"حاربوا أسباب اللجوء وليس اللاجئين"

قنطرة: تُعتبر اليونان لسنوات طويلة محطة وصول للاجئين من دول العالم إلى أوروبا. من أين يأتي حاليًا أغلب اللاجئين؟ وكيف تصف الوضع الراهن وسياسة اللاجئين والهجرة؟
نسيم لُماني: لا يزال معظم الناس يأتون من سوريا وأفغانستان. لكن الأوضاع أصبحت أكثر هدوءًا بالمقارنة مع الماضي. إلا أن السبب في ذلك ليس إيجابيًا، بل على العكس. فقد ازدادت عمليات الإعادة القسرية غير القانونية ومراقبة الحدود، مما يعني أن العديد من اللاجئين لا يصلون إلى وجهتهم على الإطلاق، لأنه يجرى إعادتهم إلى تركيا أو يلقون حتفهم في البحر.
إحدى الحوادث المأساوية البارزة كانت غرق السفينة قبالة سواحل بيلوس في يونيو/حزيران 2023، حيث لقي أكثر من 600 شخص مصرعهم، ولا تزال التفاصيل الدقيقة للحادث مثار جدل حتى اليوم. وقد نشرت منظمة "Forensic Architecture"، تحقيقًا يثبت أن السفينة انقلبت لأن خفر السواحل اليوناني حاول سحبها، لكن السلطات اليونانية تنكر ذلك.
إلى جانب عمليات الإعادة القسرية، فإن رداءة قوارب التهريب تُعد سببًا آخر لارتفاع عدد الوفيات. إضافة إلى ذلك، يضطر الكثير من الأشخاص إلى استخدام طرق أكثر خطورة بسبب تشديد مراقبة الحدود.

هل تقصد أن الاتحاد الأوروبي يحاول أن يصبح أكثر إنغلاقا؟
هذا صحيح، فقد زاد إنفاق الاتحاد الأوروبي على مراكز استقبال اللاجئين وتأمين الحدود الخارجية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، كما تتدفق الكثير من هذه الأموال إلى اليونان، إضافة إلى عقد صفقات مع أطراف إقليمية من أجل ترحيل اللاجئين.
ومثال على ذلك، الاتفاقية التي أبرمتها ألمانيا مع أوزبكستان منذ سبتمبر/أيلول 2024، مما يجعل أوزبكستان والدول الاستبدادية الأخرى تدرك أنه بإمكان مثل هذه الصفقات أن تكون في صالحها، فهي مدعومة من الاتحاد الأوروبي ويمكنها فرض شروط، على سبيل المثال من خلال المطالبة بتأشيرات للعمال الذين يرغبون في القدوم إلى ألمانيا، بينما تقوم هي بترحيل اللاجئين الشباب.
وفي هذه الحالة فإن هناك حسابات اقتصادية من كلا الجهتين، فبلدان مثل ألمانيا مثلًا تعرف أنها لا تزال تعتمد على العمالة الرخيصة التي تأتيها من أماكن أخرى، ولكن في نفس الوقت، ومن وجهة نظر ألمانية غربية فإنه من الجيد والمرغوب فيه أن يغادر هؤلاء الأشخاص في مرحلة ما.
أنت تنتقد مصطلح "اللاجئ الاقتصادي".
بالطبع، لأنني أرى أنه مصطلح خاطئ تمامًا. فالناس يفرون بسبب الظروف المعيشية في بلدانهم، وطالما أن هذه الظروف موجودة، سواء كانت حروبًا أو تغيرًا مناخيًا أو مجاعة، فإن حركة اللجوء لن تتوقف، ولن تستطيع أي من اللوائح القمعية للاتحاد الأوروبي تغيير هذا الأمر.
ومهما جرى تشديد مراقبة الحدود ومحاولة فرض السيطرة، سيظل الناس يفرّون وينجحون في إيجاد طرق هروب جديدة للوصول إلى وجهاتهم: هذه هي طبيعة الفرار، ولن تخلق "إدارة الهروب" حلولا طالما لا يزال هذا الهروب موجودًا.
قمت مع نشطاء آخرين عام 2016 باحتلال فندق سيتي بلازا بالقرب من ساحة فيكتوريا في أثينا، كيف حدث ذلك، وكيف ترى سياسة اليونان تجاه اللاجئين؟
لا تزال المنطقة المحيطة بساحة فكتوريا تعتبر إلى اليوم نقطة تجمع للاجئين، حيث يحاول الكثير منهم العثور على سكن، بينما ينتهي الأمر بالبعض بلا مأوى. لكن في تلك الفترة، كانت الأوضاع كارثية لدرجة أننا أردنا أن نسلط الضوء عليها وإيصال رسالة قوية. كانت هناك العديد من المباني الفارغة، ورغم ذلك يخيم الآلاف من الناس في ساحة فكتوريا. أردنا من خلال احتجاجنا أن نبين أننا بحاجة إلى توفير سكن لائق للاجئين في اليونان.
ورغم ذلك، لا تزال المشكلة قائمة إلى اليوم، فالعديد من الوافدين إلى أثينا لا يجدون مأوى منظمًا من الدولة، بل يضطرون إلى البحث عن سكن بأنفسهم. وعلى الأغلب، توجد هناك مساكن خاصة حيث لا يتم تأجير غرف فيها، بل فراشًا للنوم فقط بأسعار باهظة. وغالبًا ما نجد نحو 15 إلى 20 شخصًا يعيشون في شقق من ثلاث أو أربع غرف.
تعتبر اليونان بالنسبة للعديد من المهاجرين محطة عبور، ويعود ذلك جزئيًا إلى الظروف المعيشية، لكنك قررت البقاء، في حين أن معظمهم يريدون المغادرة.
هذا صحيح. لقد وصلتُ إلى هنا قبل أكثر من عشرين عامًا وقررت البقاء. لم يكن هناك آنذاك أيّ نشاط اجتماعي أو حتى مترجمين من أجل اللاجئين؛ ولكن حتى اليوم، هناك أسباب وجيهة تدفع الناس للمغادرة، إذ لا يوجد نظام رعاية اجتماعي قوي، ولا إمكانية للم شمل الأسرة.
وعلى الرغم من أن معظم اللاجئين لا يبقون طويلًا في اليونان، إلا أن السياسيين الشعبويين والديماغوجيين استخدموا اللاجئين ككبش فداء لجميع المشاكل الاقتصادية المتردية في البلاد. لكن الواقع أثبت أن هؤلاء اللاجئين غادروا، ومع ذلك بقيت المشكلات كما هي. في دول أوروبا الوسطى، التي تتبنى اليوم خطابات عنصرية ومعادية للاجئين، سيحدث الشيء نفسه.
برأيك، ما هي الحلول الحقيقية وطويلة الأمد لتلك الإشكالية؟
سيكون الاعتراف بأسباب النزوح خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. على سبيل المثال، لا يمكنني العودة إلى أفغانستان لأنني أنتمي إلى أقلية عرقية ودينية. ومن المثير للسخرية أن العديد من السياسيين الغربيين يحاولون الآن تطبيع العلاقات مع طالبان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الغرب هو الذي شنّ حربًا هناك لمدة عشرين عامًا، ودون أي نجاح. ونتيجة الحرب واضحة، لكن مجتمع الدول الغربية لا يريد تحمل مسؤولية ذلك، حيث أنهم يقمعون ويتجاهلون الأمر الذي ساهموا في حدوثه، وينطبق هذا الوضع أيضًا مع صراعات أخرى.
كما أن هناك العديد من اللاجئين الجدد من فلسطين ولبنان، الذين فروا نتيجة للعنف الغربي. فإسرائيل تتلقى دعمًا هائلًا من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والعديد من الدول الأخرى. وبالتالي فإن الخطوة الأخرى الضرورية هي وقف تصدير الأسلحة.
يجب علينا في نهاية المطاف أن نحدد أسباب نزوح الناس وننفذ سياسة صادقة مبنية على القيم، لكن ما يحدث هو العكس تمامًا: لقد جرى عمليًا إلغاء الحق الفردي في اللجوء، والوضع مشابه بالنسبة لاتفاقية جنيف. يجب على الجهات الفاعلة المسؤولة مثل الاتحاد الأوروبي العمل على حلّ الأسباب الحقيقية للجوء، وليس محاربة أولئك الذين يفرون منها.
قنطرة ©