"إكراه المسلمين والمسيحيين الهنود على اعتناق الهندوسية"
القوميون الهندوس يُسمُّون ذلك "عودة"، بيد أنَّ المسلمين والمسيحيين يتحدَّثون عن تحوُّل إلى الديانة الهندوسية تحت الضغط. منذ إقامة عدد من المراسم العامة - التي تم فيها تحويل مجموعات كبيرة من المسيحيين والمسلمين إلى الديانة الهندوسية، اندلع في الهند نقاش حاد حول شرعية التحوُّلات الجماعية إلى الديانة الهندوسية وقانونيتها، المنظمة من قبل القوميين الهندوس. اكتسب هذا النقاش أهمية خاصة من خلال حقيقة أنَّ حزب بهاراتيا جاناتا BJP القومي الهندوسي بات منذ شهر آيار/ مايو الماضي 2014 يشكِّل الحكومة في العاصمة الهندية نيودلهي.
كان سبب هذا النقاش مراسم أقيمت في حي عشوائي فقير في مدينة أغرا الواقعة في شمال الهند. وأغلب سكان هذا الحي يعتبرون من المهاجرين المسلمين القادمين من إقليم البنغال والذين يعيشون من جمع النفايات. وبحسب تقارير الصحافة الهندية فقد تمت دعوتهم في الثامن من شهر كانون الأوَّل/ ديسمبر 2014 إلى اجتماع من أجل التسجيل - مثلما قيل لهم - للحصول على مساعدات اجتماعية. وعندما اجتمع الأهالي تمت مفاجأتهم بوضع تمثال لإله وبالبدء بغناء تراتيل دينية. وفي نهاية هذا الطقس الشعائري قيل إنَّهم أصبحوا من الآن وصاعدًا هندوسًا.
الإكراه في الدين
أثار هذا الحدث في الرأي العام جدلاً شديدًا. ولكن مع ذلك فإنَّ هذا الحدث لم يبقَ حدثًا منفردًا. ففي الأسابيع الماضية كان يدور الحديث بشكل شبه يومي حول إقامة المزيد من المراسم التي تم فيها تحويل بعض المسيحيين والمسلمين إلى الديانة الهندوسية. وفي حين أنَّ منظمة فيشوا هندو باريشاد VHP القومية الهندوسية وكذلك جمعية الصحوة الدينية "دارم جاجان ساميتي" DJS، اللتين تقفان في معظم الحالات خلف هذه الحملة، تشدِّدان على طابع الحملة التطوُّعي، وردت العديد من التقارير التي تفيد بأنَّ المشاركين قد تم وضعهم تحت الضغط أو تم وعدهم بالحصول على المال أو الأرضي أو منافع وامتيازات أخرى.
وفي حين أنَّ رئيس الوزراء ناريندرا مودي ركَّز للوفاء بوعوده في حملته الانتخابية على التنمية الاقتصادية وامتنع عن الإدلاء بأي تعليق علني على هذه التحوُّلات، وجَّه النقَّاد إليه وإلى حزبه تهمة دعم هذه الحملة. وعلى الرغم من أنَّ منظمة "فيشوا هندو باريشاد" وجمعية "دارم جاجان ساميتي" تعتبران رسميًا مستقلتين عن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، إلاَّ أنَّهم مع ذلك ينتسبون جميعهم إلى الأسرة القومية الهندوسية - المعروفة باسم "سانغ باريفار" (أسرة سانغ) - التي تتصدَّرها الحركة التطوُّعية المسلحة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" RSS.
وحركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ التي تأسَّست في عام 1925 - تعتبر نفسها رأس حربة أمَّة المستقبل الهندوسية المُصلحة. وأعضاء حركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ المدرَّبين تدريبًا شبه عسكري والمنظَّمين تنظيمًا هرميًا والذين تم تأطيرهم طيلة أعوام، يشكِّلون - في زيِّهم المكوَّن من قبَّعة سوداء وقميص أبيض وشورت كاكي اللون - العمود الفقري للمنظمات الفرعية التي تم تأسيسها في الخمسينيات مثل منظمة فيشوا هندو باريشاد وجمعية دارم جاجان ساميتي أو حزب بهاراتيا جاناتا. إذ إنَّهم لا يشتركون جميعهم في الأيديولوجيا نفسها فقط، بل إنَّ جزءًا كبيرًا من كوادرهم أصلهم من حركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، مثلما هي الحال أيضًا مع رئيس الوزراء.
العودة بدل التبشير
وبالنسبة للقوميين الهندوس لا يتعلق الأمر عندما يعتنق أشخاص مسيحيون أو مسلمون الديانة الهندوسية بالتحوُّل إلى هذه الديانة، بل بالـ"عودة" (غار وابسي). فمن وجهة نظرهم يعتبر المسلمون والمسيحيون في الهند في الحقيقة هندوسًا، تخلوا عن دينهم مكرهين على ذلك من قبل الفاتحين المسلمين أو مُغرَّرًا بهم من قبل المبشِّرين المسيحيين. والقوميون الهندوس يتجاهلون أنَّ تغيير الدين يعود في الغالب إلى عدة أجيال - ومن وجهة نظرهم يعدّ ذلك عودة إلى الإيمان الأصلي وليس تبشيرًا.
وبحسب منطقهم الخاص من الطبيعي جدًا هنا أيضًا أن يطالب في الوقت الحالي وبشدة حزب بهاراتيا جاناتا بفرض حظر عام على التحوُّلات. وكنموذج للقانون المقترح، من الممكن استخدام حكم صادر في ولاية غوجارات الواقعة غرب الهند، والتي حكمها نارندرا مودي طيلة أعوام. وفي هذه الولاية، التي شهدت في ربيع عام 2002 في فترة حكم نارندرا مودي بعضًا من المذابح الأكثر دموية ضدَّ المسلمين في تاريخ الهند الحديث، يسري منذ عام 2003 حكم ينص على أنَّ جميع التحوُّلات يجب أن تتم الموافقة عليها من قبل السلطات.
الولاء المقسَّم
وعلى الرغم من أنَّ الهند هندوسية بنسبة تزيد عن ثمانين في المائة وأنَّ المسيحيين بالذات يشكِّلون أقلية صغيرة نسبتها اثنين في المائة، بيد أنَّ حركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ ومنذ تأسيسها تحذِّر من "الانقراض" الخفي للهندوس. فالهند تعتبر في نظرهم دولة الهندوس. وبحسب مفهومهم القومي فإنَّ المسيحيين والمسلمين لا يمكنهم أبدًا أن يكونوا هنودًا تمامًا كما أنَّهم متَّهمون دائمًا بأنَّ لديهم ولاءً مقسَّمًا. وهكذا فقد كتب فيناياك دامودار سافاراكار، المنظِّر الإيديولوجي للقوميين الهندوس، في عام 1921 في كتابه المؤثِّر "هندوتفا - من هو الهندوسي":
"حتى وإن كانت هندوستان هي الوطن بالنسبة لهم (أي للمسلمين والمسيحيين) مثلما هي الحال بالنسبة لأي هندي آخر، فهي ليست أرضهم المقدَّسة. وأرضهم المقدَّسة تقع بعيدًا في جزيرة العرب وفلسطين. وأساطيرهم وآلهتهم وأفكارهم وأبطالهم ليسوا أبناء هذه الأرض. وبالتالي فإنَّ أسماءهم ونظرتهم إلى العالم تفوح منها رائحة أصل غريب. وحبُّهم مُقسَّم".
ومن وجهة نظر الزعيم الثاني في حركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ، مادهاف ساداشيف جولوولكر، لا يوجد مكان في الهند للمسيحيين والمسلمين - الذين لا يبقى أمامهم سوى التحوُّل إلى الهندوسية أو الخضوع والطاعة التامة. فهكذا كتب مادهاف ساداشيف جولوولكر في عام 1939 في كتابه "نحن، أو تعريف أمَّتنا"، الذي وصف فيه حرمان اليهود من حقوقهم في ألمانيا إبَّان الحكم النازي على أنَّه نموذج للتعامل مع الأقليات:
"يجب على الأعراق والأجناس الغريبة في هندوستان إمَّا أن تتبنى الثقافة واللغة الهندوسية وتتعلم مراعاة واحترام العرق والثقافة الهندوسية (...)، أو أنَّهم يستطيعون البقاء في البلاد خاضعين تمامًا للأمة الهندوسية، من دون مطالبتهم بشيء، من دون استحقاقهم أية امتيازات أو حتى معاملة تفضيلية - ولا حتى حقوق مدنية".
لم تعد تُسمع اليوم مثل هذه الأصوات المتطرِّفة من قيادة حركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ. ولكن في خضم الجدل الدائر حول التحوُّلات في مدينة أغرا قال رئيس جمعية دارم جاجان ساميتي المحلي، سينغ راجشوار في منتصف شهر كانون الأوَّل/ ديسمبر 2014: "هدفنا هو تحويل الهند بحلول عام 2021 إلى دولة هندوسية. والمسيحيون والمسلمون ليس لديهم الحقّ في البقاء هنا. إمَّا أنَّهم سيتحوَّلون إلى الهندوسية أو سيُجبرون على الخروج من هنا". ووعد سينغ راجشوار بأنَّه سيتكفَّل بأن تكون الهند بحلول نهاية عام 2021 خالية من المسلمين والمسيحيين.
صمت رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي
وفي حين أنَّ المعارضة العلمانية مستاءة من ذلك، يلتزم ناريندرا مودي الصمت. هذا السياسي، الذي لعب في المذابح ضدَّ المسلمين في عام 2002 بصفته رئيسًا لوزراء ولاية غوجارات دورًا يعتبر محل خلاف كبير، لا يكاد يعود إلى الحديث حول المسائل القومية الهندوسية المركزية. وعوضًا عن ذلك فهو يراهن تمامًا على الاقتصاد والتنمية ويقدِّم نفسه كمصلح ليبرالي. وهذا يؤتي ثماره - ليس فقط في الانتخابات. وفي حين أنَّ ناريندرا مودي كان يعتبر بعد عام 2002 في الغرب شخصًا منبوذًا، بات يتم اليوم التودُّد له حتى من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي زار نيودلهي في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير 2015.
ولكن هل حقًا أنَّ ناريندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا قد تغيَّرا؟ المجلة اليسارية "فرونت لاين" لا تصدِّق ذلك، لأنَّ ناريندرا مودي كان - بحسب وصفها - ولا يزال ناشطًا في حركة راشتريا سوايامسيفاك سانغ. فقد كتبت عنه هذه المجلة: "هو بالذات جزءٌ منهم ولا يفكِّر ويتحدَّث بشكل مختلف عنهم. ولا يمكنه ترويض النواة الصلبة، فناريندرا مودي بالذات هو النواة الصلبة. (...) نارندرا مودي يشاطر سانغ باريفار (الأسرة القومية الهندوسية) وجهة نظرها المتزمِّتة - وهي التي شكَّلته. وهذا يفسِّر صمته المُتعمَّد طوال هذه الفترة التي تدوّي فيها الدعوة إلى التحوُّل عبر الأجواء. وفي الداخل يفرح ويمرح".
أولريش فون شفيرين
ترجمة: رائد الباش