"صرخة طرزان" في منفى الوطن ومغترب الأدب
يعتبر مالك علولة ابن الفترة الاستعمارية الفرنسية. ولد في عام 1937 في وهران، المدينة الساحلية التاريخية في غرب الجزائر، وأكثر المدن الجزائرية ليبرالية وانفتاحا على العالم . في هذا الجو نشأ وترعرع مالك علولة وكان أحد الجزائريين القليلين الذين تمكنوا من التعلّم في المدارس الفرنسية.
اغتراب ثقافي
كان الاغتراب الثقافي الذي فرضه الاستعمار الفرنسي في ذلك الوقت جائرا جدا، مما جعل مالك علولة يقول عنه ذات مرة خلال المرحلة المدرسية: "كنا نتحدث في البيت العربية، ولكن ندرس في المدرسة تاريخ فرنسا فقط، وكانت اللغة العربية بالنسبة لنا لغة أجنبية في بلدنا". وكانت مدارس تعليم العربية في هذه الفترة نادرة ماعدا مدارس حفظ القرآن. بعد حرب الجزائر والتحرر من الاستعمار الفرنسي كان أغلبية الجزائريين أميين.
درس مالك علولة الآداب في المدرسة العليا للمعلمين في الجزائر العاصمة. وفي عام 1960 سافر إلى باريس لمتابعة دراسته في جامعة السوربون، حيث حصل على الدكتوراه بأطروحة عن الكاتب والفيلسوف الفرنسي دنيس ديدرو.
البحث عن الهوية
وكان أخيرا بلا شك عملية الطمس والاغتراب الثقافي هذه، التي سمحت لبعض الكتاب أن ينأوا بأنفسهم عن القيود الاجتماعية ويكسروا المحرمات ويشكوا بالمعتقدات السياسية والدينية في بلدهم. لكنها كانت محفوفة بمخاطر الإرتياب بالنفس، وبالتالي البحث عن وهوية جديدة مستقلة.
تدور مواضيع كتابات مالك علولة في السنوات اللاحقة مرارا وتكرارا حول فقدان اللغة الخاصة والثقافة والتاريخ. ففي كتابه القصصي "صرخة طرزان" الصادر عام 1997 والذي يحتوي على أجزاء من السيرة الذاتية يستحضر ذكريات طفولته في الجزائر ويبعثها إلى الحياة من جديد. حيث يصف انطباعاته المؤثرة عن فيلم طرزان، وكذلك مشاهد من الحياة اليومية التي وصفها دون عاطفة.
"سماد النظرة الاستعمارية للعالم"
كتاب "الحريم الكولونيالي" (فانتازيا الحريم في ألبوم البطاقات البريدية من الحقبة الاستعمارية) الذي صدر عام 1981 بالفرنسية، هو بلا شك الأكثر شهرة من بين أعماله.
قام مالك علولة في هذا الكتاب بدراسة وتحليل لصور بطاقات البريد الفرنسية أثناء الاحتلال الفرنسي والتي وصفها "بسماد النظرة الاستعمارية للعالم".
ومن أجل ذاك جمع بطاقات بريدية عليها صور لنساء جزائريات، أنتجتها شركات فرنسية في الفترة بين عامي 1900 و 1930. تم تصوير النساء في الاستوديو كما لو أن اللقطات مأخوذة من حياتهم اليومية. بشكل عام تم عرضهن من قبل الفرنسيين في وضع لاحيلة لهن فيه ونصف عاريات. واستخدمت الصور كدليل على الفحشاء وتخلف المرأة الجزائرية، ولكن أيضا كوسيلة لإثارة التخيلات الجنسية عند المشاهد. تعرض هذه البطاقات كما كان متوقعا جزءا من فكرة الشرق الذي تم خلقه من طرف الغرب، وهذا يكشف نظرة الفرنسي وليس واقع حياة المرأة الجزائرية: "فقط المستعمِر يرى أن له الحق في أن تكون لديه نظرة معينة. بينما المستَعمَر يتحول رمزيا الى أعمى "، يقول علولة.
الذي أثّر على أسلوب مالك علولة الأدبي هو الحياة في الغربة، وكذلك تغيير الأماكن. زادت حساسيته لبعض المواضيع في بعض الأعمال بسبب حياته في المنفى، كما في روايته "منظر العودة" التي صدرت عام 2010 في باريس، ويحكي فيها قصة رجل يعود إلى قريته في الجزائر. تتكلم الرواية عن خيبات الأمل وعن الخسائر التي خبرها هناك وشاهدها.
تحاكي أعماله الأدبية دائما الذاكرة الثقافية لبلده، وتشويهاتها وتحريفها، والتي يصفها دون أوهام ويراقبها بشكل حاد من دون الوقوع في النظرة المثالية لبلاده.
المنفي في الأدب
اغتالت الجماعات الإسلاموية عام 1994 أخاه المثقف والمسرحي الشهير عبد المالك علولة. وتكريما له أسس مالك علولة "جمعية عبد المالك علولة" وقد ترأسها لفترة طويلة، وأصدر كتابا يحوي ذكريات وتقديرا لأخيه وكذلك ترجمات لعملين مسرحييين له إلى الفرنسية (ذكرى المستقبل).
كان علولة طيلة حياته يحن الى مدينتي وهران والجزائر: " لقد سلبني الوقت ذكريات جميلة. ولا يربطني بها سوى الحنين".
تكشف كتاباته عن لغة صارمة لا هوادة فيها لكنها شاعرية جميلة. ولكن يجب على مالك علولة أن يبقى إلى الأبد منفيا، كذلك في الأدب. بل من المؤسف أن كتبه لم تترجم حتى الآن إلى اللغة العربية. ولم تحظى في بلده الأصل الجزائر بالنجاح التي تستحقها فعلا. وكما هو الحال غالبا في التاريخ، ينطبق أيضا عليه القول: "لا كرامة لنبي بين قومه".
وفي إحدى القصائد، التي ربما تكون آخر قصيدة له كتب يقول:
إنها كلمة أعود اليها دائماً
عند حلول الظلام
عمى قديم متوارث
أكتشف المعنى الكامل من جديد
من أين هذه الأصوات آتية
حتى تتكلم بهدوء عن الموت
مثل مصباح منطفئ قبل الانهيار
سليمان توفيق