التخلي عن الذاتية لصالح هوية المصريين الجمعية
بروايتها "الباب المفتوح"، فتحت لطيفة الزيات النار على ظاهرة معاداة المرأة الواسعة الانتشار في المجتمع المصري آنذاك، كما لم تفعل أي كاتبة مصرية من قبلها. فقد انتقدت الزيات الطريقة، التي كان المجتمع المصري يفرضها على المرأة بما يتعلق بالسلوك والملبس، دون أدنى اعتبار لما تريده المرأة. ووجهت الزيات سهام نقدها لكراهية بطلة الرواية، ليلى، لذاتها، هذه الكراهية المتأتية من طريقة تربيتها وتنشئتها كبنت وفتاة. كما لم توفر الزيات العوائق الاجتماعية والقيود المتلطية تحت عباءة العادات والتقاليد من نقدها.
عندما سألت ليلى أستاذها الجامعي الاستبدادي، رمزي، لماذا يريد الزواج بها، أجاب هذا: ببساطة لأنك مطيعة. غير أن ليلى تتمكن في النهاية من التخلص من نير والدها الطاغية ونير المجتمع ككل، وذلك بحملها السلاح والانضمام إلى صفوف المقاومة المصرية ضد البريطانيين في بورسعيد عام 1956، جنباً إلى جنب مع الرجال.
وهبُ العمرِ لفكرة القومية العربية
تطابقت صورة المرأة المتحررة من القيود المجتمعية، التي قدمتها آنذاك الزيات، مع الفكر السياسي الاستبدادي والعلماني لجمال عبد الناصر. فقد جسّد عبد الناصر-سيراً على نهج قدوته من الدول الاشتراكية والشيوعية وبشكل تام-مصر العلمانية الحديثة، بيد أنه حكم مصر تلك بيد من حديد. وبذلك تزامنت روايات الزيات الطليعية والرومانسية والقومية مع الأفكار السائدة للقومية العربية. وقد تحقق حلم ليلى في النهاية عن طريق تخليها عن ذاتيتها ونفسها لصالح الهوية الجمعية لكل المصريين.
اعتقلت لطيفة الزيات مع زوجها الأول عام 1949. وفي سيرتها الذاتية، المنشورة عام 1992 والتي حملت عنوان "حملة تفتيش"، تتذكر الزيات تلك الأوقات العسيرة: تتذكر الستة أشهر التي قضتها في زنزانة منفردة، وتتذكر نفسها آنذاك كامرأة يافعة وقد زال عنها الوهم، تتذكر سجانيها، وهربها المستمر من مطاردات الشرطة.
تستذكر الزيات مراحل حياتها بعيون نقدية، وتصور حياتها الطلابية كناشطة سياسية وتكتب عن وفاة جمال عبد الناصر، غير أنها لا تكاد تتناول سياسته القمعية في سيرتها الذاتية.
مثل كثير من الكتاب المصريين في عهد عبد الناصر، الذين لم يكن بوسعهم التعبير بحرية عن أفكارهم، تقع كتابات الزيات الروائية في مصيدة اللغة المكررة والوردية، والمرتبكة من آن لآخر. تلك اللغة تبدو غير ناضجة وغير قادرة على عكس السياقات الاجتماعية حينها، بشكل مقنع. وقد كتبت بعد تلك المرحلة، أنها استوعبت أخيراً في كتاباتها الإبداعية اللاحقة، أن الإرادة الحرة يجب أن يتم تجديدها على الدوام.
صدمة الاعتقال
تعرضت لطيفة الزيات مرة أخرى للاعتقال في عهد أنور السادات، وتحديداً قبل اغتياله بقليل حيث اعتقل 1500 مثقف ومعارض مصري. كان سبب اعتقالها معارضتها للسياسات الاقتصادية الليبرالية للسادات وللسلام مع إسرائيل. في فترتها الإبداعية، التي تلت ذلك الاعتقال، ربطت الزيات الوعي الجمعي مع الإدراك الذاتي، وبحثت في نقاط التقاطع بين وجود الإنسان الملتزم والمتحرر، وصورت في كتاباتها وبشكل مستفيض خبراتها وتجاربها في فترة الاعتقال الثانية. ونقلت صور عن انتفاضة النساء المعتقلات ضد مضايقات السجانين من الرجال والإذلال المستمر لنزلاء السجن.
سببت ذكريات الاعتقالين للطيفة الزيات آثاراً نفسية عميقة. وليس ذلك وحسب، فقد نددت الناشطة النسوية الشجاعة وحتى وفاتها بنظام الدولة البوليسية، وبالمراقبة المستمرة للمواطنين المصريين من قبل الدولة المصرية. فعلى سبيل المثال، نذكر هنا مجموعتها القصصية "الرجل الذي عرف تهمته" الصادرة عام 1995. فقد خلصت -وبنبرة لا تخلو من مرارة-إلى أن قمع الممسك بزمام السلطة سياسياً لا يختلف من حيث المبدأ عن أساليب عصابات القتل.
بالنظر إلى الاضطرابات السياسية في عصرها وبسبب نشاطها السياسي الذي لا يكل ولا يمل ونقدها المجتمعي الذي لا يعرف الهوادة، دفعت الزيات ثمناً باهظاً في السجون وهزت -مراراً وتكراراً- المحرمات. ولذا ومن هنا، تكتسب تركتها الأدبية بلا شك أهمية على الدوام.
شريف عبد الصمد
الترجمة من الألمانية: خالد سلامة
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016