة مكافحة التشهير" في واشنطن، ديفيد أندرو واينبرغ، أنه لا يزال أمام قطر "طريق طويل لتقطعه حين يتعلق الأمر بإزالة محتوى الكراهية وتعليم التسامح بشكل مستمر، لكن التحسينات التي جرت خلال العامين الدراسيين الماضيين في قطر هي مفاجأة سارة".
كما أشار واينبرغ، الذي تركز كتاباته على الخطاب المعادي للسامية المدعوم من الدولة في الشرق الأوسط، إلى أنّ المنهاج الدراسي القطري الأخير، على العكس من المناهج الكويتية والمصرية التي لا تزال قيد الاستخدام، لم يعد يشير لليهود بوصفهم "خونة".
وعلى الرغم من وجود سجل حافل لدى المنظمة في تحديد الاتجاهات والمحتوى الإشكالي، إلا أنها تنزلق إلى منطقة سياسية صعبة في تقريرها عن قطر، من خلال مساواة جميع النصوص المعادية لأمريكا ولإسرائيل مع العنصرية وتفوق الشرق الأوسط.
وبالمثل، يتبع التقريرُ سياسة الحكومة الإسرائيلية من خلال عدم توضيح معالم الخطوط الفاصلة بين معاداة السامية، ومعاداة الصهيونية، وانتقاد السياسة الإسرائيلية.
أفكار التسامح والمساواة
لكن يبقى تقرير قطر مهم لأسباب تتجاوز التنافس على القوة الناعمة الدينية وقيادة العالم الإسلامي.
إذ أنّ إصلاح المناهج الدراسية الذي طال انتظاره في قطر، مثل أي مكان آخر، يساعد على توعية السكان على مفاهيم التسامح والمساواة.
كما أنه يساعد في القضاء على الأعراف الاجتماعية الخانقة والمحافظة للغاية التي تعقّد التنوع الاقتصادي وخلق فرص عمل وتحبط طموحات الشباب للسيطرة بشكل أكبر على حياتهم، كما تحبط تطلعاتهم إلى تجارب دينية أقل طقوسية وأكثر فردية.
والكتب المدرسية هي أحد مقاييس درجة التسامح الديني في بلد ما. أما الضغط الذي تمارسه المنظمات الإقليمية من أجل وضع المعايير فهو أمر آخر. فهذا الضغط هو المكان الذي يضعف فيه المتنافسون على القوة الدينية الناعمة في الشرق الأوسط.
فمع استمرار وجود محتوى تفوقي وعنصري وغير متسامح في المناهج الدراسية في بلدان مثل تركيا والكويت، لم يحاول أي من المتنافسين على القوة الدينية الناعمة إلى إقناع المنظمات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي الذي يضم الملكيات الست في الخليج أو منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة، لتبني قرارات تدعو إلى مراجعة الكتب المدرسية.
كما فشلت هذه التجمعات في جعل القضاء على المحتوى واللغة التمييزية المعادية للتنوع وللسامية معيارا من معايير النصوص المدرسية.
ومن أجل الإنصاف، حثّ إعلان مراكش لعام 2016، والذي أكّد على حقوق الأقليات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، "المؤسسات والسلطات التعليمية الإسلامية على إجراء مراجعة جريئة للمناهج التعليمية تعالج بأمانة وفعالية أي مواضيع تحرّض على العدوان والتطرف، وتؤدي إلى الحرب والفوضى، وتؤدي إلى تدمير مجتمعاتنا المشتركة".
شارك في تنظيم المؤتمر الملك المغربي محمد السادس وعبد الله بن بيه، وهو عالم إسلامي موريتاني تدعمه الإمارات العربية المتحدة. وحضر المؤتمر مئات المسؤولين الحكوميين والشخصيات الدينية والأكاديميين الذي لم تُعلن أسماؤهم.
وأشار الباحثان في حقوق الإنسان ماري جول بيترسن وأسامة عرهب مفتاح إلى أنّ إعلان مراكش افتقر إلى آليات التنفيذ والمتابعة.
كما لفتا الانتباه إلى أنّ الإعلان لا يتطرق إلى موضوع الحرية الدينية.
وكما قال بيترسن ومفتاح: "لا تتعلق الحرية الدينية بالحقوق الجماعية للأقليات الدينية فحسب، على الرغم من أهميتها، بل تتعلق أيضاً بحق الفرد في انتقاد الدين أو تغيير الدين أو حتى ترك الدين، ولم يتطرّق إعلان مراكش إلى هذه الحقوق".
وبالتالي، فإن أي ضغط على الدول ذات الأغلبية المسلمة من أجل مراجعة الكتب المدرسية ينبع من الضغوط الغربية، إضافة إلى المتطلبات التي تتعلّق بالأهداف الجيوسياسية، والتنافس على القوة الناعمة الدينية والجهود المبذولة من أجل إصلاح وتنويع الاقتصادات. وهذا ما دفع قطر والسعودية والإمارات إلى مراجعة كتبهم المدرسية.
عدم وجود المعايير الإقليمية يعني الافتقار إلى المساءلة
إضافة إلى ذلك، فإنّ الافتقار إلى آلية للتنفيذ، وفشل المنظمات الإقليمية مثل دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي في وضع معايير يعني أنّ دولاً مثل الكويت لا تخضع للمساءلة عن المحتوى العنصري والمتطرف في الكتب المدرسية.
يشرحُ كتاب التربية الإسلامية للصف الثامن في الكويت أنّ أحد أهدافه تعليم أنّ "عداوة اليهود للإسلام والمسلمين قديمة ومتجذرة" وأنّ "إثارة الفتن وخرق العقود والحقد من الصفات المتأصلة في اليهود".
ويدعو الكتاب إلى مقاطعة المنتجات اليهودية. كما يحذر من أنّ الساعة لن تقوم إلا بـ "انتصار المسلمين على اليهود" حين "يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون"، بمن فيهم "المختبئين وراء الحجر أو الشجر".
ليس اليهود المستهدفين الوحيدين في الكتب المدرسية الكويتية، بل إنها تستهدف المسيحيين والبهائيين كذلك.
فعلى غرار اضطهاد الأحمديين في باكستان، يزعم كتاب "قضايا إسلامية" (للصف الثاني عشر في الكويت)، أنّه "تحتضن الحكومة البريطانية هذا المذهب...وتتخذ منهم ضباطاً في مخابراتها السرية..."، ويُظهرُ الكتابُ صورة أحمدي يعانق يهودياً.
والمقر الدولي للأحمدية، وهي حركة دينية تأسست في القرن التاسع عشر، في لندن.
وللإنصاف، نشر الكتاب ذاته صورة تعود لعام 1993 لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين يصافح زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض في واشنطن.
كما يشيرُ إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتحدث عن تأييد الحرية الدينية، ويقرّ أنّ "الناس متساوون في الكرامة ويتمتعون -بلا تمييز- بحق متساو في حماية القانون".
ويشكل الإخفاق في وضع معايير، يمكن أن تدفع الكويت وتركيا وغيرها إلى مراجعة كتبها، فرصة ضائعة للملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر لدعم مطالبها بقيادة إصلاح التعليم الديني والفقه.
وحتى لو وضعوا معايير تعتمدها التجمعات الإقليمية، فإنّ فكرة دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر عن الاعتدال ستبقى إشكالية.
فهم يفسرون الشريعة الإسلامية على أنها تنص على وجوب الطاعة المطلقة للحاكم، وهذا ما يتناقض بشكل كبير للغاية مع مبادئ التسامح الإسلامي التي يطرحونها.
المواقف السياسية تتشكّلُ في الفصول الدراسية
حين درّس ريان بول في مدرسة إماراتية حكومية قبل عقد من الزمن، لعب الدين دوراً ثانوياً مقارنة بمفاهيم السلطة والهوية الوطنية.
ويصف ريان بول، وهو واحد من عدة أساتذة غربيين عيّنتهم الإمارات بدل أساتذة عرب مشكوك بتعاطفهم مع جماعة الإخوان المسلمين، يصف الفصول الدراسية الإماراتية بأنها "تتبع أسلوباً سلطوياً، بشكل مشابه للحاكم والمحكوم".
وقال بول، أنه في الصفوف الدراسية "تتشكّلُ هذه المواقف السياسية، وتتعزز، وحتى تُفرض في بعض الحالات إن قرر الطلاب (وهذا ما يفعلونه) الخروج عن المسار. فهم يتعلمون ما هي العواقب قبل أن يشكّلوا تهديداً سياسياً للنظام أو يصبحوا ناشطين بوقت طويل. يدور الأمر كله حول الردع".
قد يلعب الدين دوراً أكثر بروزاً في المدارس السعودية والقطرية، بيد أنّ ترسيخ مفهوم الطاعة لدى الشباب هو جزء لا يتجزأ من النسيج التعليمي الحكومي في الإمارات العربية المتحدة.
وأشار بول، في مقارنة بين تجربته في التدريس في مدرسة حكومية إماراتية وبين تعليمه الشباب في مدرسة خاصة قطرية، إلى أنّه "لا يمكن للقطريين انتقاد بلدهم، بيد أنهم أكثر استعداد لانتقاد جيرانهم".
جيمس م. دورسي
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2022
جيمس م. دورسي هو زميل محاضر بارز في مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية في جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة، والمدير المشارك لمعهد ثقافة المشاهير من جامعة فورتسبورغ ومؤلف مدونةِ: "العالم المضطرب لكرة القدم في الشرق الأوسط"، وكتابٍ حامل لنفس العنوان.