الجزائر: هل يحقق المجتمع المدني التوازن مع السلطة السياسية؟
منذ حركة الاحتجاج الشعبية في الجزائر، ما تزال القوى المهيمنة مصرة على أن تلك الحركة لا تتعدى كونها "قوة احتجاج" وليست مصدراً للمقترحات. في الأسابيع الماضية، شارك عدد كبير من منظمات المجتمع المدني في سلسلة من الاجتماعات تحت عنوان "ديناميكية المجتمع المدني". الهدف منها كان وضع خارطة طريق مشتركة تفضي إلى حل يتم التفاوض عليه ونهاية سلمية لأزمة الحكومة في الجزائر.
لكن عدداً من الأصوات شكك في جدوى هذا الطريق والشرعية التي تحظى بها تلك المنظمات. كما يتساءل مراقبون حول ما يمكن للمجتمع المدني تقديمه للجزائر، خاصة فيما يتعلق بالحقوق المدنية للأقليات. يجب التذكير بأن دور المجتمع المدني تضاءل بشكل كبير في العقدين الماضيين، وكان هامش الحركة لديه قد تقلص بشكل حاد، وبالأخص عقب إقرار تشريعات تقيد عمل المؤسسات المدنية عام 2012.
أما اليوم، فقد بات من الصعب رسم صورة تفصيلية للمجتمع المدني في الجزائر، فهناك نحو 100 ألف منظمة رسمية لا تقدم أي معلومات حول كون أي منها ناشطة بالفعل. الفوضى المحيطة بالعدد الحقيقي للمنظمات العاملة أفاد الدولة وبرر عمليات "التطهير" التي كانت تقوم بها، والتي أدت إلى تضييقات أكثر على المجتمع المدني.
كما أن شبح "الأيدي الأجنبية"، الذي كان أثره واضحاً في الأسابيع الماضية، كان يتحجج بأن بعض تلك المنظمات يعمل بأوامر من قوى خارجية، والتي تسعى إلى إثارة القلاقل في البلاد وإزعاج الانسجام الوطني. إلى ذلك هناك مسألة الحماية القانونية، ذلك أن منظمات المجتمع المدني تُستهدف بشكل منتظم ويتعرض أعضاؤها للتخويف إذا ما اعتبرتهم الطبقة الحاكمة تهديداً لها.
مكافحة نقص الثقة
يقول الناشط السياسي في قضايا المجتمع المدني نسيم بلة: "يُفترض بالمجتمع المدني في الجزائر أن يكون له دور مركزي، لتحقيق التوازن مع من هم في السلطة، ولكن تنقصه الشرعية".
ويضيف بلة: "اعتاد الناس على النظر إلى منظمات المجتمع المدني على أنها بؤر للفساد والسلوك المشين، وكمنظمات تخدم حفنة من الأفراد الذين يريدون إما الانتفاع من ورائها مادياً أو بناء نفوذ سياسي لهم من خلالها. كما يُنظر لها على أنها أدوات يستخدمها بعض الأفراد لفرض وجودهم في الحياة العامة. معظم الجزائريين لا يثقون بتلك المنظمات على الإطلاق".
ويتابع نسيم بلة بالقول إن منظمات المجتمع المدني في الجزائر يُنظر لها على أن دورها خيري خالص: "ما دخل أي منظمة في السياسة؟ هذا سؤال يتردد كثيراً". في الوعي الجماعي للجزائريين، باتت السياسة حكراً على الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني لا دخل لها في ذلك. هذا الفصل بين المجالين يبدو أنه تطور مع مرور الوقت.
وطبقاً لعمر آيت سليماني، الناشط الحقوقي الذي شارك في عدد من اجتماعات منظمات المجتمع المدني، فإن "هناك جهوداً منسقة من قبل مجموعات من كافة الأطياف السياسية لتخطي الاختلافات الأيديولوجية وإيجاد قواسم مشتركة قد تمنح المجتمع المدني دوراً مركزياً في المرحلة الانتقالية. هذا يمثل قفزة نوعية في حد ذاته، لاسيما عندما نستذكر غياب الوحدة التام داخل المجتمع المدني في الجزائر على مدى عقود".
كما يعبر سليماني عن قناعته بأن خارطة الطريق الناتجة عن أعمال المؤتمر الوطني ستمثل أرضية ذات مصداقية "لاستقطاب كل النوايا الحسنة المتعلقة ببناء مرحلة انتقالية ترضي تطلعات الشعب الجزائري".
عامل حافز للإصلاح
وفيما يتعلق بالحقوق المدنية وحقوق الأقليات، يعتبر عمر أن "المجتمع المدني عامل حافز للإصلاح، لاسيما وأن منظمات المجتمع المدني قادرة على مناقشة القضايا المجتمعية بانفتاح أكبر، بما في ذلك الحقوق الفردية والمجتمعية وحقوق المرأة وحقوق الأقليات الدينية في الجزائر".
وبالفعل، يمكن للمجتمع المدني أن يستغل هذه الأزمة لإدارة ظهره للتهميش التاريخي والدفع بأوراقه في الحلبة السياسية وتثبيت نفسه كلاعب سياسي حيوي.
بالطبع، إن مبدأ تقرير مجتمع مدني جزائري موحد لمستقبله ما يزال حديث العهد. وبالنسبة لحنان، الناشطة في مجال حقوق المرأة، فإن "الأصوات التقدمية يجب أن تستغل كل مساحات النقاش التي ينظمها المجتمع المدني، وذلك بهدف التأثير على الآراء المختلفة والدفع بحقوق النساء في الجزائر إلى الأمام".
وتعترف حنان بأن هذه المهمة ليست بالسهلة، خاصة في ظل العدد الكبير من المؤسسات الإسلامية المحافظة المتواجدة في عدد من الاجتماعات. لكنها مقتنعة بـِ "الدور الرئيسي الذي سيلعبه المجتمع المدني على الساحة السياسية".
إن جزائر المستقبل لا يمكن تحقيقها إلا بمنح المجتمع المدني دوراً قيادياً، سواءً في الوساطة أو كثقل موازِن من أجل تنظيم المشهد السياسي والمشاركة في النقاشات الخاصة بالقضايا المجتمعية، وهو أمر لم يحصل في الجزائر منذ أن نالت استقلالها عام 1962.
نور الدين بسعدي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019