رائحة الاستعلاء والعنصرية تجاه اللاجئين...بسام الطيبي مثالاً
بتاريخ 26/8/2016 نشر موقع دويتشه فيله الالكتروني حواراً مترجماً عن الألمانية مع الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية بسام الطيبي وهو ألماني الجنسية من أصل سوري عرض خلاله وجهة نظره حول موضوع موجات اللجوء الأخيرة إلى ألمانيا وموقف الحكومة الألمانية من ذلك.
حقيقة لا أعرف مدى أهمية الطيبي الفكرية، حيث أنني لم أسمع به، ولم أقرأ أياً من كتبه من قبل، إلا أن ضرورة الرد على وجهة نظره تأتي من خصوصية حالته كشخص سوري الأصل ينتقد سياسة ألمانيا في استيعاب اللاجئين ويعطي انطباعات خاطئة ومشوهة ومعلومات مغلوطة عن اللاجئين، وهو ينشر ذلك في مواقع وصحف ألمانية معروفة و منتشرة في ألمانيا. وهنا أتساءل: لماذا يقول الطيبي ما يقوله بحق اللاجئين؟ ما هي دوافعه لذلك؟ في أي سوق يأمل البروفيسور المتقاعد عن العمل أن يروج أفكاره؟ ومن هم زبائنه المحتملين؟
في معرض رده على سؤال كيف يقيم سياسة ميركل المرحبة باستقبال اللاجئين يجيب الطيبي: "حسب الفيلسوف ماكس فيبر هناك 3 مهمات يجب على السياسي أخذها بعين الاعتبار، أولا الشعور بالمسؤولية، ثانيا التوازن في التقييم وثالثا التركيز الموضوعي. وأنا لا أرى أي وجود لهذه الأشياء الثلاثة لدى السيدة ميركل. فتصريحها "سننجح في ذلك" هو شعار فقط ". بدوري أطرح سؤالاً: هل من وجود لهذه الأشياء الثلاثة في وجهة نظر الطيبي التي عبر عنها في هذا الحوار؟.
الشعور بالمسؤولية كل لا يتجزأ ، وفي حالة الطيبي، السوري الأصل والألماني الجنسية، كان يجب أن يعبر عنها باتجاهين الأول باتجاه اللاجئين والثاني باتجاه البلد الذي استقبلهم.
بالنسبة للاجئين لم يأت الطيبي على ذكر الأبعاد الانسانية لموضوع اللجوء والدوافع له، كالحرب الدائرة في سورية على سبيل المثال. وهو ينظر إلى اللاجئين كأرقام وليس كبشر أحد حقوقهم الأساسية حق الحياة. ويعبر عن ذلك صراحة بدعوته إلى تجريد السياسة من الأخلاق معلناً انحيازه التام للعقلانية الأداتية اللا إنسانية، والميكيافيلية التي لطاما أعجب بها المستبدون والطغاة.[embed:render:embedded:node:21150]
تجريد السياسة من الأخلاق
أما بالنسبة للشعور بالمسؤولية تجاه البلد المضيف، الذي هو هنا ألمانيا، فهي تطلب الانحياز لخيارات الشعب الألماني والمساهمة في الدفاع عن نظامه الديمقراطي الذي اختاره. لكن الطيبي، من حيث يدري أو لا يدري، يردد مقولات الأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانية، حول خطر اللاجئين وأسلمة البلاد وتغيير هويتها و....إلخ، وهو بذلك يقدم خدمة مجانية لمن يشكلون خطراً على النظام الديمقراطي الذي يتغنى به.
أما بالنسبة للتوازن في التقييم والتركيز الموضوعي، وهما صفتان يبدو لي أن الطيبي لا يتمتع بهما، فهو يرى اللاجئين كمستهلكين يشكلون عبئاً على ميزانية الدولة، ويتعامى عن كونهم سوف يلتحقون بسوق العمل ويتحولون إلى منتجين، ويتعامى عما يراه خبراء ألمان، بان هذا العدد من اللاجئين يفيد حركة العجلة الاقتصادية ويساهم في خلق فرص عمل جديدة.
وإذ يشير الطيبي إلى أن السبب الوحيد، الذي دفع اللاجئين لاختيار ألمانيا هو المعونات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة الألمانية، فإنه ينسى أو يتناسى أن هناك أكثر من بلد تقدم مثل هذه المعونات على غرار السويد والنروج والنمسا. ويسقط من حسابه أن يكون هناك على الأقل أسباب اضافية كالاعتقاد السائد لدى اللاجئين بأن المانيا دولة قوية اقتصادياً، وبالتالي فرص العمل متوفرة فيها أكثر من غيرها. في سياق انتقاده لسياسة ميركل يقول الطيبي: "عبارة "سننجح في ذلك" ليست هي الحل وهي تمثل فقط موقفا أخلاقياً".
"هناك عقلانية في وطني سوريا أكثر من ألمانيا"!
من المفترض أن الطيبي، يعرف أكثر منا جميعاً طبيعة الألمان، وكيف يفكرون ويخططون للمستقبل، وبالتالي كان يمكن له أن يرى في عبارة ميركل نوعاً من الثقة بحتمية نجاح ما تم التخطيط له حيال موضوع اللاجئين. لكنه بدلاً من ذلك يتهم ميركل باللاعقلانية، ويصل به الأمر حد القول: "هناك عقلانية في وطني سوريا أكثر من ألمانيا"؟!
لكن مهلاً أيها البروفيسور، هل تعني أن سياسة البراميل والتدمير والقتل والاعتقال والحصار والتجويع والتهجير، التي يقوم بها النظام في سوريا أكثر عقلانية من سياسة ميركل وحكومتها المتمثلة بوضع الخطط لاستقبال واستيعاب وتأهيل نصف مليون لاجئ سوري؟!
في معرض رده على سؤال: "أنت مولود في سوريا و جئت إلى ألمانيا في عمر الثامنة عشرة بداية عام 1960. ألا يجب عليك أن تكون مسروراً بالاستعداد الكبير للألمان باستقبال مواطني بلدك من دون تحديد عددهم؟" أجاب الطيبي: "ربما تكون الاجابة الوحيدة، التي بدى فيها الطيبي، إلى حد ما، شاعراً بالمسؤولية ومتوازناً وموضوعيا: "إذن فليس هناك فئة سورية واحدة. من خلال تجربتي في ذلك اليوم يتضح أن هناك سوريين جيدون وهم شاكرون على وجودهم هنا وسيتعلمون وسينجحون هنا. ولكن هناك إسلامويون يأتون إلى هنا أيضا ويودون نشر أشياء لا يسمح بها الدستور الأساسي.".
ولنلحظ هنا حرص الطيبي على الدستور الأساسي بينما يدعو في مكان آخر السيدة ميركل إلى عدم التمسك بهذا الدستور: "وهي تقول أنه ليس هناك في الدستور الأساسي ما يسمح بتحديد عدد اللاجئين. ليس هناك من قوانين تنطلق من أرقام ونسب؟ هل الكيل بمكيالين هو التوازن الذي تحدث عنه الطيبي أم أنه الفصام بعينه؟.
ثم لماذا يصر الطيبي على اعتبار ميركل، صاحبة القرار الأول والأخير بموضوع اللاجئين، بينما هو يعرف تماما أن ميركل تنتمي لحزب سياسي وهذا الحزب مع أحزاب أخرى يشكلون حكومة اتحادية، وأن هناك برلمان منتخب، وأن القرار يتخذ في هذه المؤسسات. أليس في تحميل المسؤولية لميركل شخصياً نفياً لوجود نظام ديمقراطي في ألمانيا، واستهتاراً بمؤسساته وأولاً وقبل كل شيئ استهتاراً بموقف المجتمع الألماني، الذي رحب بغالبيته باللاجئين؟.
وفي رده على سؤال : "من أين ينطلق قلقك هذا؟" يقول الطيبي: "من بين المصادر اليهودية المهمة هناك هيلموت بليسنر، مؤلف أفضل كتاب عن ألمانيا وهو كتاب "الدولة التي جاءت متأخرة" وأستاذي في فرانكفورت أدورنو. كلاهما ولدا في ألمانيا. ويقولان: "ليس الألمان مستقرين داخليا وهم يسقطون دائما في سحر التطرف". بغض النظر عن مدى دقة نسب نص واحد لشخصين هما بليسنر وأدورنو. فإن ما يلفت الانتباه هو إشارته لأصولهما الدينية اليهودية؟!
لا شك أن الطيبي يعرف أستاذه أدورنو جيداً، ويعرف أنه لم يكن بحال من الأحوال معنياً بالبعد الديني لهويته، مع ذلك يختزل الطيبي بهذا البعد هوية أدورنو المفكر اليساري، واحد أعمدة مدرسة فرانكفورت الماركسية، والناقد الموسيقي.
لقد عمل أدورنو، المنحاز لقيم الانسانية والعدالة والمساواة والمعارض للنظام الرأسمالي والمشرح لاليات السيطرة على الناس، المشتغل مع ىخرين على تطوير الماركسية وإغناءها، على تفسير ظاهرة صعود النازية لكنه لم يعزل هذه الظاهرة عن جذورها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وإنما استعان في تحليلها ببعد آخر له علاقة بسيكولوجيا الجمهور في ظروف تاريخية محددة. وأدورنو المنحاز للعقل النقدي، المنتقد للعقل الأداتي المجرد من البعد الانساني، والذي لجأ إلى بريطانياً هرباً من النازية، ويعرف تماماً ماذا يعني اللجوء، هو بالضرورة متناقض مع الطيبي وعقلانية المجردة من الانسانية.
لماذا هذا التحريض على ضحايا الحروب؟
ربما يقول قائل، إنني بالغت في انتقاد الطيبي وفي تقويله ما لم يقله؟. حسناً، أحيل من يقول ذلك إلى حوار سابق للطيبي أجرته معه صحيفة العالم " Die Welt" الألمانية بتاريخ 4/7/2016. فاستمراراً لموقفه المحرض على اللاجئين والمحذر من خطورتهم يدعي الطيبي بأنه التقى بالآلاف منهم ولم يكن من بينهم أطباء ومهندسين. لنفترض أن كلام الطيبي صحيحاً، فأين المشكلة في أنه لم يعثر على أطباء أو مهندسين في صفوف من التقاهم من اللاجئين. ما هذه النظرة الفوقية اتجاه من لا يحملون الشهادات العليا؟
هل لاحظ البروفيسور بأن هناك تمييزاً في ألمانيا بين المواطنين على أساس تحصيلهم العلمي؟ أليست الأولوية والاحترام في ألمانية هما للعمل بحد ذاته بغض النظر عن نوعيته؟ يبدو أن الطيبي ورغم مرور أربعين عاماً على وجوده في ألمانيا لم يتعرف بعد على المجتمع الألماني وعلى القيم الأساسية التي تحكمه.
ثم ليعلم الطيبي بان الداعي، كاتب هذا المقال، هو مهندس وأنني شخصياً أعرف من اللاجئين، الذين قدموا إلى ألمانيا أكثر من عشرة مهندسين واربعة أطباء ناهيك عن المعلمين والشعراء والفنانين.
يلاحظ أن البروفيسور يتعمد انتقاء بعض الحالات، التي يظن أنها نماذج سلبية عن اللاجئين، من أجل تعميم صورة نمطية تسيء لهم. فمرة يقول أن بعض اللاجئين معاد للسامية، وتارة أخرى يذكر بأنه التقى بامرأة لا تعرف معنى كلمة لجوء سياسي.
ليعلم الطيبي إذن أن معظم اللاجئين يعرفون بقضايا اللجوء ومصطلحاتها وقوانينها، ربما أكثر مما يعلمه هو. لا يتسع المكان للمضي أكثر في قراءة المقال المذكور والرد عليه، لذلك أكتفي بهذا القدر وأنهي بما أجاب به الطيبي رداً على سؤال: "مالذي علينا القيام به بعد توصيفك لمدينة غونتن؟" حيث يجيب الطيبي: "لم يعد يطاق الوضع. يأتي أشخاص بدون تأهيل مهني وبقليل من النقود. ويعيشون في مجتمع مزدهر، وهذا أمر لا يمكن معالجته. بمرور الوقت ستنشأ عصابات من هذه المجموعات. ستتفشى الجريمة في غوتنغن في غضون سنة. والفضل يعود للسيدة ميركل".
أمام هكذا جواب تفوح منه رائحة الاستعلاء والعنصرية تجاه اللاجئين ليس أمامي سوى القول للطيبي: يا حيف.
سامي حسن