أصداء الماضي المشترك

عندما اندلعت الحرب بين إيران والعراق عام 1980، انقسمت الثقافتان الفارسية والعربية، وبدا أنّ بينهما هوة لا يمكن جسرها؛ ففي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تأسست بعد ثورة عام 1979، اعتبرت الحكومة الجديدة الصراع كأنه صراعًا بين العرب والفرس، وباتت فكرة أنّ الموسيقى يمكن أن تشكّل أرضية مشتركة بين الشعبين مستحيلة تقريبًا.
إلا أنّ ألبوم فرقة أمير أميري الأخير "أجداد: أصداء فارس"، لم يقتصر على الغوص في تاريخ الموسيقى الإيرانية فقط كما يوحي عنوانه، بل يتطلع إلى مدّ جسور الوصل بين الموسيقى الإيرانية والعربية بهدف خلق منتج جديد.

نشأ والد أميري في شمال إيران، على الحدود مع العراق، وكان على اطلاع دائم بالموسيقى العربية، وتمكن من نقل هذا الاهتمام والرغبة في النظر إلى ما هو أبعد من حدود بلده إلى ابنه.
وفي إيران بعد الثورة، لم تكن الموسيقى العربية هي الموسيقى المُجّرمة فقط، بل والموسيقى نفسها بشكل عام، وعندما كان أميري شابًا يعيش في طهران، كان يضطر إلى تهريب آلة السنطور، وهي آلة موسيقية قديمة ذات 72 وترًا، عبر الشوارع ملفوفةً ببطانية عندما يسافر ليحضر دروسه.
ولم يتمكن أميري من توسيع مداركه الموسيقية إلا في عام 1996، عندما هاجر إلى مونتريال بكندا، وكانت إحدى العقبات التي سعى إلى التغلب عليها هي محدودية آلة السنطور، التي كان ضبطها يجعل من الصعب عزف أنواع معينة من الموسيقى. وفي كندا، التقى بمحسن بهراد، الذي ابتكر آلة السنطور ذات الجسور المتحركة، مما سمح له عزف مجموعة متنوعة من الموسيقى التراثية بحرية أكبر.
كما التقى بمجموعة من الموسيقيين من مختلف أنحاء العالم العربي، الأمر الذي سمح له بالبدء في ربط المدرستين الموسيقيتين اللتين انقطعتا لعقود من الزمن، وتتألف فرقته الموسيقية من مجموعة متزايدة من الموسيقيين العرب والإيرانيين اللاجئين في كندا، حيث يعزفون على آلات تمثّل عينة من تلك التي يتم العزف عليها في إيران وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
من بين هؤلاء عمر أبو عفش، وهو عازف كمان-فيولا، وهاجر إلى كندا من سوريا عام 2015؛ وعازف العود عبد الوهاب كيالي، وهو فلسطيني ولد في لبنان ويعمل في الأردن ومونتريال؛ ورضا عبائي يعزف على آلة غيجك (كمان فارسي)، ويعيش حاليًا في مونتريال؛ وحامين هوناريه وهو عازف إيقاع كندي من أصل إيراني.
ويستكشف أميري وفرقته، في كل أغنية، تنوع الأنماط والأشكال الموسيقية لكل من الموسيقى الكلاسيكية الفارسية والعربية، ويأخذون المستمعين إلى قلب التراثين.
تتألف أغلب المقطوعات الموسيقية من رقصات تقليدية أو مبنية على إطار الموسيقى الفارسية الكلاسيكية، إلى جانب بعض الأغاني الأصلية. وتعد مقطوعة "يادغار دوست" (ذاكرة الأصدقاء) التأملية؛ مقطوعة ألفها أميري عن كفاحه للتكيف مع العيش في بلد جديد، وافتقاده للأشخاص الذين تركهم وراءه.
وبالنسبة للآلة الموسيقية، فإنها تنقل المشاعر المعقدة للموضوع بوضوح ملحوظ؛ فنحن نسمع كل من الشعور بالخسارة والأمل في مستقبل جديد.
وتتجاوز استكشافات أميري الموسيقى العربية، إذ يتأثر "همايون" (الملكي) بالموسيقى التركية، في حين تتأثر "رقصة سما" بالتقاليد الكردية. ونظرًا للتهميش الذي يعاني منه الأكراد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وإيران، فإن انخراطه في تقاليدهم الموسيقية في مؤلفاته يؤكد رغبته في كسر الحدود التي تفصل بين ثقافات المنطقة.
حاولت فرقة أمير أميري بناء الأبراج الأولى لمد جسر موسيقي جديد بين إيران والعالم العربي، لتظهر أن لدى التراثين الموسيقيين، والشعبين، الكثير من القواسم المشتركة.
وعلى الرغم من جهود الحكومة الإيرانية لفصل شعبها عن تقاليدهم الثقافية، وخاصة التنوع الغني لموسيقاهم، فإن فنانين مثل أمير أميري وتسجيلات مثل "أجداد" تضمن استمرار هذا التراث في الازدهار والنمو.
ترجمة: سارة عرفة
قنطرة ©