بلد على شفير الهاوية

لم تؤدِ "الحرب على الإرهاب" التي يتم خوضها بطريقة سيّئة إلى تأجيج نار التطرّف في باكستان وحسب، بل صارت تهدّد الآن أيضًا بتمزيق هذا البلد الذي يعاني أصلا من اضطرابات سياسية ومشكلات أمنية، حسب رأي أحمد رشيد في التعليق التالي.

​​تجاهلت إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش طيلة سبعة أعوام حركة الطالبان الأفغانية وقيادة تنظيم القاعدة - اللتين استطاعتا تشكيل صفوفهما في المناطق القبلية الباكستانية؛ وذلك فقط لتفعل الآن كلَّ شيء من أجل استرجاع الوقت الضائع. واقترب الآن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية ونظرًا إلى حقيقة أنَّ أسامة بن لادن ما يزال طليقًا ولم يُلق القبض عليه منذ تولي الرئيس الأمريكي منصب الرئاسة للمرّة الثانية - بل استطاع أكثر من ذلك توسيع نفوذه، فإنَّ جورج دبليو بوش يسعى الآن إلى دفع البنتاغون إلى القبض على أسامة بن لادن حيًا أو ميتًا. ولكن يبقى علينا الانتظار إذا كانت هذه المحاولة في شهر تشرين الأول/أكتوبر ستؤدي إلى نتائج قبل الانتخابات الأمريكية؛ ولكن من المؤكَّد أنَّ خطر المتطرّفين لم يعد يسمح بحلّ عسكري بسيط.

وثمة ما يشير إلى يأس الإدارة الأمريكية، ليس فقط لأنَّ رئيس هيئة الأركان الأمريكية، مايك مولن Mike Mullen التقى في السادس عشر من أيلول/سبتمبر في إسطنبول برئيس هيئة الأركان الباكستانية، أشفاق كاياني؛ بل أيضًا لأنَّ رئيسه، أي وزير الدفاع الأمريكي بوب غاتس Bob Gates كان في الوقت نفسه في كابول ولأنَّ الرئيس الباكستاني الذي تم انتخابه مؤخرًا، آصف علي زرداري زار لندن من أجل كسب ودّ رئيس الوزراء البريطاني براون وليجعله يبعد الأمريكيين عنه وليحمله على تقديم المعونات لبلده بدلاً من الردود الغاضبة.

وباكستان في مركز عاصفة نيران آخذة بالامتداد والتطوّر في منطقة وسط وجنوب آسيا إلى أخطر مواجهة منذ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وتتحمّل الباكستان وأفغانستان والولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو مسؤولية كبيرة عن هذه الأزمة. وجورج بوش لم يكن يرغب قطّ ولم يكن يشعر حتى بواجب تقديم الحماية الفعّالة لأفغانستان، على الرغم من مطالب حامد كرزاي بمواجهة الهجمات الإرهابية التي تتعرّض لها أفغانستان من خلف حدودها وبإعادة بناء هذا البلد في أخر المطاف بشكل مستدام.

ويقول الضباط القدماء الذين أدّو خدمتهم في أفغانستان إنَّهم كانوا يطالبون البيت الأبيض في شهر كانون الأول/ديسمبر 2006 بالعمل واتخاذ إجراءات في آخر الأمر، بيد أنَّ جورج دبيليو بوش لم يكن يرغب في تعكير الأجواء مع الرئيس الباكستاني المستقيل، برويز مشرف، كما أنَّه كان أيضًا يركّز جهوده على العراق المحتلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي تلك الأثناء لم يعد ينجح المرشّح للانتخابات الرئاسية الأمريكية عن الجمهوريين، جون مكين على الإطلاق في استخدام ورقة الأمن القومي الأمريكي ضدّ باراك أوباما، وذلك لأنَّ السياسة التي يتّبعها الجمهوريون لم تستطيع وقاية أمريكا من هجمات القاعدة في المستقبل.

الطالبان قوة باكستانية بالنيابة

ولقد رأى جهاز المخابرات الباكستاني ISI في إهمال جورج بوش تفويضًا مطلقًا من أجل استخدام حركة الطالبان الباكستانية من جديد كقوة باكستانية بالنيابة. وهكذا كان الجيش الباكستاني يتصدّى لاحتمال انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، وذلك للحيلولة دون كسب الهند نفوذًا واسعًا في أفغانستان، بحيث أنَّهم أرسلوا إلى كابول قادة أفغان موالين للباكستانيين من أجل تحديد أجواء النفوذ السياسي هناك.

​​وكان يبدو حتى هذا العام أنَّ باكستان سوف تربح هذه اللعبة. وثم بدأت حركة طالبان الأفغانية حملة غير مسبوقة ضدّ حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية وقوات الأمن الأفغانية؛ حيث شلّوا البلاد من خلال قطعهم جميع الطرق المهمة المؤدّية إلى المدن والمناطق المركزية وحاولوا على هذا النحو ليس فقط قطع الإمدادات عن الناس، بل كذلك قطع إمدادات الوقود والعتاد عن القوات الغربية - هذه الإمدادات التي يتم نقل ثمانين في المائة منها عن طريق مناطق باكستانية. وكذلك تم قتل بعض المساعدين، الأمر الذي أدّى إلى إيقاف المعونة الصغيرة التي كان يتم تقديمها حتى ذلك الحين.

وفي العام الماضي رسم مقاتلو حركة طالبان الباكستانيون خطّتهم الخاصة التي تؤدّي إلى الوصول إلى شمال باكستان وإقامة "دولة شريعة" جديدة وأخيرًا إلى بلقنة أفغانستان. وفي هذه الأثناء صارت حركة طالبان تفرض سيطرتها على كلِّ المناطق القبلية السبعة التي تشكّل المنطقة ذات الحكم الذاتي والواقعة على حدود أفغانستان، أي المنطقة القبلية الواقعة تحت الإدارة الاتحادية (FATA). وفي المنطقة الشمالية الغربية المجاورة (NWFP) يتقدم مقاتلو الطالبان بهجماتهم الإرهابية العنيفة كما أنَّهم صاروا يهدِّدون في هذه الأثناء بعض المدن الكبيرة.

باكستان تفقد سيادتها

​​ومن ناحيتها تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بشن هجمات تكاد تكون يومية على مناطق يعتقد أنَّها معاقل ومخابئ لتنظيم القاعدة في المنطقة القبلية الواقعة تحت الإدارة الباكستانية الاتحادية FATA كما أنَّها تستهدف أيضًا قادة أفغان في حركة الطالبان مثل جلال الدين حقاني. والجيش الباكستاني كان ينفي في البدء وقوع هذه الهجمات، ليعترض عليها فيما بعد بشكل أكثر شدّة.

ولكن على الرغم من ذلك قام في الثالث من أيلول/سبتمبر جنود وحدة الـ"Navy Seals" الأمريكية بالهجوم على المنطقة القبلية الواقعة تحت الإدارة الباكستانية الاتحادية، وذلك من أجل إظهار عزم الولايات المتحدة الأمريكية وتصميمها وكذلك من المحتمل أيضًا من أجل إجبار باكستان على دعم الهجمات العسكرية الأمريكية ودفع الجيش الباكستاني إلى تعاون أفضل. ونتيجة لذلك صار الجيش الباكستاني يقول الآن إنَّه يسمح بالهجمات التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من الاحتجاجات الشديدة وعلى الرغم من أنَّ ذلك سوف يؤدّي إلى إضعاف وتقويض سيادة باكستان.

معارك مع نواز شريف

وبعد أن استقال برويز مشرف كسب أرمل السياسية الراحلة، بينظير بوتو وزعيم الحزب الوطني الوحيد في باكستان - حزب الشعب الباكستاني، أي السياسي آصف علي زرداري الذي يعتبر شخصًا يكثر حوله الجدل، الأغلبية العظمى في الإقليمين الصغيرين التابعين للمنطقة الشمالية الغربية NWFP، أي إقليمي بلوشستان والسند.

أما في إقليم البنجاب الذي يعيش فيه خمسة وستون في المائة من أفراد الشعب الباكستاني البالغ عددهم مائة وستين ملون نسمة، فلم يحظى بأية فرصة للفوز. فهناك فاز بالأغلبية منافسه نواز شريف الذي لا يحمل الهجمات الإرهابية محمل الجدّ ويتعاون مع الأحزاب الإسلامية اليمينية. إذ لم يكن الفرق بين الأقاليم الصغيرة وإقليم البنجاب كبيرًا إلى هذا الحدّ على الإطلاق.

عدم وجود إستراتيجية

وسوف تكون أول مهمة يتولى القيام بها آصف علي زرداري هي السيطرة على الاقتصاد المتضعضع وكذلك السيطرة على الحرب الدائرة التي يتم خوضها ضدّ الإرهاب، وكلّ هذا من دون أن تنقطع الصلة بين الباكستان ومصالح المجتمع الدولي. ولكن حتى الآن لا يوجد لديه الكثير ليقدّمه؛ إذ تخوض منذ شهر شباط/فبراير الحكومة الائتلافية التي يترأسها حزب الشعب الباكستاني - منذ أن تولت المهام الإدارية الرسمية في الباكستان - معارك مستمرة مع نواز شريف. وكذلك لا تستطيع "البطة العرجاء"، أي جورج دبليو بوش إنقاذ آصف علي زرداري إلاَّ من خلال وعود الدعم المادي والمطالبة بإجراء إصلاحات في جهاز المخابرات الباكستاني ISI.

وآصف علي زرداري يحتاج من أجل الحرب على الإرهابيين إلى دعم جيش بلاده، بيد أنَّ الجيش الباكستاني يفتقر إلى إستراتيجية مترابطة. ولو لم تكن الحال كذلك لما كان الجيش الباكستاني سيقوم في يوم بشن غارات على قرى تقع في المناطق القبلية الواقعة تحت الإدارة الباكستانية الاتحادية FATA وفي اليوم التالي بتقديم عروض من أجل هدنة وقطع الوعود بإصلاح وتحسين ما خرّبه الجيش. وكذلك لم ينجح الجيش الباكستاني في حماية مواطني المناطق القبيلية الواقعة تحت الإدارة الباكستانية الاتحادية. فمنذ عام 2006 هرب ثمانمائة مواطن من مواطني هذه المنطقة الذين يبلغ عددهم فقط ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، وذلك بسبب خوفهم من الجيش وكذلك بسبب خوفهم من مقاتلي حركة طالبان.

وحتى الآن لم يبدأ الجيش بإجراء التغييرات الإستراتيجية الضرورية، وذلك من خلال التوقّف عن التعاون مع مقاتلي حركة الطالبان الأفغان الذين يعيشون في منطقة بلوشستان. وفضلاً عن ذلك يحاول جهاز المخابرات الباكستاني الفصل بين مقاتلي حركة طالبان الذين تتم محاباتهم عن مقاتلي الطالبان الباكستانيين وتنظيم القاعدة غير المرغوب فيهم. ولكن في الحقيقة جميعهم يعملون في ظلِّ إستراتيجية مشتركة وبتعليمات من تنظيم القاعدة. وهدف تنظيم القاعدة هو استغلال الأشهر القادمة من أجل الاستيلاء على أوسع ما يمكن من الأراضي في المنطقة الشمالية الغربية، بغية إقامة قواعد آمنة في تلك المنطقة وإعادة بناء معسكرات التدريب التي كان تنظيم القاعدة يملكها من قبل في أفغانستان.

إستراتيجية جديدة للمنطقة

والردّ الأمريكي يكمن في تعزيز القوات الغربية في أفغانستان وزيادة عددها - بزيادة تبلغ أربعة آلاف وخمسمائة جندي في العام الجاري وعشرة آلاف جندي آخر في العام المقبل - وفي الاستمرار في الضغط على باكستان. ولكن منذ فترة طويلة لم يعد الردّ موجودًا فقط في بلد واحد. وحركة الطالبان تمثّل مشكلة لكلِّ المنطقة كما أنَّ الإدارة الأمريكية القادمة يجب أن تضع إستراتيجية تشمل كلاً من إيران وباكستان والهند وأفغانستان، بالإضافة إلى جمهوريات آسيا الوسطى الخمسة.

والقوات المسلحة الغربية لا تستطيع الفوز بشيء في أفغانستان إذا لم تتّفق مع باكستان، ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ الجيش الباكستاني سوف يقبل فقط بالعودة إذا شعر بمزيد من الآمن إزاء الهند التي تتمتَّع بعلاقات جيدة مع الرئيس حامد كرزاي والطاجيك في شمال أفغانستان. وكذلك يجب على الأمريكيين بدء المفاوضات المباشرة مع إيران التي تزوّد مقاتلي الميليشيات في أفغانستان بالسلاح؛ كما يجب عليهم أيضًا السعي من جديد لدى مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة والحصول على تفويض جديدة من أجل مبادرة دبلوماسية لهذه المنطقة برمّتها؛ ولا بدّ من المضي ببرنامج مساعدة واسع النطاق من أجل هذه المنطقة، كما أنَّه يجب أن يكون هناك حملة إعلامية تتم إقامتها بشكل واسع، بغية إقناع الناس في البلدان المذكورة بأنَّ التحالف الغربي يعمل على حلِّ المشاكل ولا يدعها تظهر لفترة أطول من دعاة الحرب، أي أطول مما يتم إدراكها في الوقت الحالي.

غير أنَّ ذلك يبقى مرهونا قبل كلِّ شيء بوجود الشجاعة والإرادة الصادقة لدى كلّ من الرئيس الأمريكي الجديد وأوروبا وحلف الناتو، من أجل الإمساك بالثور من قرنيه ومحاولة فعل شيء جديد بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على إستراتيجية يبدو أنَّها باءت تمامًا بالفشل.

أحمد رشيد
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008

أحمد رشيد صحفي باكستاني ومؤلِّف كتاب "Descent into Chaos: The United States and the Failure of Nation Building in Pakistan, Afghanistan, and Central Asia"، ويعمل كذلك مراسلاً صحفيًا لصالح صحيفة ديلي تلغراف.
قنطرة

الرئيس الباكستاني الجديد آصف على زرداري:
من سجين إلى رئيس للبلاد
أصبح آصف علي زرداري - أرمل زعيمة المعارضة الباكستانية بينظير بوتو - رئيس باكستان الجديد. وارتقاؤه من سجين إلى رئيس للبلاد يشكِّل العودة الأكثر إثارة للدهشة في المشهد السياسي الباكستاني الذي يمتاز بكثير من التناقضات والتداخلات والتعقيدات وفق تعليق عرفان حسين.

استقالة الرئيس الباكستاني برويز مشرف:
نهاية اللعبة السياسية
تخلى أخيرًا برويز مشرف عن رئاسة باكستان بإذعانه للضغوطات السياسية الداخلية، لاسيما في ضوء الإجراءات التي بدأها البرلمان منذ أسبوعين لعزله من منصبه. استقالة مشرف تعيد الحياة من جديد للمشهد الديمقراطي في باكستان وتضع حدا لسياساته التي تميزت بالمراوغة تارة وبالاحتواء تارة أخرى. تعليق من توماس بيرتلاين.

سيناريوهات النزاع الباكستاني:
إذا ما تفتتت باكستان . . .
يحلل هيرفريد مونكلر الباحث في علم السياسة تواصل الأزمة السياسية في باكستان ويطرح السؤال التالي: ماذا سيحدث فيما لو تعرضت باكستان كدولة وكوحدة إقليمية إلى التجزئة وانقسمت إلى دويلات متعددة علما بأن الحكومة المركزية اليوم عاجزة عن السيطرة التامة على كامل أرجاء البلاد؟