قرع طبول حرب لن تندلع؟
"هل يشن إردوغان حربًا علينا؟"، بهذا السؤال تُبقي وسائل الإعلام اليونانية حاليًا الرأي العام في حالة ترقب. يتم طرح هذا السؤال في كل نشرة إخبارية تقريبًا مع تشغيل موسيقى حماسية في الخلفية. الأمر ليس مجرد موضوع "يُباع" بشكل جيد من منظور وسائل الإعلام. فالتخويف الدرامي يساعد الحكومة اليونانية في التحذير من "خطر قومي" بدلًا من التعامل مع قضايا محلية غير مريحة بالنسبة لها، مثل فضيحة التجسس التي لا تنتهي فصولها أو ارتفاع معدلات التضخم.
لكن، وما عدا المبالغة الإعلامية والاستغلال السياسي للموضوع، ليس هناك شك في أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أطلق تصريحات "تهديدية" بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، إذ قال مؤخرًا: "أيتها اليونان، ألقي نظرة على التاريخ. إذا مضيتِ قُدُمًا فستدفعين ثمنًا باهظًا"، مكررًا ذلك بعدة مناسبات في الأسابيع الأخيرة.
بهذه التصريحات أراد إردوغان التذكير بعام 1922، عندما هزم مؤسس الدولة التركية مصطفى كمال أتاتورك الجيش اليوناني وهجّر السكان اليونانيين من آسيا الصغرى. وبعد مائة عام على "كارثة آسيا الصغرى"، كما يسميها اليونانيون، يهدد إردوغان بتكرارها، بقوله: "قد نأتي فجأة ذات ليلة".
هل يستطيع إردوغان تحمل تداعيات مثل هذه الحرب؟
هل يقصد إردوغان ذلك حقًا؟ هل يريد الرئيس التركي فعلاً إرسال طائراته الحربية ومهاجمة الجزر اليونانية في شرق بحر إيجة كما ألمح مراراً؟ تقرر مناقشة هذه الأسئلة أيضًا في القمة التأسيسية المقبلة لـ"المجموعة السياسية الأوروبية" في العاصمة التشيكية براغ يومي الخميس والجمعة (6 و7 تشرين الأول/أكتوبر 2022). هذه المجموعة هي صيغة جديدة أطلقها الاتحاد الأوروبي الذي دعا دول غرب البلقان وتركيا، من بين دول أخرى، للحضور. يتعلق الأمر أيضًا بما إذا كان من الممكن للاتحاد الأوروبي وتركيا الاقتراب مرة أخرى والتعاون بشكل أفضل في سياق الحرب الروسية ضد أوكرانيا وكيفية تحقيق ذلك. وسيكون وقف التوترات اليونانية التركية المتصاعدة أمرًا حاسمًا في هذا الشأن. (وجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يوم الخميس 06 / 10 / 2022، تهديدات جديدة ضد اليونان، الشريكة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك بعد أول اجتماع للمجموعة السياسية الأوروبية في براغ. وقال في مؤتمر صحفي: "أيا كانت الدولة التي تزعجنا، وأيا كانت الدولة التي تهاجمنا، فسيكون ردنا دائما أن نقول: 'في منتصف الليل قد نصل فجأة".)
ووفقًا لمعظم الخبراء والمراقبين، هناك شيء واحد مؤكد بالفعل: قد يبدو خطاب أردوغان عسكريًا - لكن على الأرجح ليس جديًا. فالرئيس التركي لا يستطيع ببساطة تحمل تداعيات حرب ضد اليونان، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
الناتو لن يسمح بالحرب وخصوصاً أمريكا
أسباب ذلك متعددة. فمن ناحية، تعد فرص إردوغان في كسب مثل هذه الحرب غير مؤكدة أبدًا. ومن ناحية أخرى، من الواضح أنه يدرك أن الناتو ودوله، وخصوصًا الولايات المتحدة، لن تسمح أبدًا لتركيا، العضو في الحلف، بشن حرب ضد اليونان.
"حين تأتي اللحظة، سنفعل ما يلزم. قد نصل فجأة خلال الليل".. هكذا توعد أردوغان اليونان، إذا ما استمرت بـ"انتهاكاتها" المزعومة. فما سبب تصعيد الحرب الكلامية بين تركيا واليونان؟ pic.twitter.com/ONRKkKs3z4
— DW عربية (@dw_arabic) September 7, 2022
ففي أزمة إيميا عام 1996، عندما اندلعت اشتباكات عسكرية بين اليونان وتركيا في جزيرتين غير مأهولتين، منع الناتو والولايات المتحدة مزيدًا من التصعيد. وإذا تدهور الوضع أكثر، فسيكونان أكثر حزماً. فبسبب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لا يمكن للناتو تحمل وجود ضعف فيه من خلال السماح بنزاع عسكري بين دولتين عضوين. والقواعد العسكرية الأمريكية في كريت وألكساندروبوليس بشرق اليونان، على وجه التحديد، مهمة للغاية للإمداد العسكري لقوات الناتو في أوروبا الشرقية وللمساعدة العسكرية لأوكرانيا.
سياسة "التوتر الخاضع للسيطرة"
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد اندلاع ما يسمى بـ"حلقة ساخنة" في بحر إيجه تمامًا، قد يسببها، على سبيل المثال، غزو تركي لجزيرة يونانية صغيرة غير مأهولة، يوجد الكثير منها في شرق بحر إيجه. لكن هذا سيكون السيناريو الأسوأ.
ما هو مؤكد هو أن إردوغان ينتهج سياسة "التوتر الخاضع للسيطرة" منذ الانقلاب العسكري الفاشل بتركيا في 2016، أحيانًا بخطابات أكثر حدة وأحيانًا بأخرى أقل شدة. ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا منتصف العام المقبل 2023، ولهذا السبب تبدو لغة إردوغان حاليًا عسكرية للغاية. يبدو أنه يريد بهذه الطريقة إرضاء ناخبيه القوميين.
ويمكن أن يؤدي حادث طائرة محتمل أيضًا إلى تصعيد الوضع المتأزم، فالمقاتلات التركية تخترق حاليًا المجال الجوي اليوناني كل يوم تقريبًا ويتعين إجبارها مرارًا وتكرارًا على العودة من قبل الطائرات العسكرية اليونانية. وحتى الآن لم يفقد أي طيار، تركي أو يوناني، أعصابه. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد خطأ قاتل.
"ألعاب خطيرة"
وتركيا هي التي تهدد اليونان بالحرب منذ سنوات عديدة إذا حددت أثينا مياهها الإقليمية حول جزرها بـ 12 ميلًا، وهو ما يتناسب مع القانون الدولي. ومع ذلك، فإن الرئيس التركي يقلب الأدوار ويصور الأمر كما لو كانت اليونان هي التي تهدد تركيا بالحرب. ويشكو إردوغان من أن اليونان تلعب "ألعابًا خطيرة" في المنطقة بسبب الحشد العسكري في بعض الجزر اليونانية، ويتعهد بأنه سيستخدم "كل الوسائل المتاحة إذا لزم الأمر"، "للدفاع عن حقوق الشعب التركي"، على حد تعبيره.
لكن الرد الدبلوماسي اليوناني هو: "نحن لا نهدد تركيا. نتوقع أن تتخلى أنقرة عن مبرر الحرب ونحن مستعدون دائمًا لحوار على أساس القانون الدولي وقانون البحار الدولي"، كما جاء في تصريحات لوزارة الخارجية اليونانية. ويحاول رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن يظل هادئًا بشكل واضح. وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على سبيل المثال، قال لتركيا: "أود أن أخبرك أن اليونان ليست تهديدًا لبلدك. نحن لسنا أعداء. نحن جيران".
لقاء في براغ؟
ورغم أن إردوغان لم يُظهر حتى الآن أي استعداد للدخول في حوار مع ميتسوتاكيس، إلا أن إبراهيم كالن، مستشار للرئيس التركي، كان لم يستبعد عقد اجتماع بين إردوغان وميتسوتاكيس على هامش قمة الاتحاد الأوروبي في براغ.
ومع ذلك، فإن ميتسوتاكيس من جانبه ليس لديه أيضًا اهتمام كبير بإجراء حوار موضوعي مع أردوغان. وعلى الرغم من أنه من المهم بالنسبة له أن يظهر كشريك جيد وموثوق به دوليًا، إلا أنه يعلم أيضًا أن حزبه المحافظ "نيا ديموكراتيا" ومعظم ناخبيه يميلون إلى معارضة المفاوضات لحل النزاع اليوناني التركي. فالقومية ليست مشكلة في تركيا فحسب، بل في اليونان أيضًا، حيث من المقرر إجراء انتخابات برلمانية العام المقبل.
لذلك إذا كان للضغط الدولي تأثير وتم عقد اجتماع بين أردوغان وميتسوتاكيس في براغ، فمن المحتمل أن يجلس كلاهما على طاولة المفاوضات بنفس المزاج الأساسي: لا أحد منهما يدفع لإجراء حوار بناء لإنهاء النزاع!
كاكي بالي
ترجمة: م.ع.ح
حقوق النشر: دويتشه فيله 2022