''عصر ذهبي للنساء السعوديات''
لأول مرة هذا الصيف سيسمح للنساء السعوديات بالمشاركة في الألعاب الأولمبية. مناقشة هذا الموضوع في القرن الحادي والعشرين تدل على حالة الانغلاق التي كانت هذه المملكة الخليجية تعيشها. وبالفعل، وقبل ذهابي إلى هناك مؤخراً في إطار برنامج زمالة تحت رعاية تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، لم أسمع أي شيء جيد عن هذا المكان.
نظرتي إلى السعودية شكلتها تقارير اضطهاد النساء وقطع الرؤوس وانتهاكات حقوق الإنسان. كما أن رفض طلب تأشيرة الدخول لزميل لنا وبقاءه في عمّان لم يحسّن من هذه النظرة. وما زاد الطين بلة هو أن المشاركات قضين ليلتهن الأولى "محتجزات" في الفندق، لأننا لم نجلب عباءات سوداء تغطينا من الرأس إلى أخمص القدمين. بعد هذه البداية لم نكن متشوقين لهذه الزيارة.
لكن بعد ذلك انقلبت الأمور رأساً على عقب، ليس فقط لأننا، أي النساء، حصلنا على عباءات سمحت لنا بمغادرة "قفصنا الذهبي"، بل لأننا كنا محظوظات بزيارة كلية دار الحكمة للنساء، التي قابلنا فيها مجموعة من الشابات والأستاذات المدهشات، اللواتي شرحن لنا الفكرة الكامنة وراء هذه الكلية وقدمن لنا بعض الشابات الرائعات.
تعليم النساء الثقة بالنفس
في هذه الكلية تتعلم النساء الثقة بعلمهن وخلفيتهن الثقافية وجذورهن. فعلى سبيل المثال، عندما قامت الطالبات بتصميم منازل منخفضة التكلفة لأحد المشاريع، لم يراعين أن تضم المنازل غرفة للخادمة وحسب، وهو شيء طبيعي في السعودية، بل وأن يكون المطبخ أيضاً مصمماً بطريقة يمكن من خلالها للنساء التنقل بحرية دون أن يراهم الجالسون في الغرف الأخرى.
محطتنا القادمة كانت غداء عمل مع موقع "عرب نيوز" الإخباري. أحد أول الأسئلة التي طرحت علينا كان حول نظرتنا للنساء السعوديات. الإجابة كانت بسيطة، فخلال رحلتنا، التي قادتنا إلى المغرب والأردن، استطاعت النساء في مجموعتنا أن تؤسس روابط مع النساء المحليات بسهولة، وبشكل خاص في السعودية، لأن هناك قيم ومخاوف وتحديات وخبرات معينة مشتركة بين جميع النساء، بغض النظر عن الثقافة التي ينحدرن منها. أوجه التشابه بين النساء أكثر من أوجه الاختلاف.
لقد أثارت كل النساء التي التقيناهن انطباعنا، إلا أننا أعجبنا بالنساء السعوديات أكثر من غيرهن، فهن لم يكن كما تصورهم الأحكام المسبقة التي توقعناها. فبدلاً من كونهن مضطهدات وصامتات وخجولات، التقينا نساء واثقات بأنفسهن وذكيات وقادرات على التعبير عن آرائهن. كما أبدين شجاعة لقبول التحديات والنضال من أجل تحقيق أحلامهن.
النساء السعوديات محرك التغيير
إن التغيير في هذا البلد الخليجي قد بدأ، والنساء السعوديات هن القوة الدافعة لهذا التغيير. إنها ليست ثورة سريعة وعنيفة، بل ذكية وتكتيكية، كما نصحتنا بعضهن بالقول: "اعمل دائماً على تقييم تأثير التغييرات وتوقيتها". في كلية دار الحكمة يتربى جيل جديد من النساء: نساء لا تخشى لقاء رؤساء الدول ومناقشة الأمور على نفس المستوى. كم نحن بحاجة في الغرب إلى التعلم من هذا النهج، خاصة فيما يتعلق بتعليم المرأة.
بعد ذلك، وأثناء زيارة إلى مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، قالت إحدى الشابات اللامعات: "هذا عصر ذهبي للنساء السعوديات. فبغض النظر عما نقوم به، سنكون أولى النساء السعوديات اللواتي قمن بهذا العمل". كما أشارت تلك الشابة إلى أن هناك فرصاً أكبر لنجاح المرأة في السعودية مقارنة بالغرب، رغم أن الحياة لن تكون أسهل بسبب ذلك. لقد هنأنا تلك النساء على نشاطهن. وعلى عكسهن، فقد تكلم الرجال في الاجتماع أقل. وهنا أضافت الشابة السعودية: "لقد تمت إزاحتنا لفترة طويلة، والآن حان وقتنا كي نسمع أصواتنا".
قد يكون من السهل أن يفكر البعض بأنني تعرضت لغسل دماغ، وأنني ما زلت أجهل المشاكل التي تواجهها النساء هناك. لكن النساء السعوديات أنفسهن أوضحن بأنهن ما زلن بحاجة إلى إذن ولي أمرهن إذا ما أردن الحصول على وظيفة أو السفر، وأنهن ممنوعات من قيادة السيارات أو المشاركة في الأنشطة الرياضية بشكل علني. إن التحديات التي تواجه تلك النساء كثيرة ومعقدة.
لكن نظرتي لهذا البلد تغيرت بشكل كلي، بعد أن رأيته من الداخل. النساء السعوديات يثرن الإلهام، ويمكن للنساء الغربيات أن تتعلم منهن أن التغيير ممكن، حتى في أكثر المجتمعات انغلاقاً وذكورية. وربما يكون بعض هؤلاء النساء الشجاعات مصدر إلهام في الساحة الرياضية بلندن هذا الصيف.
غابرييلا كيزيبيرغ دافالوس
ترجمة: ياسر أبو معيلق
غابرييلا كيزيبيرغ دافالوس صحافية بوليفية ألمانية، ومؤسسة مشاركة وعضوة مجلس إدارة الشراكة الدولية للنساء الشابات في بروكسل، إضافة إلى كونها زميلة في برنامج تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة لسنة 2012.