جدل حكومة ألمانيا حول الإسلام...رب ضارة نافعة
نقاش انتماء الإسلام والمسلمين إلى ألمانيا الذي فتحه وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر قد يدفع بالتفكير في الحلول إلى الأمام إنْ فهم مسلمو ألمانيا: كيف تورد الإبل، وكيف يخلقون مسارات عمل بنيوية داخل مؤسساتهم التمثيلية وخارجها مع المؤسسات الوصية على ملف الاندماج والأمن ومؤسسات الحفاظ على الدستور، دون خوف ودون الاعتماد على حسن النوايا فحسب!
ففي عام 2010 أثار الرئيس الألماني آنذاك كريستيان فولف جدلاً حادًا بتصريحه في بيان صحفي بأن "الإسلام ينتمي أيضًا إلى ألمانيا"، حيث اعتمدت المستشارة ميركل هذا البيان في ولايتها عدة مرات قبل و بعد عملية استقبال اللاجئين، وبجرأة سياسية منقطعة النظير جعلت بعض الصحف بريشة كاريكاتوريها ترسمها وهي مرتدية للحجاب. وزير الداخلية الجديد هورست زيهوفر بدأ على الفور في المقابلة الأولى بعد توليه منصبه الجديد بالابتعاد عن رئيسته ميركل، مصرحا بأن المسلمين الذين يعيشون في البلاد ينتمون إلى ألمانيا، على عكس دينهم الإسلام. وهو فصل افتزازي بين الدين والمتدينين قد لا يستقيم ولا يستسيغه ويقبله فهم الكثير من المسلمين ورجالات الفكر. جدل حكومي ألماني حول الإسلام قد يستفيد منه مسلمو ألمانيا لكن بشروط ولقد جنى السيد الوزير الجديد انتقادات من زملائه السياسيين ووصفوا إلى جانب التمثيليات المسلمة في ألمانيا تصريحه بـ "الهراء" و "اللغو". ولم تكتفِ السيدة المستشارة الألمانية ميركل بموقف المتفرج، بل صرحت بعد وزيرها في الداخلية: "هؤلاء المسلمون هم أيضا جزء من ألمانيا، وبالتالي فإن دينهم الإسلام ينتمي إلى ألمانيا". بهذا نكون أمام جدل حكومي قد يستفيد منه مسلمو ألمانيا لكن بشروط. إن ميزة ارتباط المسلمين بدينهم كمرجعية وسياق مكنهم من توطين الإسلام في السياقات الاجتماعية الألمانية بشكل تدرُّجي وفطري، يعتمد على التواصل الخجول والسلم والوسطية ودعم الانسجام الاجتماعي دون تدوين وتأريخ للحدث بالصوت والصورة. هذه الوضعية جعلت المسلمين يفتقدون إلى أرشيف يبرهنون به على هذا الوجود التاريخي. لكن كل هذا التنزيل لهذا التدين و بناء أَزْيَد من 2500 مسجد ودور عبادة في ألمانيا بقي سجين تصورات سكونية وتقليدية تغلب عليها المزايدات و الصراعات الداخلية، ولم تتماشَ مع التحديات و المطالب والإكراهات لتجيب على بعض الأسئلة المعرفية المرتبطة بالتكوين والتعليم وتشكيل رأي مدني فاعل في المنطقة، ولتجيب كذلك على بعض الأسئلة الوجودية المرتبطة بتكوين انتماء و هوية ثقافية ومناعة قوية للمواطن الألماني المسلم، خصوصا لدى شبابنا المتعطش لمعرفة ذاته و المتعطش للحوار و تصريف كفاءاته ومتعطش لإيجاد محاورين في شخص الأئمة ومسؤولي المساجد. فالهوية من أهم السمات المميزة للمجتمع، لأنها التي تجسد الطموحات المستقبلية في المجتمع تنطوي على المبادئ والقيم، التي تدفع الإنسان إلى تحقيق غايات معينة، وهذا ما أكد عليه عابد الجابري حين رأي أنه لا تكتمل الهوية الثقافية ولا تبرز خصوصيتها، ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة على نشدان العالمية إلا إذا تجسدت مرجعتيها في كيان تتطابق فيه ثلاثة عناصر: الوطن ( الجغرافية والتاريخ )، الدولة ( التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة )، والأمة (النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة).
ولهذا وجب على مسلمي ألمانيا داخل هذا السياق الذي فتح أبوابه السيد الوزير الفيدرالي مشكورا التفكير في هذا الثلاثي وإظهار مواقف شجاعة في الولاء للدولة الألمانية ودستورها، والأمة الإسلامية في الولاء للانتماء الروحي والتعبدي للدين الإسلامي الحنيف في وسطيته وعدله وتفاعله، و إجراءات الحوار و تدبير الاختلاف و الحفاظ على الانسجام الاجتماعي و العيش المشترك. "حاجة إلى قواعد بين الدين الإسلامي والدولة الألمانية" في الجدل الدائر حول انتماء الإسلام لألمانيا من عدمه وما خلفه تصريح زيهوفر من بلبلة و تشويش على المسلمين -أفراداً و عائلات و جمعيات وتمثيليات و اتحادات مسلمة- طالب رئيس حكومة ولاية شمال الراين ويستفاليا، و هو عضو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أرمين لاشيت، اعتراف الدولة بالمسلمين كجماعة أو كطائفة دينية. وقال: "نحتاج إلى قواعد للإسلام في مجتمع أكثر علمانية". "هذا التعقيد يتضمن توضيحًا للعلاقة مع الدولة، كما فعلنا منذ فترة طويلة مع الكنائس المسيحية" الاعتراف بالإسلام والمسلمين كمجتمع ديني هو هدف طموح يعتبره السيد لاشيت صحيحًا ومهمًا، لكن يبقى أمرا معقدا من الناحية القانونية مؤكدا على أن "المناقشات النظرية لا تحل المشاكل"، فهذا إِذَنْ توجه سليم لرجل دولة يخاطب الآخر ويخاطبنا نحن كذلك كجزء من هذا الآخر.
ويبقى السؤال المشكل من عدة أسئلة/اقتراحات مطروحا في أوساطنا نحن مسلمي ألمانيا:
- ماذا أعددنا من عدة وعتاد فكري و بنيان مرصوص للدخول في مرحلة البناء هذه مع القفز على هذه الغثائية إن صح التعبير؟ - هل فكرنا في الجلوس إلى مائدة الحوار مع رجالات الكنيسة والبِيَع للتفكير في عقد حلف ديني/مدني تدافعي لتبني مسيرة الاعتراف بنا المشار إليها سلفا لاستثمار الأشواط التي قطعوها "هم" لتقليص الطريق علينا "نحن" ولكي لا نجتر اجتياز نفس المسار؟ -هل فكرنا في فهم هذه التعقيدات القانونية الذي أشار إليها رئيس وزراء الولاية الألمانية -والذي كان وزيرا للاندماج بنفس الولاية سابقا- وذلك لإيجاد حل لها بشكل تشاركي جماعي و موحد فيما بيننا وبعد ذلك مع الجهات الوصية؟ - لماذا لا نضع حدًا لهذه القصيدة "كل يغني ليلاه" ونوحد الكلمة تحت إشراف رجالات القانون والحقوق المدنية، ولنا منهم من بني جلدتنا ثلة لا بأس بها و لله الحمد؟ - كيف لنا ذلك ونحن لم نتمكن حتى من حل إشكالية الصوم الموحد و توحيد يومية الصيام بين مسجدين لا تفصل بينهما إلا دور سكنية لا تتعدى أصابع اليد الواحدة؟
نِعَمٌ مستترة يحملها النقاش الذي فتحه زيهوفر أعتقد و الله أعلم ان هذا النقاش الذي فتحه السيد زيهوفر يحمل من النعم المستترة النزر الكثير، وعلينا البحث عنها بتفكير مدني واضح وسلس و هادئ و منطقي مع كل الأطراف والجهات المسؤولة دون إقصاء و دون الاعتماد على دور الضحية أو نظرية المؤامرة. علينا السعي في استحضار هذا السؤال المرتبط بوجودنا، وتموقعنا و لخدمة هذا الانتماء ليس من باب الإحسان فحسب، بل من باب سلطة القانون و ثقافة الاعتراف والذي سنضع لبناته ابتداءً من هذا النقاش. محمد عسيلة حقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de