مشتركات إيمانية حوارية بين الإسلام والمسيحية
مع اقتراب نهاية السنة الميلادية، من الجيد اكتشاف كتاب "يدعو إلى حوار أعمق بين المسيحيين والمسلمين"، كما يقول المؤلف في مقدمته. ففي كتاب "الكريسمس والقرآن"، يجعل كارل يوزيف كوشيل هدفه المعلن إعادة تنشيط معنى هذه الأيام الأكثر قداسة للمسيحيين والمسلمين على حد سواء.
وفي الواقع، ليس لهذا أي علاقة بوليمة منتصف الشتاء التجارية، أي النمط الاستهلاكي من الانغماس في الملذات الذي أصبح عليه الكريسمس. إذ نجد أنفسنا محاصرين في زوبعة التزامات اجتماعية ومطاردين من قبل لوائح مهام، مع إيماءة رمزية إلى الميلاد لهؤلاء الذين لديهم أطفال في عمر المدرسة الابتدائية. وبطريقة ما، في اندفاعة قبل المهرجان، يبدو أن الحياة تتقدم للأمام بسرعة.
يوفّر تحليل كوشيل الثاقب لقصة الكريسمس (الميلاد) فرصة للقارئ لإعادة التواصل مع رسالة الأمل التي نقلها ميلاد يسوع. وبفحص المصادر الأولية عن كثب، يقدّم الكاتب تفسيراً مقارناً مقنعاً للغاية لمواد مدرجة في إنجيل الكريسمس –متى ولوقا- والسور 3 و19 في القرآن. والمنهج المستخدم منصف وتنويري في الوقت ذاته، إذ أنه يستند بكل صدق إلى المعتقدات الموجودة في كلا الطائفتين الدينيتين.
وبينما يتابع كوشيل في تحليله لقصة الكريسمس، يصبح من الجلي جداً أن الاستخدام القرآني لميلاد عيسى هو لتأكيد القوة الخلاقة لله الواحد الأحد. وليس لتقديم ابن الله.
وعلى النقيض من ذلك، وكما سيدرك العديد ممن نشؤوا مع فهم المسيحية، فإن يسوع يُقدَّم في الإنجيل بوصفه إيمانويل -حرفياً "الله معنا"- والذي وُلِد من أجل هدف واحد فقط، وهو تخليص الإنسانية. وهنا تختلف الديانتان.
في العهد الجديد، يرتبط ميلاد يسوع إلى حد كبير بسردية اليهود ومعاناتهم في ظل الاحتلال الروماني. كما يعطي كل من متى ولوقا لقصصهم سياقاً تاريخياً عبر ذكر حكّام سياسيين مثل أغسطس قيصر، وكيرينيوس (لوقا) وهيرودس (متى). ومع ذلك، كما يشير كوشيل، فإن القرآن يتعمد تحاشي الوضع في السياق.
فلا نقرأ في أي مكان عن بيت لحم أو الناصرة -البلدتين المركزيتين في الميلاد الإنجيلي- أو عن أصحاب السلطة حينذاك. بل أن التركيز بالكامل على تفاعل الله مع شخصيات فردية: زكريا ومريم وعيسى.
وخلافاً للإنجيل، لا ينظر القرآن إلى الكريسمس بوصفه تحقيقاً لنبوءة قديمة، مؤذنة بولادة المسيح الذي طال انتظاره وختم عهد جديد بين الرب وشعبه إسرائيل.
وعلى الرغم من احتلال عيسى مكانة فريدة في القرآن –"روح منه"- (سورة النساء 171) و"آية للناس" (سورة مريم 21)، إلا أنه لا يزال يُقدَّم بوصفه واحداً من أنبياء كثر. والأكثر من ذلك، فبينما يؤمن المسيحيون أن يسوع هو الوحي المطلق للرب إلى الإنسانية، ابن الله كما تنبأ الأنبياء؛ يبجِّل المسلمون القرآن بوصفه "الكتاب كلام الله" (كوشيل).
يكتشف أيضاً كارل-يوزيف كوشيل العديد من المساحات المشتركة. فقد وُضِعَ جانباً التركيز الكريستولوجي (*) [اللاهوتي المسيحي] على الرضيع يسوع في محاولة صادقة لتعزيز حوار يرتكز على تلك المرجعيات التي يتشاركها الإسلام والمسيحية.
ويحدّد كوشيل، الذي يرسم مساراً مركزياً لاهوتياً بلا ريب، خمسة جوانب لقصة الكريسمس تتفق حولها الديانتان: فكل من القرآن والإنجيل يلتقيان على ألا شيء مستحيل بالنسبة لله: وهذا يُرسي الأساس للإيمان المشترك بالحَبَل [حمل مريم بعيسى] بلا دنَس، وهو الأمر المركزي لشخص يسوع في كلتا الديانتين.
كما يُجَرَّد الكفر والشك الإنساني من فعاليتهما من خلال خلق يسوع من لا شيء. إذ نقرأ في القرآن "إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (آل عمران 47). وهذا يعكس إنجيل لوقا 1:37 " لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ".
علاوة على ذلك، وعلى خلاف النبي محمد وجميع الأنبياء المذكورين في القرآن، فإن يسوع هو بشكل واضح من الروح –فليس لديه أب دنيوي. فسورة النساء الآية 171 تدعو عيسى بـ"روح منه"، مما يضفي على يسوع مكانة فريدة لكونه "جُلب إلى الحياة بشكل كامل من إرادة الله وأفعال الله" (كوشيل). وهذا ما تؤكده الأسماء المُعطاة لعيسى في مقاطع متعددة من القرآن –"عبد الله" و"نبي الله" و"كلمة الله".
ويُفسَّر هذا الوحي الأخير، المشترك بين كل من المسيحية والإسلام، بطرق مختلفة من قبل كلتا الديانتين. ففي حين يرى المسيحيون طبيعة يسوع تأكيداً لمكانته الفريدة بوصفه ابن الله، يؤمن المسلمون أن أصول عيسى الإلهية هي ببساطة دليل متجدّد على عظمة العزيز (الله عز وجل).
رابعاً، وعلى النحو المُعرَبِ عنه في سورة مريم الآية 32 –"وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا"- يُقدَّم عيسى، رسول الله، على نقيض العظيم، والغني، والمستبد. ليس فقط بطل الفقراء والمحتاجين، لكنه أيضاً تجسيد للسلام الإلهي على الأرض.
وأخيراً، بينما يُبّرهن يسوع من قبل الله بـ "قوات وعجائب وآيات" (سفر أعمال الرسل2 :22)، فإنه يصبح "آية للناس" في القرآن (سورة مريم، 21)، يدل على طريق الله من خلال بشارته ومعجزاته –شفاء العميان والمجذومين، وإحياء الموتى.
الليلة الصامتة، الليلة المقدّسة
ويخلص كارل-يوزيف كوشيل بتفسيره إلى أنه إذا كان المسيحيون والمسلمون سيتقدمون على طريق التفاهم المتبادل فيجب على أتباع كلتا الديانتين الالتزام بالسلام.
ومن خلال الإشارة إلى ليلة المسلمين المقدسة "ليلة القدر" عندما أوحى الله بالقرآن للنبي محمد من خلال الملاك جبرائيل، يذكّر كوشيل القارئ بالمبدأ الإسلامي: أن تحب الله وأخيك الإنسان. فهي المشاعر القلبية التي دفعت 138 رجل دين إسلامي لتوقيع رسالة وإرسالها إلى البابا بنديكتوس (بندكت) السادس عشر وغيره من قادة الكنيسة المسيحية في تشرين الأول/اكتوبر من عام 2009، مناشدين من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين.
[embed:render:embedded:node:21341]
قد يقول البعض إن العالم تغير منذ عام 2009. ومع ذلك فإن رسالة السلام هذه، التي صمدت لأكثر من ألفي عام وتجاوزت كل نزاع، لا تزال صحيحة. وبينما نقترب من عيد الميلاد، يحثّنا كارل-جوزف كوشيل برفق لنرى "قصة الكريسمس في الميلاد ليس بوصفها نهاية الحوار، ولكن بوصفها أساساً للحوار. فهي تستطيع تعليمنا قراءة ما يوحّدنا في ضوء ما يفرّقنا، وما يفّرقنا في ضوء ما يوحّدنا".
لوسي جيمس
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017
*الكريستولوجيا: الدراسة اللاهوتية المسيحية المتعلقة بشخص وطبيعة وأعمال ودور المسيح.