"انفتاح متزايد على المسلمين في المشهد السياسي الألماني"
"الحرية والمساواة والعدالة" - تعدّ هذه المبادئ منذ أعوام طويلة من أهم ثوابت الديمقراطيين الاشتراكيين في ألمانيا. وفي المقابل لم يلعب الدين تقليديًا أي دور رئيسي يذكر لدى الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني SPD. ولكن مع ذلك فقد اكتشف في الآونة الأخيرة كوادر هذا الحزب تعاطفهم أيضًا مع المسلمين في ألمانيا: فقد أصبحت السيّدة أيدان أوزغوز أوّل امرأة مسلمة انضمّت إلى الحكومة الاتّحادية الألمانية كوزيرة عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، وكذلك أصبحت رفيقتها سوسن شبلي، وهي الأخرى تجاهر علناً بانتمائها للإسلام، نائبة جديدة للمتحدّث باسم وزير الخارجية الألماني، فرانك-فالتر شتاينماير.
فمع تأسيس أوَّل "مجموعة عمل للمسلمين في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني" في منتصف شهر شباط/ فبراير 2014 في برلين، بات يسعى هذا الحزب الآن إلى الانفتاح على الرفاق المسلمين بشكل صريح في عموم ألمانيا. وحول هذا الانفتاح تقول السياسية خالدة أوزكورت: "تكمن الفكرة الأساسية في سعي الديمقراطيين الاشتراكيين إلى الالتقاء في منتدى لمناقشة قضايا المسلمين، بغية تمكينهم من عرض مطالبهم الخاصة". شاركت خالدة أوزكورت، الحاصلة على دبلوم تربية والبالغ عمرها 33 عامًا، في حفل الافتتاح الذي أقيم في مركز فيلي براندت هاوس، حيث انتخب الأعضاء خمسة متحدثين باسم مجموعة العمل هذه.
ألماني مسلم وديمقراطي اشتراكي
وخالدة أوزكورت رفيقة مسلمة في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، كما أنَّها امرأة محجَّبة عاملة وأمّ لطفلين. وقد ترشّحت مؤخرًا لمجلس مدينة كريفيلد في الانتخابات البلدية المقبلة. وتقول خالدة أوزكورت: "نحن نسعى من خلال هذه المجموعة الجديدة في المقام الأوَّل إلى تعزيز مشاركة المسلمين في الحياة السياسية". يبلغ عدد أعضاء هذه المجموعة حاليًا نحو 50 عضوًا؛ ومن المرجو قيامهم بدور يُقتدى به والعمل على مضاعفة انخراط المسلمين في الحياة السياسية الألمانية. تحمل هذه المجموعة رسالة مفادها: ألماني مسلم وديمقراطي اشتراكي.
ومنذ عامها التاسع عشر بدأت هذه الشابة ابنة مدينة كريفيلد الألمانية نشاطها السياسي. وفي عام 2008 اختارت خالدة أوزكورت العمل في الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني. وتقول: "من خلال عملي السابق في مجلس الأجانب أثبتت لي التجربة أنَّ حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يتجاهل مطالب المهاجرين إلى حدّ بعيد". وهذه السيدة ذات الأصول التركية لم تكن تشعر بأي انجذاب للأحزاب الأخرى.
فهل بات من المفترض الآن أن تلعب الموضوعات الدينية دورًا مهمًا في حزب يعتبر بعيدًا كلّ البعد عن الدين؟ في هذا الصدد تقول خالدة أوزكورت: "نحن نريد في مجموعة العمل مناقشة قضايا ذات صلة مباشرة بالإسلام - على سبيل المثال أسئلة متعلقة بموضوع الحلال". وتضيف أنَّ هذه النقاشات من الممكن أن تتناول أيضًا موضوع "حبوب منع الحمل بعد ممارسة الجنس" أو "تشخيص جينات الجنين لفحص خلوه من التشوهات".
إجراءات حاسمة ضد العِداء للإسلام
تتمنى مجموعة العمل الجديدة هذه وبكلّ صراحة ووضوح وجود التعددية بين الرفاق المسلمين، مثلما تقول أتيلا أولغر، إحدى المتحدثين باسم هذا المنتدى الجديد: "سواء كان المهتمون من الليبراليين أو المحافظين، أو من الطائفة السنّية أو الشيعية - نحن نرحّب بالجميع".
سوف تعمل مجموعة عمل المسلمين الديمقراطيين الاشتراكيين في المستقبل على إعداد مواقف مشتركة خاصة بالقضايا الرئيسية. وحتى الآن تم إدراج إجراءات حازمة ضدّ جميع أشكال معاداة الإسلام، بحسب قول خالدة أوزكورت: "فيما يتعلق بموضوع حظر ارتداء الحجاب على المعلمات، أعتقد أنَّ مجموعة العمل ستعارض ذلك وستتبنَّى بالتالي موقف الحزب الديمقراطي الاشتراكي في ولاية شمال الراين ويستفاليا الألمانية".
يشكِّل الاعتراف بالإسلام كطائفة دينية يتمتَّع معتنقوها بحقوق متساوية واحدًا من أهم الأهداف الرئيسية التي يسعى إلى تحقيقها الأعضاء المسلمون في الحزب الديمقراطي الاشتراكي. لكن في المقابل من المحتمل أن يتم خوض نقاشات مثيرة للجدل حول حقّ الأزواج المثليين في التبنّي. وفي هذا الصدد لا تريد عضوة الحزب الديمقراطي الاشتراكي، السيدة خالدة أوزكورت، التعبير إلاَّ عن رأيها الشخصي: "أنا أعرف من خلال العمل في تقديم المشورة الاجتماعية المخاوف والمصاعب التي يعاني منها المثليون. بيد أنَّني كأمّ من ناحية أخرى آخذ مصلحة الطفل في عين الاعتبار".
تركيز حزب الخضر على السياسة الدينية
تحتل حاليًا الاستراتيجيات التي تُعرف باسم استراتيجيات "التنوّع" مكان الصدارة في الاتجاه السياسي الألماني العام. ومنذ فترة طويلة أدرك الاقتصاد الحرّ مدى قدرات التنوّع. إذ باتت الآن الأحزاب السياسية الألمانية تنفتح وبشكل متزايد ليس فقط على مجموعة المهاجرين، بل كذلك أيضًا على المسلمين ومطالبهم بصورة خاصة.
منذ عدة أعوام بدأت أولى مجموعات العمل الخاصة بالمسلمين عملها في حزب الخضر، حيث تم تأسيس "مجموعة عمل المسلمين الخضر" في أواخر عام 2006. وعلى خلاف مجموعة عمل المسلمين التي تم تأسيسها مؤخرًا للعمل في عموم ألمانيا لدى الحزب الديمقراطي الاشتراكي، فإنَّ عمل منتدى "المسلمين الخضر" يقتصر على ولاية شمال الراين فستفاليا. "كان الهدف خلق قاعدة يمكن للمسلمين من خلالها التواصل داخل الحزب وكذلك تعزيز النقاش حول موضوع مساواة المسلمين بغيرهم في ألمانيا"، مثلما تقول حسرت كاراجوبان، المتحدّثة باسم مجموعة عمل المسلمين في حزب الخضر.
الاعتراف بالإسلام كهدف رئيسي
تتمحور الموضوعات الرئيسية حول قضايا السياسة الدينية أكثر من تركيزها على الجدل حول موضوع الهجرة. وحاليًا يبلغ عدد أعضاء هذه المجموعة النشيطين نحو 15 شخصًا لديهم "آراء سياسية مختلفة للغاية".
حدّدت "مجموعة المسلمين الخضر" منذ فترة طويلة مطالب مشتركة خاصة بالموضوعات المركزية؛ وحول ذلك تقول حسرت كاراجوبان: "يعتبر الاعتراف بالإسلام كطائفة دينية واحدًا من أهدافنا الرئيسية. نحن نعمل من أجل ذلك منذ عدة أعوام". وتضيف أنَّ النقاشات حول العنصرية المعادية للمسلمين قد ازدهرت منذ ردح طويل لدى هذه المجموعة. وكذلك لا يوجد أي خلاف في موقف مجموعة العمل هذه حول الحظر الساري حاليًا على ارتداء المعلمات للحجاب في ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية. وفي هذا الصدد تقول حسرت كاراجوبان لا بدّ من إلغاء هذا الحظر في جميع أنحاء ألمانيا.
تدور نقاشات مثيرة للجدل لدى مجموعة عمل المسلمين الخضر حول حقّ الأزواج المثليين في تبنّي الأطفال. من المعروف أنَّ حزب الخضر يدعم منح الأزواج المثليين هذا الحقّ. وضمن هذا السياق تقول حسرت كاراجوبان: "نحن في مجموعة عمل المسلمين الخضر نؤيّد موقف الحزب". ولكن على الأرجح أنَّ هذا الرأي يُواجَه بالرفض في أوساط المسلمين المحافظين.
موضوعات الهجرة بدلاً من موضوعات الدين
وعلى عكس الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر، اللذين تخاطب مجموعات العمل لديهما المسلمين يشكل مستهدَف، يوجد لدى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي "منتدى ألماني تركي". تم تأسيس هذا المنتدى في عام 1997 بغية فتح الحزب على الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة. وحاليًا يبلغ عدد أعضاء هذا المنتدى في جميع أنحاء ألمانيا نحو 500 عضو، بعضهم من ذوي أصول مهاجرة وبعضهم الآخر من غير المهاجرين. "نحن لسنا لجنة حزبية، بل جمعية مستقلة يتم تمويلها من رسوم العضوية التي يسدّدها الأعضاء"، على حدّ قول سعد الدين توزون، نائب رئيس هذا المنتدى في ولاية شمال الراين وستفاليا.
ولكن من حيث المضمون يعمل هذا المنتدى بشكل وثيق مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. ويركّز في المقام الأوَّل على موضوعات الهجرة والاندماج، مثلما يقول سعد الدين توزون البالغ من العمر 42 عامًا: "لقد لعب الدين حتى الآن دورًا أقل أهمية". كما أنَّ أعضاء "المنتدى الألماني-التركي" يحدّدون هويتهم قبل كلّ شيء من خلال القيم الأُسَرية.
يمتد جدول أعمال هذا المنتدى من القضايا التربوية إلى التغيير الديموغرافي وحتى القضايا الاقتصادية. ويقول سعد الدين توزون: "نحن نناقش في واحدة من مجموعات العمل الخاصة بنا موضوعات حول الدين أيضًا". وهذا المنتدى، الذي يقع مقره الرئيسي في مدينة دوسلدورف، يعتبر نفسه منظمة للمهاجرين داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وعلى العكس من مواقف المسلمين في الحزب الديمقراطي الاشتراكي أو حزب الخضر، فإنَّ أعضاء المنتدى الألماني التركي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لا يرون أية حاجة إلى إجراء تغييرات في مسألة الحجاب. وحول ذلك يقول سعد الدين توزون: "من الضروري بالنسبة لنا أن يتم اتّباع الأحكام القانونية المعمول بها - مهما كان شكلها".
وكذلك يتعامل هذا المنتدى بتحفّظ مع مسألة الاعتراف بالإسلام كطائفة دينية: "هذه مسألة صعبة. نحن مع تمكين الجميع من ممارسة دينهم بحرية". وأمَّا في الجدال حول الجنسية المزدوجة للأطفال أبناء العائلات المهاجرة، فيقول سعد الدين توزون: "يتعيَّن منح الأطفال المعنيين جوازي السفر تلقائيًا ومن دون الحاجة إلى تقديم إثباتات خاصة". ولكن هذا الرأي ليس هو ما يهدف إليه مشروع القانون المطروح حاليًا من قبل الائتلاف المكوّن من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي.
حزب من مهاجرين
إنَّ اتجاه "التنوّع" لا ينتشر لدى بعض الأحزاب فحسب، بل يتخلّل المشهد السياسي برمّته في جمهورية ألمانيا الاتحادية. فقد تم في شهر شباط/ فبراير 2010 تأسيس أوّل حزب مكوّن من مسلمين على المستوى الاتحادي الألماني في ولاية شمال الراين فستفاليا. وهذا الحزب الذي يحمل اسم "التحالف من أجل الابتكار والعدالة" (BIG) لا يعتبر نفسه حزبًا عرقيًا أو دينيًا، بل ينظر إلى نفسه على أنَّه "حزب ألماني يمتاز بتمثيل التعدّدية الثقافية في ألمانيا"، مثلما يقول رئيسه الاتحادي، هالوك يلدز.
يعتبر حزب "التحالف من أجل الابتكار والعدالة"، بحسب قول رئيسه الاتحادي، هو الحزب الأكثر تنوعًا من بين جميع الأحزاب الأخرى في ألمانيا، وذلك بفضل أعضائه ذوي الأصول المهاجرة البالغ عددهم 42 عضوًا. وهذا التحالف ممثل الآن في عشر ولايات ألمانية وكذلك في 40 فرعًا محليًا. تم تأسيس هذا الحزب، بحسب قول رئيسه الاتحادي، بغية منح التنوّع في ألمانيا صوتًا سياسيًا. ولكن مع ذلك، أَلا يعتبر تأسيس حزب مكوّن من المهاجرين نظرًا إلى الأحزاب القائمة ومجموعات العمل الخاصة بها، أمرًا غير ضروري أو حتى غير بنّاء من الممكن أن تكون له نتائج عكسية؟
مجموعات عمل المسلمين مجرّد تجميل للأحزاب؟
"لا، لأنَّنا نسعى إلى تمثيل أنفسنا تمثيلاً حقيقيًا ولا نريد الذوبان من خلال أية مجموعات عمل في داخل الأحزاب القائمة"، كما يجيب رئيس هذا الحزب، هالوك يلدز، والعضو في مجلس بلدية مدينة بون. ويضيف أنَّ المجموعات الموجودة داخل الأحزاب القائمة تعتبر مجرَّد "هياكل زائفة تشبه مجالس الاندماج، وذلك لأنَّ الإرادة السياسية في مثل هذه المجالس الاستشارية لا تمارس عمليًا أي تأثير على أيديولوجيات الأحزاب القائمة".
يتّضح ذلك - على حدّ قول هالوك يلدز، في موضوع حقّ المهاجرين في التصويت في الانتخابات البلدية أو على سبيل المثال في النقاشات الدائرة حول الجنسية المزدوجة. ومثلما هي الحال لدى مجموعات عمل المسلمين الأخرى، فإنَّ حزب "التحالف من أجل الابتكار والعدالة" يسعى إلى إلغاء الحظر المفروض على ارتداء المعلمات الحجاب وكذلك إلى الاعتراف بالإسلام كجماعة دينية. ولكن هذا الحزب يرفض مع ذلك حقّ الأزواج المثليين في تبنّي الأطفال. وفي هذا الصدد يقول رئيسه لا بدّ هنا من وضع مصلحة الطفل في المقام الأوَّل.
ولكن مع كلّ ذلك لا تكمن الأهمية في إنْ كانت مجموعات عمل المسلمين تضم أعدادًا متواضعة من الأعضاء، أو إنْ كانت هذه المجموعات ذات توجهات محافظة أو ليبرالية، أو في انخراط المسلمين داخل الأحزاب القائمة أو تفضيلهم تأسيس هيئات سياسية خاصة بهم؛ بل في الحقيقة تكمن الأهمية في انخراط المسلمين أو الأشخاص من ذوي الأصول المهاجرة أكثر وأكثر في الحياة السياسية العامة والمشاركة بجدّ ونشاط في تشكيل المجتمع.
أولريكه هومل
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014