علاقة فوق فوهة البركان

توترات وصدامات بين مسلمين وأقباط ليست أحداث فردية في مصر كما يشاع، والدولة مازالت تحل الخلافات بين الطرفين بظهور شيخ الأزهر وبابا الكنيسة يتبادلان العناق والقبلات. تقرير نيللي يوسف

مسرحية، تدور حول شاب قبطي يتحول إلى الإسلام ثم يعود للمسيحية مرة أخرى بعد أن يجد الديانة الإسلامية منفرة وتتضمن المسرحية إساءة للدين الإسلامي وإهانات للنبي محمد التي أثارت استنكار العديد من المسلمين في الإسكندرية أثناء الانتخابات البرلمانية المصرية الماضية.

وطالب المتظاهرون من بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الإعتذار عن المسرحية التي وزعت أيضا بشكل أقراص مدمجة.

وإزاء رفض الكنيسة عن الاعتذار، قام مسلمون بمظاهرة أخرى تجاوز عدد المشتركين فيها الخمسة آلاف متظاهر واشترك البعض منهم بأعمال شغب، أسفرت عن طعن راهبة بسكين وإصابة عدد من المسلمين والأقباط. وهذه هي المرة الأولي التي تشهد مصر فيها تظاهرات بهذا الحجم من جانب الأغلبية المسلمة تنادي بالقصاص لنبيها ودينها في مواجهة الكنيسة.

تقرير حول أسباب الأزمة

وأصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرا عن هذه الأحداث تضمن أسباب تصاعد هذه الأزمة ومنها التدخلات الأمنية المستفزة وضعف أداء الأجهزة الحكومية حيث تعاملت مع تلك الأزمة تارة بعدم الإعلان عنها والتعتيم على الأحداث، وتارة أخرى بالادعاء بأن الأحوال ستهدأ تلقائيا، وأحيانا بترك الأحداث تشتعل دون محاولة التدخل.

وهاجم التقرير تقاعس المؤسسات الدينية المتمثلة في كل من الأزهر والكنيسة في القيام بأي عمل من شأنه البحث عن الأسباب التي أدت إلي تأزم الأمور وعدم اهتمامها بتحليل الظاهرة ومواجهتها بحلول واقعية تمنع تكرارها، مشيرا إلى أن تصريحات الطرفين لم ترض الجماهير الغاضبة.

وأكد حافظ أبو سعده الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان في حوار لقنطرة أنه لابد وأن تعالج مثل هذه الموضوعات الحساسة والشائكة بالمناقشة الصريحة والمكاشفة الكاملة.

وأشار إلى أن المنظمة أعدت أيضا بعض التوصيات التي قدمتها لمختلف الجهات المعنية لحل الأزمة من جذورها وتفادي تكرارها في المستقبل ومنها ضرورة إنشاء لجنة لشؤون الأديان بمجلس الشعب تضم ممثلين رسميين في الإعلام والتعليم والأوقاف والأمن وممثلين عن الكنيسة والأزهر ومنظمات المجتمع المدني، تكون مهمتها الاهتمام بشؤون المواطنة ووضع الحلول العملية لمواجهة التوترات الطائفية المقبلة، كما تختص أيضا بوضع قواعد موحدة لبناء دور العبادة.

وتشمل التوصيات الأخرى تحريم مهاجمة الأديان إعمالاً لنصوص حقوق الإنسان الخاصة بالحفاظ على حرية الفكر والاعتقاد الواردة في الدستور المصري والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان وقيام المؤسسات الدينية المتمثلة في الأزهر والكنيسة بالتعامل مع مثل تلك الخلافات الطائفية بقدر عال من المسؤولية والوضوح والشفافية.

سلاح انتخابي

وانتقد يوسف سيدهم رئيس تحرير صحيفة "وطني" الأسبوعية وهي الإصدار القبطي الوحيد في مصر، تعامل الدولة مع الأقباط حيث أنها تتعمد تهميشهم سياسيا وخاصة أن قائمة مرشحي الحزب الوطني في الانتخابات البرلمانية ضمت شخصين فقط، مشيرا إلى أن الشعارات الفضفاضة التي تتردد في الاحتفالات والمؤتمرات من نوع تمكين الفئات المهمشة أو السعي لتمثيل متنوع يعبر عن فئات الشعب ما هي إلا مجرد خيالات.

وهاجم أيضا ما يعتبره انتقاصا من حقوق المواطنة التي ينبغي أن يتمتع بها الأقباط وضعف نسبة الوظائف التي يحصلون عليها خاصة في النيابة والقضاء.

ويرى الكاتب سمير مرقص أيضا أن الأقباط يشعرون بالتمييز وإن المشكلة أكثر تعقيدا من مجرد احتجاج على مسرحية مثيرة للجدل، فالمشكلة تكمن في قلة عدد الوظائف التي يحصلون عليها في الإدارة والحكومة ومشكلة بناء الكنائس برغم أن الرئيس حسني مبارك أصدر قرارا مؤخرا يفوض المحافظين الترخيص للطوائف القبطية ببناء أو ترميم الكنائس ويوجب البت في طلبات بناء أو ترميم أو توسيع الكنائس خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمها.

ويعد هذا القرار ردا على القانون الموروث منذ العهد العثماني والمعروف باسم "الخط الهمايوني" وهو يقضي بحصول الأقباط على تصريح مسبق من رئيس الدولة لبناء أي كنيسة جديدة أو إجراء أي ترميمات في الكنائس القديمة.

ويشير مرقص إلى أن الدولة المصرية قامت منذ الخمسينات بتغييب الأقباط عن الحياة السياسية وعدم تعيينهم في الوظائف الحكومية إلا بأعداد قليلة جدا.وبهذا فالدولة تؤكد أنهم جماعة دينية وليسوا مواطنين.

اضطهاد المسلمين والأقباط

أما جورج إسحاق المنسق العام لحركة كفاية فعبر في حوار مع شبكة قنطرة أن مناخ غياب الديموقراطية التي تشهده مصر وعدم إتاحة الفرصة للناس للتعبير عن أرائها يؤدي بهم لأن يركزوا علي أضعف حلقة من حلقات المجتمع المصري وهو الدين.

وأكد أن الأقباط ليسوا مضطهدين وحدهم، فالمسلمون مضطهدون أيضا لأن مبدأ الكفاءة غير موجود في مصر، فالحكاية ليست فتنة بين أقباط ومسلمين بل أزمة ثقافة و ديموقراطية على حد تعبيره.

ووصف مصدر قبطي رفض ذكر اسمه أن الأقباط يعيشون إهانة يومية في مصر دون أن يطالبوا بالاعتذار. فعدد الكنائس التي تم بناؤها خلال الثلاثين سنة الماضية في مصر كلها لا يتجاوز العشرين وهناك خطباء يصفون الأقباط بالكفر في خطب يوم الجمعة في مختلف محافظات مصر، بالإضافة للأفلام الدرامية التي تسخر من الأقباط ويشعر غالبية الطلبة الأقباط بالعزلة داخل الجامعات المصرية لأن إخوانهم المسلمين يتجنبون مصافحتهم ويتعاملون معهم في أضيق الحدود.

ويرى الشيخ إبراهيم رضا خطيب ومدرس بوزارة الأوقاف أن الأزمة بين المسلمين والأقباط لن يتم حلها من خلال الإجراءات الأمنية أو اعتذار المؤسسات الدينية ولكن من خلال تغيير سياسي وثقافي شامل في المجتمع يعيد الأقباط والمسلمين إلى حالة التعايش المشترك على أرضية المواطنة.

إنشاء مركز إنذار مبكر

ووجه نبيل عبد الفتاح رئيس تحرير تقرير "الحالة الدينية" بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في حواره لقنطرة اتهاماً إلى الجهات القبطية باستخدام جماعات من أقباط المهجر كقوة ضغط على النظام، وفي ذات الوقت لمواجهة بعض القوى الإسلامية السياسية وخطابها تجاه الأقباط.

وأشار عبد الفتاح إلى أن ضغوط أقباط المهجر ولدت انطباعات وسط الجماعات الإسلامية السياسية والمؤسسات الدينية الرسمية بأن هناك ثمة عمليات استقواء بالخارج خاصة بالولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية ضد النظام بشكل عام والإسلاميين بصفة خاصة وهو ما أدى إلى ظهور ردود فعل عنيفة من جانب بعض الإسلاميين.

واقترح عبد الفتاح تأسيس مراكز للإنذار المبكر للوقاية من النزاعات الدينية والمذهبية ومراجعة النصوص العقابية الخاصة بالازدراء الديني وتغليظ العقوبات على سلوكيات الفتنة.

حركات التنصير والأسلمة

ومن الأحداث الأخرى التي جعلت الشارع المصري ساخن ومتأهب لأي استفزاز بين الطرفين هي أحداث حركات التنصير والأسلمة التي ظهرت مؤخرا. فقد تظاهر مئات الأقباط في القاهرة قبل شهور قليلة بسبب إشهار سيدة قبطية إسلامها واتهموا المسلمين بخطفها وإجبارها على الدخول في الإسلام.

حادثة أخرى تمحورت حول الفتاة المسلمة "زينب" التي أعلنت في خطاب تركته لعائلتها قبل هروبها من المنزل بأنها تحولت للمسيحية وأطلقت على نفسها اسم "كريستين" وقالت بأنها تحولت إلى المسيحية بعدما وقعت تحت تأثير حملة تنصير.

ومن أبرز الأحداث الحالية أيضا قصة الأختين "ماريان "و "كريستين" اللتين تزوجتا من شابين مسلمين وتحولتا للإسلام وظهرت أم الفتاتين في برنامج تليفزيوني وادعت اختطافهما، وبعد أيام أرسلت الفتاتان شريطا مصورا تعبران فيه عن أنهما تحولتا للإسلام بمحض إرادتهما.

مثل هذه الأحداث زادت من حدة التوتر بين الجانبين المسلم والقبطي. واتهمت في هذا السياق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وهي إحدى المنظمات الحقوقية الناشطة بمصر، وزارة الداخلية بانتهاك حقوق المواطنين المصريين الراغبين في اعتناق الإسلام أو المسيحية، وذلك بالامتناع عن إثبات ديانتهم الفعلية رغم حصول بعضهم على أحكام قضائية تكفل لهم هذا الحق.

وأشارت المنظمة إلى أنها قامت بتوثيق ما لا يقل عن 54 حالة اضطر أصحابها للجوء إلى القضاء للتظلم من تعسف مصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية في إثبات ديانتهم بالبطاقة الشخصية. وتضمنت هذه الدعاوى ثلاث حالات رفضت فيها مصلحة الأحوال المدنية إثبات اعتناق مواطنين مسيحيين للإسلام.

ويري الكاتب والمؤرخ يونان لبيب رزق أن العالم كله مشغول بالتقدم والتكنولوجيا ونحن هنا مشغولون بفلان أسلم وفلان أصبح قبطيا وذلك من علامات التخلف والرجعية لأن مسألة العقيدة هي ملك للناس ولا إكراه في الدين.

نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

تقارب مسيحي-إسلامي في مصر
"ليس الحوار فقط ....بل التعاون ايضا" هذا هو الشعار الذى ترفعه الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية بالقاهرة فى مبادرة تستهدف الحوار بين الشباب من رجال الدين الإسلامي والمسيحي. تقرير نيللي يوسف

نبيل عبد الفتاح
أثارت الاعتداءات الإسلاموية التي شهدتها القاهرة عددا من التساؤلات عن خلفية المعتدين الشباب ودوافعهم، هذه هي محاور الحوار التالي مع نبيل عبد الفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الإستراتيجية في القاهرة

الديمقراطية في مصلحة الأخوان المسلمين
قد يساهم وجود الأخوان المسلمين في البرلمان المصري في ارساء الديمقراطية، اذا تمكن النظام من إيجاد طريقة للتوفيق بين شعبية حركة الأخوان ومطالب الاصلاح السياسي. تعليق ناتان براون وعمرو حمزاوي