انفتاح على تقنين الإجهاض ومطلب بتقبل الواقع المغربي كما هو
لا يزال عدد النساء اللواتي يقدمن على الإجهاض بطريقة غير قانونية في المغرب غير معروف، وذلك بسبب عدم وجود أية دراسات حتى الآن حول هذا الموضوع. ولكن مع ذلك توجد تقديرات تستند إلى عيِّنات وتخمينات مبنية على تجارب منظمة الصحة العالمية WHO: وتفيد هذه التقديرات بأنَّ هناك ما لا يقل عن مائتي ألف عملية إجهاض غير قانونية يتم إجراؤها سنويًا في المغرب.
وبما أنَّ عمليات الإجهاض غير القانونية لدى الأطباء باهظة الثمن - إذ تتراوح تكلفة العملية الواحدة ما بين ما يعادل مائتي يورو وستمائة يورو - فإنَّ نحو عشرين في المائة من النساء المعنيات يلجأن بسبب عدم توفر المال إلى الإجهاض بطرق غير آمنة، وكثيرًا ما تكون لها عواقب وخيمة. ونتيجة لذلك يموت في كلِّ عام نحو سبعة آلاف امرأة مغربية بسبب العواقب المباشرة أو غير المباشرة لعمليات الإجهاض التي يتم إجراؤها بطرق غير مهنية.
شفيق الشرايبي هو كبير أطباء ورئيس قسم النساء والولادة في مستشفى حكومي كبير بالرباط. ويوميًا يشاهد مريضات يعانين من عواقب عمليات الإجهاض غير القانونية التي يتم إجراؤها بطرق غير مهنية. وفي لقاء مع موقع قنطرة يقول الدكتور شفيق الشرايبي: "توجد لدى هؤلاء المريضات أسوأ حالات النزيف وحالات عدوى خطيرة وكذلك إصابات وجروح في الأعضاء التناسلية وحالات تسمم. وفي بعض الأحيان يكون الوقت قد فات، ولا يعد بإمكاننا إنقاذ هؤلاء النساء". ويضيف: "هذا أثار غضبي، ولذلك أردت أن أفعل شيئًا ما".
معارضة القضاء للأطباء
في عام 2008 قام الدكتور شفيق الشرايبي مع بعض الزملاء والزميلات بتأسيس "الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري" AMLAC. وهذه الجمعية تلعب دورًا قياديًا في النقاش الحالي الدائر حول تحرير قانون الإجهاض في المغرب.
لو كان الإجهاض مشروعًا في المغرب، فمن الممكن حينئذ إنقاذ حياة العديد من النساء وتجنُّب الكثير من التعقيدات. ولكن حتى الآن لا يجوز للأطباء في المغرب إجراء عمليات الإجهاض إلاَّ ضمن شرط محدَّد: أي في حال وجود خطر جسدي على صحة الأم الحامل. ومَنْ يُخالف ذلك يُعرِّض نفسه لخطر السجن مدة تصل حتى خمسة أعوام، وهنا يعمل القضاء بجد ونشاط. وكثيرًا ما يتم رفع دعاوى قضائية وإصدار أحكام قاسية بحقِّ بعض أطباء النساء.
وحتى أنَّ الإدلاء بتصريح علني حول هذا الموضوع يمكن أن يكون أمرًا خطيرًا: ففي نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2015 تم إيقاف الدكتور شفيق الشرايبي عن عمله في رئاسة قسم النساء والولادة في مستشفى التوليد بالرباط، وذلك لأنَّه ساعد طاقمًا تلفزيونيًا فرنسيًا في إعداد تقرير حول عمليات الإجهاض غير القانونية في المغرب. مما اضطره إلى الذهاب إلى المحكمة من أجل إلغاء القرار الخاص بإيقافه عن عمله.
دعم من قبل الأسرة المالكة
ولذلك فمن المدهش أكثر أنَّ المدافعين عن تحرير قانون الإجهاض يحصلون الآن مثلما يبدو على الدعم من الأعلى: ففي السادس عشر من شهر آذار/مارس 2015 استدعى الملك محمد السادس كلاً من وزير العدل ووزير الشؤون الدينية وكذلك وزير حقوق الإنسان إلى قصره وكلَّفهم بوضع مسوَّدة أولى لمشروع قانون جديد خلال شهر واحد. وفي المشاورات حول هذا القانون شارك علماء وفاعلون في المجتمع المدني وممثِّلون عن وسائل الإعلام.
ومنذ الخامس عشر من شهر أيَّار/مايو 2015 تم عرض مسوَّدة مشروع إصلاح قانون الإجهاض. وقد أوصى مستشارو الملك بأن تكون عمليات الإجهاض مسموحة في المستقبل ليس فقط في حال وجود خطر على حياة الأم، بل كذلك في حال وجود خطر على صحة الأم، وفي حال وجود تشوُّه خلقي كبير أو مرض مستعصٍ لدى الجنين، وأيضًا في حالات الاغتصاب أو زنا المحارم.
وقد جاء تقييم المنظمات النسائية المغربية منتقدًا لمسودة القانون الأولى. إذ أعلن في الخامس والعشرين من شهر أيَّار/مايو 2015 تحالف واسع النطاق مكوَّن من منظمات نسائية مغربية، يحمل اسم ربيع الكرامة Le Printemps de la Dignité، عن أنَّه يرحِّب بهذا الانفتاح الجديد في موضوع الإجهاض.
غير أنَّ هذا التحالف يرى أنَّ مسودة مشروع الإصلاح المعروضة حاليًا لا تعالج الواقع الحقيقي. حيث جاء في إعلانه أنَّ "المؤشرات المذكورة لا تشمل سوى أقلية صغيرة من النساء المعنيات. وبالإضافة إلى ذلك يتم التعامل مع إجهاض الحمل على أنَّه مسألة تتعلق بالدين والأخلاق، ولكن ذلك يتعلق بالصحة العامة".
وكذلك أعربت حفيظة الباز، وهي عضوة قيادية في "جمعية التضامن النسوي" التي تعمل لصالح الأمهات العازبات، عن خيبة أملها من مسودة هذا القانون: "لقد كان من الواضح أنَّ هذه اللجنة الاستشارية سوف تعمل بشكل حذر جدًا. بيد أنَّنا لم نكن نتوقَّع أنَّ هذا المشروع سوف يخرج بهذا الشكل المقيَّد للغاية. ففي مسوَّدة هذا القانون لا يرد على الإطلاق إن كانت النساء المتضرِّرات قاصرات أو معاقات عقليًا. لذلك فنحن نشعر بخيبة أمل".
المطالبة بعدم تجريم الإجهاض
ومن جانبهن تطالب الناشطات المغربات العلمانيات العاملات في مجال حقوق المرأة بعدم تجريم الإجهاض بشكل عام، وأن يُتخَذ ذلك بناءً على أساس حقوق الإنسان العالمية وتقرير مصير المرأة. ولكن بالنسبة للكثيرين من المغاربة ذوي الطبيعة الدينية القوية فإنَّ حقوق الإنسان الخاصة بالمرأة لا تحتل مكان الصدارة، بل إنَّ الأمر الأهم لديهم هو حماية حياة الجنين غير المولود، مثلما يقول الباحث في العلوم الإسلامية نيلس فيشر: "ينصّ القرآن الكريم على تحريم القتل، كما أنَّ حماية الحياة تعتبر أساسًا محوريًا في الإسلام".
وعلى الرغم من أنَّ القرآن الكريم لا يقول بشكل صريح أي شيء حول الإجهاض، ولكن في السُّنة النبوية وكذلك في كتب الطب الإسلامية توجد العديد من الشواهد حول المراحل المبكرة من حياة الإنسان في رحم أمِّه، مثلما يقول نيلس فيشر: "يرى بعض المفسِّرين والمؤلفين أنَّ الروح تحلُّ في الجنين بعد أربعين يومًا، بينما يعتقد الآخرون أنَّ حلول الروح لا يكون إلاَّ بعد مائة وعشرين يومًا. وهذان هما الرأيان الأهم حول حلول الروح في الجنين".
وبناءً على نظرية حلول الروح المرحلي فقد كان الفقهاء المسلمون يسمحون حتى مطلع القرن العشرين بالإجهاض في ظلِّ ظروف معينة. ولكن اليوم يرى الكثيرون أنَّ بداية الحياة تكون مع إخصاب البويضة أو بعبارة أخرى مع التعشيش في الرحم، ولذلك فهم يدعون إلى فرض حظر تام على الإجهاض.
غير أنَّ ما يقوله العلماء والفقهاء المسلمون لا يجب تبنيه بالضرورة من قبل السياسيين. وهكذا فقد سمحت تونس في السبعينيات بإجراء عمليات الإجهاض شبه المجانية في المستشفيات الحكومية. وذلك لأنَّ النخب التونسية الحاكمة كانت تعير أهمية أكبر للسياسة السكانية - بينما تم إرجاء الفتاوى الدينية ذات الصلة.
إصلاحات ذات تأثير دلالي في السياسة الاجتماعية
في المغرب تختلف الاهتمامات السياسية، ولكن هنا أيضًا يتم اتِّباع سياسة القوة في قضية الإجهاض المشحونة عاطفيًا. إذ إنَّ مراقبي المشهد السياسي المغربي يجدون أنَّ هناك تشابهًا مع إصلاح قانون الأحوال الشخصية المغربي (المدوَّنة) الذي تم إقراره في عام 2004 - وقد ألغى مبدأ الطاعة ومنح أخيرًا الزوجات المغربيات إمكانية التقدم بالطلاق من جانبهن.
وفي تلك الأيَّام لم يكن الملك محمد السادس معنيًا فقط بتحرُّر المرأة، بل كان يريد أيضًا إرسال إشارة سياسية إلى النخب الحداثوية في داخل مملكته وخارجها. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان الهدف من إصلاح المدوَّنة هو محاصرة المعارضة الإسلامية وإيقافها عند حدِّها.
من المقرَّر أن يتم في شهر أيلول/سبتمبر القادم 2015 إجراء الانتخابات البلدية والمحلية في المغرب. وبحسب إرادة الملك فمن المفترض ألاَّ يتمكَّن أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد - أي حزب العدالة والتنمية الذي يمتلك أكثر من ربع المقاعد في البرلمان ويمثِّل رئيس الوزراء - من توسيع نفوذه أكثر من ذلك. ولكن في الواقع من الممكن أن يستفيد هذا الحزب من بعض الموضوعات المشحونة عاطفيًا - مثل موضوع الإجهاض - في تسجيل نقطات أثناء حملته الانتخابية. ومن أجل الحيلولة دون حدوث ذلك فمن المفيد بالنسبة للملك أن يسيطر على الموضوعات السياسية الحساسة بشكل مناسب لمصالحه.
ومع حلول نهاية العام الحالي 2015 يُفترض أن يتم نشر قانون الإجهاض الجديد. ولكن حتى الآن لا يزال من غير المعروف كيف سيبدو هذا القانون في تفاصيله. وأمَّا "الأمر الحاسم فيكمن في كيفية تعريف المشرِّع لمفهوم الصحة"، مثلما يقول الدكتور شفيق الشرايبي في حديث مع موقع قنطرة.
"الوقاية هي الأهم"
من جانبها لا تُعرِّف منظمة الصحة العالمية مفهوم "الصحة" فقط بالصحة الجسدية، بل تعرِّفه أيضًا بالراحة النفسية والاجتماعية. وفي هذا الصدد يقول الدكتور شفيق الشرايبي: "إذا نجحنا في الاتِّفاق على هذا التعريف الشامل، فعندئذ سنكون قد انتصرنا".
وبصرف النظر عن تعريفات هذا المفهوم فمن الممكن التكهُّن بأنَّ النقاش حول موضوع الإجهاض سيؤدِّي إلى تغييرات في البلاد. "المجتمع المغربي يمر في مرحلة تحوُّل. وبطبيعة الحال فإنَّ الكثيرين من الشباب يمارسمون الجنس خارج إطار الحياة الزوجية. وفي الواقع تعتبر الوقاية هي الأهم. ولكن لسوء الحظ من النادر وجود تثقيف جنسي ومعلومات حول وسائل منع الحمل"، مثلما يقول الدكتور شفيق الشرايبي.
ليس هذا وحسب: حيث يتم في المغرب تجريم ممارسة الجنس خارج نطاق الحياة الزوجية كجريمة يعاقب عليها القانون باعتبارها دعارة. والأطفال المولودون نتيجة علاقة غير شرعية لا يتمتَّعون إلى حدّ بعيد بأية حقوق وكذلك يتم وصمهم سلبيًا في المجتمع.
وضمن هذا السياق تقول حفيظة الباز من جمعية التضامن النسوي: "عندما تكون لدينا محرَّمات أقل وحقوق أكثر للأمَّهات العازبات ولأطفالهن، فعندئذ سوف يكون الإجهاض في حالات كثيرة موضوعًا غير ذي أهمية". وفي الأشهر القادمة سوف يتعلق الأمر في النقاش الدائر في المغرب حول موضوع الإجهاض أيضًا بتقبُّل الواقع مثلما هو.
مارتينا صبرا
ترجمة: رائد الباش