مائة عام من ملاحقة الديمقراطية
من المفترض أنَّه قد تم في الحقيقة قبل مائة عام القضاء على التطلعات الديمقراطية في إيران باستخدام القوة. وفي شهر آب/أغسطس من عام 1908 أمر الشاه، محمد علي الذي كان يحكم إيران في تلك الفترة بضرب البرلمان الإيراني الذي كان عمره عامين فقط بالقنابل، وبزج الكثيرين من أعضائه في السجن. ولكن الحركة الدستورية الإيرانية تمكَّنت بعد ذلك من الفوز في معركة تأسيس النظام البرلماني في إيران الملكية، وذلك بعدما أسرعت هذه الحركة في تنظيم صفوفها واستعدَّت في عام 1909 للقيام بضربة عسكرية مضادة.
وتم إسقاط الشاه محمد علي وتنصيب ابنه القاصر الذي لم يكن قد بلغ السن القانونية في مكان أبيه، وتم تعيين وصي عليه. وفي بداية عام 1906 نشأ في بداية الأمر بشكل تلقائي ما يطلق عليه في التاريخ اسم الثورة الدستورية الإيرانية. وكان سبب قيام هذه الثورة هو جلد تاجري سكَّر معروفين أمام الجمهور، إذ أمر حاكم طهران بجلدهما.
كره الشعب للأسرة الحاكمة الفاسدة
وفي تلك الحقبة - التي لا تختلف عن الوضع الراهن - ثار على النظام الحاكم قبل كلِّ شيء سكَّان المدن. وكان هذا النظام الذي واجهه أبناء المدن وتمرَّدوا عليه يتكوَّن من أسرة القاجار المالكة. وعلى خلاف ما توهمنا به بعض أطروحات المستشرقين، فإنَّ الفضل في بقاء الحكم في يدّ أسرة القاجار لا يعود - طبقًا لوجهة نظر خبير العلوم السياسية الأميركي ذو الأصل الإيراني، فخر الدين عظيمي - إلى تعسّف القاجاريين وسلطتهم الاستبدادية، بقدر ما يعود إلى استخدامهم شبكة معقدة من العلاقات، كانت تضمن لهم ولاء زعماء القبائل المحلية؛ وبالإضافة إلى ذلك كان القاجار يحسنون في الوقت نفسه الإيقاع بين هؤلاء الزعماء وجعلهم يتصارعون فيما بينهم. ولكن في الحقيقة لم يمنع ذلك أيضًا الاستمرار في "السعي من أجل الديمقراطية" - وهذا هو عنوان الدراسة التي أعدَّها الباحث فخر الدين عظيمي حول السياسة الايرانية في القرن الماضي.
وصحيح أنَّ الحركة الديمقراطية قد استفادت من كره الشعب للأسرة الحاكمة الفاسدة التي كانت تتمتَّع بخيرات البلاد، إلاَّ أنَّ الدافع الحقيقي لهذه الحركة كان يكمن في معرفة أنَّ التغلب على المشاكل التي كانت في إيران - من سوء الإدارة والوجود الإمبريالي الروسي والبريطاني فوق التراب الإيراني - ممكن فقط من خلال القيام بعمل مشترك.
صراع مفتوح مع رجال الدين المحافظين
وكذلك تذكِّر بالوضع الحالي مشكلة هيكلية كانت مزمنة للغاية في تلك الحقبة؛ وهذه المشكلة كانت تكمن في اتساع الهوة بين المجتمع الإيراني الذي كان يتغيَّر بسرعة وبين دولة القاجار التي كانت تشهد على النقيض من ذلك حالة ركود. وكان النشطاء الديمقراطيون الذين شكَّلوا حركة جمعت المتديِّنين والعلمانيين، من أشخاص مسلمين وغير مسلمين، يطالبون بإنشاء دولة تحترم سيادة القانون ولها دستور وبرلمان؛ وكانت العدالة تشكّل أحد مبادئهم الرئيسية، بالإضافة إلى مطالبتهم بالمزيد من السيادة الوطنية.
ولم يكن رجال الدين يستطيعون تحديد هويَّتهم من خلال هذه المطالب إلاَّ بشكل جزئي، وذلك لأنَّ القوانين التي كان يروِّج لها دعاة النظام الدستوري لم تكن مستلهمة من التقليد الإسلامي، على الرغم من أنَّ الثورة الدستورية كانت ملتزمة بالإسلام ولم تكن تمسّ مكانة المذهب الشيعي باعتباره مذهب الدولة الأساسي. وأدَّى هذا إلى نشوب صراع مفتوح مع رجال الدين المحافظين.
وبالإضافة إلى ذلك تمكَّن المتحدِّث باسم رجال الدين، الفقيه المتطرِّف صاحب المكانة العالية، آية الله الشيخ فضل الله نوري، من جعل الشاه يصر على أنَّ الدستور يجب أن يقوم على أساس الشريعة الإسلامية. وبعد ذلك بفترة قصيرة دفع الشيخ نوري فضل الله حياته ثمنًا لتحريضه ضدّ الحركة الدستورية؛ حيث تم في الحادي والثلاثين من شهر تموز/يوليو عام 1909 شنقه في طهران أمام الناس - وفيما بعد قُدِّر لثورة الخميني الإسلامية أن تقدِّمه على أنَّه أحد روَّادها.
قومية متطرِّفة مع الأسرة الحاكمة الجديدة
ومن جديد تم وضع النظام البرلماني الإيراني على المحك، وذلك من خلال تغيير الأسرة الحاكمة. ورضا خان سوادکوهي الذي ارتقى من منصب وزير الحرب ليشغل منصب رئيس الوزراء، وكان في الأصل قائدًا لفرقة القوزاق الفارسية - كان يعمل باستمرار على تقوية هذه الفرقة وتطويرها إلى جيش وجعلها من أهم الأجهزة التي يعتمد عليها، وأخيرًا أجبر البرلمان في عام 1925 على تتويجه هو بالذات ملكًا على إيران. ومنذ ذلك الحين أصبحت عمليات التلاعب بالانتخابات أمرًا روتينيًا - مثل عمليات تقديم الرشوة للبرلمانيين.
والآن كان أيضًا رؤساء الوزراء يحاولون التقرّب من الشاه، مثلما كانت الحال في المرحلة البرلمانية الأولى من حكم رضا بهلوي، وكان يتم باستمرار إنشاء العديد من الوزارات وإعادة تشكيلها. وقد رافق استفراد الشاه بالحكم الاستبدادي نشوء قومية متطرِّفة علمانية. كما أنَّ الشاه رضا لم يرتدع أيضًا من رجال الدين؛ إذ تم رغم أنف رجال الدين في عام 1936 فرض حظر على ارتداء الحجاب، وأمَّا النساء اللواتي لم يكن يلتزمن بحظر الحجاب فكانت تتم معاقبتهن أمام الناس.
وكذلك كان يمارس هذه الطريقة في الحكم ابن الشاه رضا، الشاه محمد رضا بهلوي الذي قام البريطانيون بعد عزل والده في عام 1941 بتنصيبه خلفًا لأبيه. وكذلك كثيرًا ما كان يتم في ظلِّ نظامه التلاعب بالانتخابات وتزييفها؛ إذ كان يتم اختيار المرشَّحين للانتخابات من بين السياسيين الموالين للشاه الذي كان يقوم شخصيًا بعزلهم. كما أنَّ الشاه لم يتحمَّل الأحزاب لفترة طويلة، ولم يأمر في آخر المطاف بتأسيس أحزاب إلاَّ من أجل الإيقاع بين هذه الأحزاب وجعلها تتصارع فيما بينها وكان يأمر في بعض الأحيان بحظرها.
القمع في عهد الجمهورية الإسلامية
وبسبب الاستياء من النظام الملكي الفاسد والقمعي قامت الثورة الإسلامية بزعامة الخميني وكانت أقوى بكثير من الثورة الدستورية في عام 1906. وكذلك استمرت الثورة الإسلامية في اتِّباع سياسة عجز البرلمان التي كانت متَّبعة في عهد النظام السابق والتي زادت حدَّتها الآن حتى أكثر من ذي قبل. والآن أصبحت عملية الاختيار المسبق لمرشَّحي الانتخابات من قبل مجلس صيانة الدستور وكذلك عمليات التلاعب بالانتخابات أمرًا بدهيا مثل حظر الأحزاب. كما أنَّ البرلمان الذي كان إبَّان حكم الشاه مجرَّدًا من سلطته وتم تحويله إلى "ختم لتصديق أوامر الشاه"، أصبح عجزه الآن يتَّضح أكثر من ذي قبل، وذلك لأنَّ القوانين التي يصدرها هذا البرلمان صارت تحتاج إلى موافقة مجلس صيانة الدستور.
نظام قادر على البقاء
والباحث فخر الدين عظيمي يرى أنَّ نظام طهران الحالي ما يزال - وعلى الرغم من جموده وتصلبه - قادرًا على البقاء مثل ذي قبل. ويرى عظيمي أنَّ الزعيم الروحي الحالي، علي خامنئي سياسي يفكِّر من دون شكّ تفكيرًا براغماتيًا ويعرف جيدًا كيف يوظِّف ظواهر العصر. وهو يعتبر من ضمن هذه الظواهر، على سبيل المثال، التحوّل الديموغرافي الذي نتج في إيران عن الهجرة الكبيرة من الأرياف - هذه الهجرة التي أدَّت في المدن إلى تركيز فئات الناخبين المتأثِّرين بعقلية الريف والمحافظين.
وكذلك كانت مهمة الرئيس محمود أحمدي نجاد تكمن أيضًا في جعل مجموعات الناخبين هذه تقف إلى جانب النظام - وذلك بعد أن كان سلفه محمد خاتمي يتطلَّع أكثر إلى أبناء المدن الأفضل وضعًا. وهكذا صار ينبغي التقليل من تنامي احتمال وقوع صراع طبقي إلى أدنى حد ممكن - ويبدو أن ثمن ذلك هو خسارة المزيد من الديمقراطية.
يوسف كرواتورو
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009
ولد الدكتور يوسف كرواتورو عام 1960 في حيفا ويعتبر خبيرًا بشؤون الإسلام السياسي. وبدأ العمل منذ عام 1988 صحفيًا حرًا في إسرائيل، ومنذ عام 1992 لصالح صحف ألمانية. وصدر له في عام 2007 كتاب "حماس - الكفاح الإسلامي من أجل فلسطين"، عن دار نشر C. H. Beck.
فخر الدين عظيمي Fakhreddin Azimi: "السعي من أجل الديمقراطية في إيران - قرن من الكفاح ضدّ الحكم الاستبدادي" ؛ صدر عن جامعة هارفارد، كامبردج ولندن، 2008، في 513 صفحة.
قنطرة
الرئيس الإيراني الأسبق، أبو الحسن بني صدر:
النظام الإيراني وبحث سيناريوهات التوريث
في ظلّ الأزمة المتعلقة بنتائج الانتخابات الرئاسية في إيران يدور نزاع على الأحقية في خلافة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، علي خامنئي، حيث يجري بحث سيناريوهات توريث نجله مجتبى الحكم والتي تلقى تأييدا من قبل بعض القوى المحافظة والمتشدِّدة داخل النظام الإيراني، وذلك كما يرى الرئيس الإيراني الأسبق، أبو الحسن بني صدر، في هذه المقالة.
الفقيه الإيراني حسن يوسفي اشكواري:
"الرئيس أحمدي نجاد حصيلة انقلاب انتخابي"
يرى الفقيه الشيعي وحامل لقب "حجة الإسلام"، حسن يوسفي اشكواري، في هذه المقالة أنه تم تزوير نتائج الانتخابات الإيرانية لصالح أحمدي نجاد. كما أكد أن هذه التجاوزات واضحة للعيان والحكم فيها لا بد أن يكون على أساس الدستور وسلطة الرأي العام.
تداعيات إعادة انتخاب أحمدي نجاد على عملية السلام الشرق أوسطية:
الشعارات النجادية تهمش قضايا العرب المركزية المركزية
يحذر الكاتب والباحث الإعلامي المعروف خالد الحروب من تداعيات طبيعة خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كونه يؤدي إلى إضعاف القوى المعتدلة في الشرق الأوسط ويزيد من تهميش القضايا العربية على الصعيدين الإقليمي والدولي.