الاحتلال...فيل غائب عن وعي حملات إسرائيل الانتخابية
لا أحد يعلم ما الذي دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى طرد بعض زملائه في الائتلاف الحكومي وإعلان إقامة انتخابات مبكرة قبل عدة شهور. لا أحد فهم ذلك آنذاك ولا أحد يفهمه الآن. الدافع الحقيقي لهذه الخطوة الغامضة ما يزال مجهولاً.
سيقول البعض إن نتنياهو قام بذلك بعد أن فشل في إسقاط قرار كان يهدف إلى التسبب بأضرار وتقليص حجم صحيفة "إسرائيل اليوم" الخاصة، المملوكة لأكبر راع لنتنياهو، وهو الملياردير الأمريكي وقطب صالات القمار، شيلدون آدلسون. لم يعرض أي أحد تفسيراً أفضل لذلك، ولكن فكرة أن تنظم إسرائيل انتخابات عامة بسبب صحيفة حرة أمر أقل ما يقال عنه إنه غريب.
لكن الانتخابات الآن باتت حقيقة واقعة، وستقام بعد أيام قليلة. كما أن حملات الأحزاب المشاركة وصلت إلى أوجها. وأي أجنبي يصل إلى إسرائيل الآن سيجد من الصعوبة بمكان فهم ما يحصل، وسيكون من الأصعب تصديقه. مسألة ما حصل لأموال القناني الفارغة المعاد تدويرها في المسكن الرسمي لرئيس الوزراء، والتي وضعتها زوجته، سارة نتنياهو، في جيبها الخاص، قضية أكبر في الانتخابات الحالية من استمرار الاحتلال وإمكانية إيجاد حلول بديلة للصراع مع الفلسطينيين، أو حتى الحرب الأخيرة في قطاع غزة صيف عام 2014.
فقبل نصف عام، قامت إسرائيل بعملية عسكرية دموية جديدة ضد قطاع غزة، قُتل فيها ألفا فلسطيني وما يزال 150 ألفاً من دون مأوى. كما أن إسرائيل لم تحقق أي أهداف استراتيجية. لقد كلفت تلك العملية العسكرية إسرائيل تسعة مليارات شيكل، بينما قُدرت الأضرار لاقتصادها بين 10 و 12 مليار شيكل. في غضون ذلك، تشير منظمة "أوكسفام" إلى أن عملية إعادة الإعمار في غزة، والتي لم تكد تبدأ، ستستغرق مائة عام إذا استمرت على منوالها الحالي. لا يوجد هناك نقاش حول تكلفة هذه الحرب غير الضرورية وحول جرائم الحرب وحول الثمن الذي ستدفعه إسرائيل يوماً ما لما اقترفته، ولا حديث حول كيفية منع الحرب المقبلة في غزة، والتي باتت بالتأكيد غير بعيدة.
الاحتلال: الفيل في الغرفة!
لكن غياب تلك الحرب الصادمة من الأجندة السياسية لإسرائيل لا يجب أن يفاجئ أحداً. فالنقاش الإسرائيل يستثني العديد من القضايا المحورية، وذلك لا يقتصر فقط على فترة الانتخابات. إن دولة دون حدود معروفة أو معترف بها ولم تتعامل مع القضايا الرئيسية التي ستشكل مستقبلها، ومجتمعا لا يعرف إلى أين يتجه والطابع الذي سيكون عليه مستقبلاً هو مجتمع يعيش في حالة إنكار ولا يتعامل مع القضايا المركزية. فأسئلة مثل مستقبل الحدود مع إسرائيل في حالة التسوية مع الفلسطينيين، سواء من خلال حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة، والعلاقة بين الدين والدولة، أو مستقبل الأقلية الفلسطينية في إسرائيل. كل هذه وقضايا أخرى لا تاكد تُناقش في الحملات الانتخابية.
القضية الرئيسية التي تتم مناقشتها هي شخصية وتصرفات بنيامين نتنياهو، خاصة في ما يتعلق بحياته الخاصة، بالإضافة إلى بعض المسائل الاقتصادية والاجتماعية، مثل أسعار المنازل وتكلفة المعيشة بشكل عام. هذه القضايا يتم تقديمها وكأنها منفصلة تماماً عن القضايا المركزية، مثل الميزانية العسكرية الهائلة لإسرائيل، والدعم المالي اللامتناهي لمشروع الاستيطان، والثمن الذي بدأت إسرائيل تدفعه في الخارج بسبب إصرارها على الاستمرار في الاحتلال، على شكل مقاطعة وعقوبات وعزلة دبلوماسية، بمعنى أنه حتى وإن كانت بعض القضايا الاقتصادية والاجتماعية تحظى بالنقاش في الحملة الانتخابية الحالية، إلا أن السياق الأوسع غائب، الأمر الذي يجعل النقاش بأكمله مصطنعاً ومزيفاً.
هناك فيل كبير في الغرفة ولا أحد يتحدث عنه. الجميع يتظاهرون بأنه ليس موجوداً. هذا الفيل هو الاحتلال، بالطبع، وهو العامل الأساسي في كل منحى من مناحي الحياة الإسرائيلية. ولكن في عيون الكثير من الإسرائيليين، إذا لم تتحدث عن ذلك الفيل، فهو غير موجود. هذه الظاهرة التي لا يصدقها عقل لمجتمع يعيش في حالة إنكار، حتى في أوقات مشحونة بالعواطف، مثل ليلة الانتخابات المقبلة، هي نتيجة سنوات من العيش في حالة إنكار وغسيل دماغ ممنهج، خاصة على يد الإعلام الإسرائيلي، الذي نجح في شطب تلك القضايا من وعي معظم الإسرائيليين.
الحفاظ على الوضع القائم
لا تبدو نتائج الانتخابات واضحة قبل أسبوعين من إقامتها، فحزب الليكود بقيادة نتنياهو و"المعسكر الصهيوني" بقيادة إسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني يبدوان متعادلين في استطلاعات الرأي. لن ينجح أي منهما في انتزاع أغلبية واضحة، ما يعني أن أي مرشح لمنصب رئيس الوزراء سيضطر لإقامة ائتلاف حاكم مؤلف من الكثير من الأحزاب المتوسطة والصغيرة. هذا ضامن لحالة عدم الاستقرار، ولكنه يطرح قبل كل شيء سؤالاً حول ما إذا كانت هناك اختلافات مركزية بين المرشحين الأقوى لرئاسة الوزراء، عندما يتعلق الأمر بمسألة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة.
م يقترح هرتسوغ وليفني أية خطة شجاعة، وطالبا فقط بالاستمرار في المفاوضات ضمن أطول عملية سلام في التاريخ. ويقول هرتسوغ إنه يحتاج إلى خمس سنوات أخرى من المحادثات مع الفلسطينيين، وهي طريقة أخرى ليقول إنه، مثل نتنياهو، ليست لديه أية نية حقيقية لاتخاذ أية خطوات ذات معنى.
معظم العالم ينتظر أن يتنحى نتنياهو وسيصفق عندما يدخل هرتسوغ مكتب رئيس الوزراء، ولكن هذا لن يكون بالضرورة تطوراً إيجابياً لأولئك المعنيين بشكل حقيقي برؤية العدالة تتحقق في الشرق الأوسط. وكما تبدو الأمور الآن، فإن النية الرئيسية لإسرائيل، سواء كانت بقيادة نتنياهو أو هرتسوغ بعد هذه الانتخابات، هي الحفاظ على الوضع القائم كما هو، وذلك يعني الاستمرار في الواقع غير المقبول والمتمثل في أن يحكم شعب شعباً آخر بطريقة وحشية، كما كان الوضع على مدى خمسين عاماً، دون أية نوايا في إنهاء ذلك. سيتم انتخاب الدورة العشرين للكنيست خلال الأيام القادمة، وستشكل حكومة جديدة بعد ذلك بأسابيع قليلة، ولكن لن تخرج أية رسائل جديدة من إسرائيل.
جدعون ليفي
ترجمة: ياسر أبو معيلق