لماذا لا يساعد الغرب الديمقراطية التونسية الوليدة؟
إذا صدقنا كلام رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، فستكون 2018 آخر سنة صعبة تمر بها تونس ما بعد الثورة. فالاقتصاد في البلاد بدأ يتعافى وقطاع السياحة دخل مرحلة النمو أخيراً. أما الإجراءات التقشفية الحالية والزيادات في الضرائب فهي مجرد سحابة وعود عابرة سببها الضغوط التي يمارسها صندوق النقد الدولي - أحد أكبر المانحين الحاليين - من أجل خفض العجز القياسي في ميزانية الدولة.
لكن الكثير من التونسيين، وخاصة الشباب، الذين انضموا في الليالي الماضية للاحتجاجات وأعمال الشغب، لم يعودوا يصدقون هذه التطمينات المتكررة. فمنذ أعوام تعاقبت الحكومات التي تطلب منهم القليل من الصبر، ربما لنصف عام أو لعام على الأكثر، حتى يجني جميع التونسيين ثمار ثورتهم وتتحقق كافة مطالبهم بالحرية والكرامة والعمل. لكن الحياة الكريمة والعمل المستقر ما زالاً بعيدا المنال بالنسبة للكثير من التونسيين.
بيد أن صندوق النقد الدولي وإملاءاته ليسوا بدون بديل. فمشروع "تونس 2020" مثلا، الذي روج له الرئيس الباجي قايد السبسي قبل عام في مؤتمر دولي لاستقطاب المستثمرين، كان قد تعهد بتكريس الحوكمة الرشيدة واقتصاد صديق للبيئة وتطوير جهوي (مناطقي) وبشري مستدام. حينها عرضت مشاريع بقيمة تتراوح حسب الروايات بين 30 و50 مليار يورو، تهدف لتحقيق تحسن مستقر للاقتصاد التونسي.
غير أن المستثمرين الدوليين لم يوافقوا سوى على المساهمة في ثلث هذا المبلغ، أما ألمانيا - أكبر اقتصاد في أوروبا - والذي يتغنى سياسيوها في كل مناسبة بضرورة دعم الاستقرار الاقتصادي للنموذج الناجح الوحيد عقب الربيع العربي، فاكتفت بنصيب مخز لم يتعد 300 مليون يورو.
لكن الأسوأ من كل هذا هو عدم استلام تونس هذه الأموال حتى يوليو/ تموز الماضي، كما انتقد ذلك المرصد التونسي للاقتصاد. وهو في الحقيقة ليس أمرا جديدا، فأصدقاء تونس المزعومون من أوروبا يخذلونها منذ سنوات. وما يزيد الطين بلة حرصهم الدؤوب على تحقيق مصالحهم ولو على حساب الاقتصاد واليد العاملة التونسية، دون تقديم أي مقابل، في حين يطالبون تونس ببذل المزيد من الجهود في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
إزاء هذا النفاق يجب أن يقتنع التونسيون بأنهم لا يستطيعون الاعتماد إلا على أنفسهم. وعلى حكومتهم أن تقلع عن النموذج الاقتصادي الليبرالي المتطرف الذي تنتهجه منذ الاستقلال عام 1956، والذي يعتمد في الأساس على تحقيق الأرباح عبر تصدير السلعة منخفضة التكلفة إلى أوروبا والسياحة الأوروبية الرخيصة، وهو ما ترتب عنه اقتصار الاستثمار على الساحل ، في ظل غياب مشاريع تنموية ذات بعد اجتماعي حقيقي، خاصة في المناطق الداخلية التي تعاني من الحرمان والتهميش. هذا النظام الاقتصادي قد يمكن فرضه بالقوة لفترة معينة في ظل حكم دكتاتوري، لكنه لا يليق بدولة ديمقراطية تتمتع بالثقة في الذات وتحترم حقوق الإنسان والعاملين.
بعد سنوات من الفوضى والفشل السياسي، قد تكون حكومة يوسف الشاهد قد خطت خطوة جدية في اتجاه مكافحة المنتفعين الفاسدين من هذا النظام عندما اعتقلت في مايو السابق شفيق جراية، أحد أكثر رجال الأعمال نفوذا في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي والحليف المقرب من الرئيس الحالي السبسي.
والاحتجاجات الحالية تمثل فرصة ذهبية بالنسبة لجراية والسبسي للتخلص من رئيس الحكومة أصبح يشكل إزعاجا حقيقيا بالنسبة لهما ولحلفائهما. وليس أمام الشاهد إلا محاولة كسب الوقت عبر تطبيق التقشف على أعضاء حكومته أيضا.
غير أن الرهان الحقيقي بالنسبة للديمقراطية التونسية يكمن في أن تجنب الاحتجاجات سقوط المزيد من الضحايا. ولعل مخاطبة قوات الأمن المواطنين عبر وسم #ما_تخربش_بلادك_تونس_محتاجتلك، الذي لقي اهتماما كبيرا من قبل التونسيين، عوض اللجوء إلى القمع، يدل على أن ثورة الياسمين تمكنت من تغيير عقليات حتى أولئك الذين كانوا يحمون الدكتاتورية وحاشيتها سابقا، وهو ما يبعث على التفاؤل بأن الديمقراطية في تونس قد تصمد، مهما خذلها أصدقاؤها في الخارج.
بشير عمرون
دويتشه فيله 2018