النظام الإيراني وبحث سيناريوهات التوريث
يتم في بعض الأحيان وصف الأحداث التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران بصفة „الانقلاب الأبيض"؛ بيد أنَّ عدد الذين جرحوا ولاقوا حتفهم في هذه الأحداث يحول دون الاستمرار في استخدام هذا المصطلح. وكذلك تم تزييف الانتخابات بهذه السرعة، بحيث أنَّ نسبة المشاركة في التصويت وصلت مثلما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية نقلاً عن صحيفة إيرانية تابعة للتيار السياسي المعتدل، في أكثر من ثلاثين مدينة إلى أكثر من مائة في المائة وفي مدن أخرى إلى أكثر من مائة وثلاثين في المائة.
وحسب الدستور الإيراني يستطيع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية فقط بعد ثلاثة أيَّام من الإعلان عن نتائج هذه الانتخابات. ومن المفترض إفساح المجال من خلال ذلك للشكاوى المحتمل تقديمها ضدّ ارتكاب خروقات أثناء الانتخابات.
سياسة التضليل
ولكن طبقًا لمعلومات المخرج الإيراني المعروف، محسن مخملباف الذي يعمل لصالح مير حسين موسوي، فقد أبلغت وزارة الداخلية الإيرانية موسوي بعد ساعات قليلة من انتهاء الانتخابات أنَّه فاز في هذه الانتخابات. وقيل له إنَّ خامنئي وافق على نتيجة الانتخابات، وإنَّه يطلب منه القيام بإعداد خطاب مناسب لهذه المناسبة. وفي الوقت نفسه طلب خامنئي منه أن ينتظر بضع ساعات قبل أن يلقي خطابه أمام الجمهور. وكلَّ هذا حدث قبل أن يقتحم الحرس الثوري المقر الرئيسي لحملة موسوي الانتخابية ويخبر جميع الذين كانوا موجودين هناك أنَّ ثورتهم الديمقراطية الخضراء قد انتهت الآن.
وما يزال هناك الكثير من الأسئلة المفتوحة. فلماذا تتم الآن ولأوَّل مرة بشكل علني مهاجمة رفسنجاني - الذي يعتبر شخصية سياسية بارزة للغاية و"العقل المدبِّر" المسؤول عن صعود خامنئي بعد وفاة آية الله الخميني، ويتم بالإضافة إلى ذلك اتِّهامه بالفساد من قبل أحمدي نجاد الذي يحظى بدعم خامنئي غير المحدود؟
ولماذا شنَّت أيضًا صحيفة كيهان التي تعتبر لسان حال خامنئي هجومًا على رفسنجاني وهدَّدته واتَّهمته بإساءة استخدام السلطة وابتزاز النظام؟ وردًا على اتِّهامه بالفساد كتب رفسنجاني رسالة مفتوحة إلى خامنئي، كشف فيها بشكل غير مباشر قرار خامنئي جعل أحمدي نجاد يخرج منتصرًا من هذه الانتخابات. وتجاهل خامنئي التحذير وقاد الانقلاب.
"بركان سياسي"
وهناك أيضًا المزيد من التناقضات؛ فعلى سبيل المثال سمح النظام للمرة الأولى بعد ثمانية وعشرين عامًا وقبل الانتخابات بخمسة عشر يومًا للشعب الإيراني التعبير سياسيًا وبشكل علني. وبدأ الشباب بشكل خاص يستغلون هذه الفرصة ليس فقط للاحتفال بابتهاج، ولكن أيضًا للتعبير عن غضبهم على هذا النظام. وفي هذه الأيَّام لم تتم مهاجمة أي من المتظاهرين.
وبالإضافة إلى ذلك من غير الواضح لماذا أفسح النظام هذا المجال السياسي قبل الانتخابات، ثم حوّل النقاش العام بين المرشَّحين إلى "بركان سياسي"، كشف فيه كلّ مرشَّح عن فساد المرشَّحين الآخرين، وقبل كلِّ شيء عن فساد رفسنجاني، ومن ثم تراجع - بواسطة التزوير الكبير في الانتخابات - عن كلِّ شيء؟
ولكن وقبل كلِّ شيء يطرح السؤال عن السبب الذي جعل خامنئي ينتهك الدستور انتهاكًا علنيًا وعنيفًا، وذلك من خلال مصادقته على نتائج الانتخابات في اليوم نفسه ووصفها بأنَّها "نصر إلهي لأحمدي نجاد". ومن خلال تأكيده المتسرِّع وغير الدستوري على نتائج الانتخابات يبرز دوره في هذا الانقلاب. وربَّما كان يعتقد أنَّ أحدًا من المرشَّحين الخاسرين لن يجرؤ على التشكيك في نتيجة الانتخابات بعد خطبته التي أثبت فيها فوز أحمدي نجاد.
وهناك تفسيران لهذه الخطوة وكلاهما يشيران إلى نزاع على القيادة. والاحتمال الأوَّل هو أن خامنئي مريض. وكذلك يكثر تناقل مثل هذه الشائعات. وإذا كانت الحال في الحقيقة كذلك فعندئذٍ يجب حلّ مسألة خلافة خامنئي وتحديد خليفته الذي يتمتَّع بتأييد وبدعم خامنئي وهو ما يزال على قيد الحياة.
في خدمة مصباح يزدي
وهناك أطراف قوية حول خامنئي تريد تولية ابنه، مجتبى، في المستقبل منصب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران. ولهذا السبب يجب عليهم إضعاف كلِّ معارضة قادرة على مواجهة خطتهم؛ إذ يجب إيقاف كلّ من يعارض هذا الهدف، سواء تعلَّق الأمر بفرد أو بمنظمة. ومن أجل ذلك هم بحاجة إلى أحمدي نجاد رئيسًا للبلاد. وفي الواقع إنَّ أحمدي نجاد مدين بتوليه الرئاسة إلى علي خامنئي، وبالتالي فهو يخضع خضوعًا تامًا لسيطرته. ولكن يجب عليهم مع ذلك أيضًا إخضاع أعضاء قياديين في السلطة القضائية والسلطة التشريعية، من أجل الحفاظ على مطالبتهم بالسلطة.
ونتيجة لذلك يجب إضعاف رفسنجاني أو تنحيته؛ وذلك لأنَّ رفسنجاني يشغل منصب رئيس مجلس الخبراء - الذي يعتبر الهيئة الوحيدة التي يمكنها مراقبة المرشد الأعلى أو عزله - ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام. ويمكن لهاتين المؤسَّستين منع مجتبى من أن يصبح خليفة لخامنئي. والأب الروحي لمجتبى خامنئي هو مصباح يزدي المعروف كثيرًا بمحاربته لجميع العناصر الجمهورية في النظام الإيراني. وحاليًا يدير مجتبى أعمال عائلة خامنئي؛ وقد طلب إعادة تعيين أحمدي نجاد في منصب الرئاسة، وبالتالي فقد تواطأ مع أبيه إلى حدّ كبير في تزييف هذه الانتخابات.
وإذا كانت الإشاعات التي تتردَّد حول سوء حالة خامنئي الصحية غير صحيحة، فهناك احتمال آخر يكمن في أنَّ خامنئي كان سيضطر إلى التخلي في حالة فوز موسوي في الانتخابات عن تدخّله الدائم في سياسة البلد. ويرجع ذلك من ناحية إلى التاريخ المضطرب بين خامنئي وموسوي، وذلك عندما كان خامنئي رئيسًا للجمهورية وكان موسوي رئيسًا للوزراء، ويرجع من ناحية أخرى إلى الآمال الكبيرة التي بعثها موسوي بين أبناء الشعب.
استراتيجيات لمحاربة أعداء النظام
لقد كان لدى القائمين على عملية تزوير الانتخابات اهتمام كبير في إحضار أكبر عدد ممكن من الناس إلى صناديق الاقتراع، وذلك لكي يظهروا أنهم يحظون بدعم غالبية الإيرانيين، وليظهروا أنَّ هذا النظام شرعي. وكان يجب عليهم إثبات هذه الشرعية، وبالتالي كان يجب عليهم فتح المجال السياسي والسماح لموسوي بترشيح نفسه ودعوة العديد من السياسيين إلى المشاركة في الانتخابات. وكان هذا أيضًا السبب وراء تمكّن مرشَّحين آخرين من عقد اجتماعاتهم، دون أن يتعرَّضوا لهجمات من قبل حرس النظام. ولكنَّهم وقعوا في خطأ كبير.
وبعد الانتخابات كانت أهداف خامنئي تكمن قبل كلِّ شيء
- في أن يثبت للعالم أنَّ النظام يتمتَّع بدرجة عالية من الشعبية والشرعية؛
- وفي القضاء على جميع القوى السياسية المعارضة له بعد الانتخابات؛
- وفي القضاء على جميع الأشخاص الذين من الممكن لهم إحباط الخطة الخاصة بخلافة المرشد الأعلى، بمن فيهم الجنرالات ذوي الطموحات السياسية داخل القوات المسلحة والميليشيات؛
- وفي القضاء على رفسنجاني، لأنَّه يمكن أن يعيق مرشَّح المافيا العسكرية المالية في تولي منصب المرشد الأعلى بعد خامنئي؛
- وفي تعطيل جزء كبير من تلك القوى السياسية التي من الممكن أن تشكِّل خطرًا على مصالح المافيا الحاكمة في الوقت الحاضر وفي المستقبل؛
- وفي إيصال أحمدي نجاد إلى السلطة مرة أخرى، لأنَّ طاعته لخامنئي هي فقط التي ستمكِّن من تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه؛
- وفي فرض إجراءات قمعية شديدة على الشعب وتحويل حالة الفرح والأمل التي كانت سائدة أثناء الحملة الانتخابية إلى حالة استسلام ويأس، وذلك بغية القضاء على أي تهديد ينبعث في المستقبل من الشعب.
وفي ذلك أخطأ هذا النظام في تقدير عامل مهم - أي عامل الشعب. فقد كان يعتقد أنَّ بإمكانه التحايل على الناس وثم دفعهم جانبًا. بل وحتى إهانة الشعب بوصفه بصفة القذارة، مثلما وصف أحمدي نجاد المتظاهرين في الأيَّام الأولى من الاحتجاجات. ولكن يبقى أن ننتظر ما سيكون في نهاية هذه الاحتجاجات التي تعبّر بشكل متزايد عن الغضب وخيبة الأمل في هذا النظام الذي لا تعني له كرامة الإنسان أي شيء.
أبو الحسن بني صدر
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: دي فيلت/قنطرة 2009
أبو الحسن بني صدر من مواليد 22 مارس/ آذار 1933، كان أول رئيس لإيران بعد الثورة الإيرانية عام 1979. تولّى رئاسة البلاد في 4 فبراير 1980 حتى 21 يونيو 1981 ليليه في هذا المنصب محمد علي رجائي، حيث تم عزله إثر اتهامه بضعف القيادة إبان الحرب العراقية الإيرانية.
قنطرة
الفقيه الإيراني حسن يوسفي اشكواري:
"الرئيس أحمدي نجاد حصيلة انقلاب انتخابي"
يرى الفقيه الشيعي وحامل لقب "حجة الإسلام"، حسن يوسفي اشكواري، في هذه المقالة أنه تم تزوير نتائج الانتخابات الإيرانية لصالح أحمدي نجاد. كما أكد أن هذه التجاوزات واضحة للعيان والحكم فيها لا بد أن يكون على أساس الدستور وسلطة الرأي العام.
تداعيات إعادة انتخاب أحمدي نجاد على عملية السلام الشرق أوسطية:
الشعارات النجادية تهمش قضايا العرب المركزية
يحذر الكاتب والباحث الإعلامي المعروف خالد الحروب من تداعيات طبيعة خطاب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كونه يؤدي إلى إضعاف القوى المعتدلة في الشرق الأوسط ويزيد من تهميش القضايا العربية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
قراءة في سياسة أحمدي نجاد:
معارك خارجية تحكمها إخفاقات داخلية
يبحث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن موضوعات استفزازية تتعلَّق بالسياسة الخارجية من أجل صرف الأنظار عن إخفاقات سياسته الداخلية ومن أجل المحافظة على الضغط الدولي على إيران - على سبيل المثال من خلال تحريضه المعادي لإسرائيل. كاتايون أميربور في قراءة تحليلية للسياسات "النجادية".