فيلم إيراني يترشح للأوسكار باسم ألمانيا

المخرج والممثلتان في مؤتمر صحفي في كان، 2024.
تمكن المخرج الإيراني محمد رسولوف والممثلتان مهسا رستمي وستاره ملكي من الفرار من إيران بعد تصوير الفيلم. (Photo: Picture Alliance / Kyodo)

تنافس ألمانيا على جائزة الأوسكار هذا العام بفيلم "بذرة التين المقدس" الذي يسلط الضوء على تأثير مقتل الشابة مهسا أميني على المجتمع الإيراني، بيد أنه يتجاهل الجذور الكردية لحركة "امرأة، حياة، حرية" الاحتجاجية التي اندلعت في ذلك الحين.

الكاتبة ، الكاتب: شيان رياز

ما الذي يجعل فيلمًا ما ألمانيًا؟ طبيعة طاقم العمل أم المخرج؟ مكان التصوير أم لغة الفيلم؟ في حالة فيلم "بذرة التين المقدس"، (العنوان الأصلي: دانه‌ی انجیر معابد) لمخرجه محمد رسولوف، فإن التمويل الألماني من مؤسسة دعم الصناعة السينمائية ومشاركة المنتج الألماني ماني تيلغنر كانتا كافيتين لتصنيف الفيلم كألماني. 

يضم طاقم الفيلم ممثلين وممثلات إيرانيين، وجرى تصويره سرًا في إيران، بينما هيمنت اللغة الفارسية على حوارات الفيلم. ورغم عدم وجود أي صلة واضحة بألمانيا، يخوض الفيلم سباق جوائز الأوسكار لعام 2025 ممثلًا لألمانيا في فئة أفضل فيلم روائي عالمي. 

ونال الفيلم عدة جوائز في مهرجانات أفلام عالمية مثل "كان" و"سان سيباستيان"، وهو ما يعزز فرصه في إهداء ألمانيا جائزة الأوسكار مطلع مارس/ آذار المقبل. وينافس "بذرة التين المقدس" أمام فيلم "إيميليا بيريز" من فرنسا، وفيلم "هنا للأبد" من البرازيل، والفيلم الدنماركي "الفتاة صاحبة الإبرة"، وفيلم "الفيضان" من لاتفيا. 

عائلة قاضٍ بارز

تدور قصة محمد رسولوف الدرامية حول إيمان (ميساغ زارا)، وهو محام متدين من طهران جرت ترقيته حديثًا إلى منصب قاضي تحقيق، ويتمكن بفضل راتبه الجديدة من الانتقال إلى شقة أكبر رفقة زوجته نجمة (سهيلا غلستاني) وابنتيه رضوان (مهسا رستمي) وسارة (ستاره ملكي).  

في المقدمة لقطة مقربة لامرأة شابة، وخلفها على اليمين واليسار امرأة بالغة وفتاة.
صراع الأجيال في إيران: الأم وبناتها في فيلم "بذرة التين المقدس". (Photo: Films Boutique Alamode Film)

غير أن ترقية القاضي إيمان جلبت معها أمرًا آخرًا إلى جانب الشقة الجديدة، وهو مسدس شخصي بهدف حمايته. يختفي هذا المسدس في يوم من الأيام، وتتوجه أصابع الاتهام إلى الأم نجمة والابنتين رضوان وسارة، اللواتي ينكرن ذلك.

يبدأ الأب القاضي بالتحقيق في الواقعة، ويحتجز زوجته وابنتيه في زنازين مظلمة بالمحكمة، حيث يخضعن لاستجواب قاسٍ وهنّ معصوبات الأعين. وهنا يترك المخرج المشاهد يتساءل: كيف يمكن أن يكون حال الأشخاص الذين لا تربطهم علاقة عائلية بقاضٍ رفيع المستوى، إن كانت عائلة إيمان نفسها تُعَامل بهذه الطريقة البشعة؟ 

تأتي هذه الأحداث على خلفية الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد عقب مقتل جينا مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق الإيرانية في نهاية سنة 2022، وشاركت صديقات رضوان وسارة أيضًا في هذه المظاهرات، مثل صديقتهم صدف (نيوشا أخشي)، التي جرى إطلاق النار على وجهها واعتقالها خلال أحد الاحتجاجات.  

يدور لاحقًا نقاش حاد بين العائلة على مائدة العشاء، إذ يردد القاضي إيمان وزوجته نجمة رواية الدولة في أنّ المتظاهرين وراء تصاعد العنف، فيما تتابع الابنتان رضوان وسارة الأحداث عبر الإنترنت لتكتشفا حجم الدعاية الكاذبة التي يروج لها النظام الحاكم.

يلعب إيمان من خلال منصبه دورًا فاعلًا في منظومة النظام القضائية، فيُصدر أحكام بالإعدام دون معرفة تفاصيل القضايا التي يبت فيها. ورغم إخفاء هويته خوفًا من انتقام عائلات المحكوم عليهم، إلا أنه وفي نهاية المطاف يتم تسريب عنوانه وصورته على الإنترنت.  

حينها يشعر القاضي إيمان بعدم الأمان، خاصة مع اختفاء سلاحه الشخصي، وتبني ابنتيه للأفكار الثورية، ويقرر مغادرة طهران ويسافر إلى الجبال مع نجمة، ورضوان، وسارة. ولكن بعد وصوله إلى المنزل الريفي، تتكشف المزيد من الأسرار ويفقد إيمان السيطرة شيئًا فشيئًا.  

ترشح عن جدارة

يعتبر ترشيح فيلم "بذرة التين المقدس" لجوائز الأوسكار منطقيًا، إذ أنه يضرب وترًا اجتماعيًا حساسًا، ويصور بدقة نظامًا قمعيًا. ويركز النقد الاجتماعي في هذا الإطار على مستويين؛ الأول هو ربط قصة الفيلم بالمظاهرات التي وقعت بعد مقتل جينا مهسا أميني، والقمع العنيف الذي مارسته السلطات، في حين يتمثل الثاني في كيفية تأثير هذه الأحداث على الحياة العائلية.  

يصور الفيلم صراعًا بين جيلين؛ الأب إيمان الذي يمثل الدولة، وشخصيات ابنتيه اللتين يمثلن حركة "امرأة، حياة، حرية"، ويدعمن حق المرأة في تقرير مصيرها وتحريرها من قيود النظام الأبوي، ومن قانون فرض الحجاب الإيراني. قد يبدو هذا الطرح مباشرًا للوهلة الأولى، إلا أن المخرج رسولوف تناوله بدقة وبراعة.

يشير اسم الفيلم "بذرة التين المقدس"، كما هو موضح في الدقائق الأولى منه، إلى نبات متسلق يلتف حول الأشجار الأخرى ويخنقها. وبالتالي، تمثل البذرة استعارة ذات بعدين؛ فهي قد ترمز إلى الأمل في بداية جديدة، كما يمكن أن تعبر عن النظام القمعي الذي يُقيد نفسه ويخنق المجتمع.

زوجان يجلسان مقابل بعضهما البعض، تم تصويرهما من الجانب.
القاضي إيمان وزوجته نجمة في فيلم "بذرة التين المقدس". (Photo: Films Boutique Alamode Film)

تضفي حياة المخرج الشخصية زخمًا إضافيًا للفيلم، حيث صادر النظام الإيراني جواز سفره عام 2017، ولم يعد قادرًا على صناعة أفلامه إلا سرًا وبصعوبات بالغة. كما لم يتمكن من استلام جوائزه بشكل شخصي في مهرجانات الأفلام العالمية، مثل مهرجان برلين سنة 2020 عندما فاز فيلمه "لا يوجد شر" بجائزة الدب الذهبي.

وكردة فعل على إعلان عرض فيلم "بذرة التين المقدس" في مهرجان كان السينمائي، حُكم على رسولوف بثمانية أعوام أخرى من السجن، مما دفعه هو وأعضاء آخرين من فريقه إلى الفرار خارج البلاد. وصف رسولوف ظروف الهروب هذه لصحيفة الجارديان البريطانية على أنها كانت "منهكة وخطيرة للغاية"، حيث هرب مشيًا عبر الجبال ودامت عملية هروبه ستة أسابيع.  

في مايو/ أيار الماضي، تمكن رسولوف من تقديم فيلمه "بذرة التين المقدس" شخصيًا في مهرجان "كان"، ويعيش في منفاه حاليًا في ألمانيا.  

فيلم مناسب لصورة الغرب عن إيران

يجب ألا نغفل أن التفاعل الإيجابي مع الفيلم يرجع أيضًا إلى توافقه مع الرؤية الغربية لإيران، وكان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد صنّف الفيلم كأحد أفلامه المفضلة لهذا العام.  

لاقى كل من فيلم "بذرة التين المقدس" ومخرجه محمد رسولوف ترحيبًا كبيرًا في ألمانيا، لكن اختيار الفيلم لتمثيلها في جوائز الأوسكار أثار جدلًا بين النقاد الألمان. وكتب الصحافي روديغر زوخسلاند: "إنها فضيحة صغيرة وصفعة كبيرة على وجوه كل المنتجين وصانعي الأفلام الألمان"، وأشار أنّ صانعي وصانعات الأفلام الألمان يفتقرون لمثل هذا الدعم.  

لكن التركيز على جنسية الفيلم سواء كان لألمانيا أو فرنسا أو حتى جنوب إفريقيا قد يكون غير مهم مقارنة بقضية أخرى جرى تهميشها تمامًا في الفيلم. إذ لم يذكر أن جينا مهسا أميني كانت كردية أو أنّ الشعار السياسي "امرأة، حياة، حرية" يعود جذوره إلى حركة التحرير الكردية.   

جينا مهسا أميني ليست فقط امرأة؛ بل امرأة كردية

تقول الصحافية الكردية شام جيف، لـ "قنطرة" إنّ الفيلم يختزل الحركة في سردية نسوية بحتة تتوافق مع المنظور الغربي، مضيفة: "ثورة جينا في إيران ليست نسوية فحسب، ولا تتمحور حول خلع الحجاب فقط، بل هي حركة ناقدة للنظام ذات أبعاد مختلفة وتعبر عن الفئات المهمشة". 

سواء تم ذلك عن قصد من المخرج أم لا، فإنّ ذلك لا علاقة له بتأثير الفيلم، وتضيف: "ما كان يخشاه الأكراد حدث بالفعل؛ فقد جرى تهميش حقيقة أن مهسا أميني كردية، رغم أن الاحتجاجات بدأت في المناطق الكردية، حتى أنّ الفيلم يعرض مقاطع فيديو من تلك المناطق، لكن دون الإشارة إلى سياقها، وبهذا يمكن اعتبار الفيلم فرصة ضائعة في تسليط الضوء على قضية هامة". 

إنّ تركيز الفيلم على قضية نسوية ليس أمرًا سلبيًا في حد ذاته، لكن النقد هنا ينصب إلى تجاهل هوية الفتاة التي انطلقت الاحتجاجات بسببها في عام 2022. في هذا السياق، يُطرح السؤال نفسه، عمّا إن كانت ألمانيا ستسمح بتمثيل الفيلم لها في جوائز الأوسكار حال ركز في المقام الأول على وجهة النظر الكردية. 

تشكك جيف في ذلك، قائلة: "لو كان الفيلم عن القضية الكردية، ربما لتم اعتباره مشكلة داخلية إيرانية، ولم يكن ليحظى بنفس الاهتمام الغربي". 

 

ترجمة: لبنى الجليدي

قنطرة ©