نساء العالم العربي أصبحن أكثر حرية بفضل الربيع العربي
تتذكَّر فاطمة الشافعي العام 2011 وكأنَّه قد حدث بالأمس. لقد كانت حينها في وسط المظاهرات بمدينة أسيوط في وادي النيل على بعد نحو أربعمائة كيلومتر جنوب القاهرة. كان الربيع العربي بالنسبة للمهندسة فاطمة الشافعي (تم تغيير اسمها) - التي باتت الآن في الرابعة والخمسين من عمرها - تمرُّدًا على نماذج الأدوار التقليدية أيضًا.
وحول ذلك تقول: "قبل عام 2011، لم تكن النساء المصريات يلعبن أي دور سواء في الحياة السياسية أو الاجتماعية. وأحيانًا لم يكن يُسمح لنا حتى بأن نُحدِّد شكل حياتنا الخاصة". وتضيف أنَّ حياة أية امرأة مصرية من جيلها كانت تكمن في الزواج وإنجاب الأطفال وكسب المال.
أمَّا دخلها فكان يجب أن تنفقه فقط على احتياجات الأسرة، وأن تقوم مع ذلك بجميع الأعمال المنزلية وأن تهتم بنجاح الأطفال في المدرسة. "كلُّ هذا من دون تمتُّعها بأي اعتراف وتقدير أو حقّ المشاركة في الرأي. بعد ذلك في عام 2011، قالت النساء الأصغر سنًا انتهى هذا الآن، نحن لدينا حقوق أيضًا وأنتم الرجال عليكم أخيرًا أن تُقَدِّرونا".
لم يحقِّق الربيع العربي نجاحًا سياسيًا، ولكنه أدَّى من دون ريب إلى تغييرات اجتماعية: فقد ظهرت مشكلات - كان يتم التكتُّم عليها حتى ذلك الحين - مثل العنف ضدَّ المرأة، والنساء أصبحن يطالبن بتقرير مصيرهن الجنسي وبإنهاء الوصاية الذكورية عليهن وبالمزيد من المشاركة السياسية. صور الأسرة وأدوار الجنسين تتغيَّر. وربَّما يمكن القول إنَّ التغيير الأكبر يحدث في عقول النساء أنفسهن.
في عام 2011، تجاهلت فاطمة الشافعي - وهي أم تربي طفليها بمفردها - مخاوف أهلها وذهبت مع ولديها للتظاهر. وتقول إنَّ أهلها كرهوها من أجل ذلك. "بالنسبة لهم كنت مجنونة تمامًا. لم يستطيعوا فهم أنَّني أخذت ولديّ معي إلى مظاهرة، حيث كان من الممكن أن نتعرَّض للقتل أو الاعتقال أو التحرُّش. كانت لديهم في رؤوسهم مثل هذه الأفكار التي عفا عليها الزمن".
"نحن التونسيات أردنا المزيد"
وفي المقابل لم يكن بالنسبة لأسماء القاطري - وهي من مدينة الكاف التونسية الواقعة على الحدود مع الجزائر ويبلغ عمرها تسعة وعشرين عامًا - الخروجُ إلى الشوارع في مسقط رأسها عام 2011 خطوةً كبيرة. وحول ذلك تقول: "نحن التونسيات كان لدينا مكاننا في المجال العام حتى قبل الثورة. ولكننا أردنا المزيد".
وأسماء القاطري مهندسة بيئية وتقدم استشارات للشركات في قضايا الاستدامة. وقبل أن تستقل في عملها في عام 2017، كانت تعمل لدى منظمة غير حكومية تدعم النساء داخل المناطق الريفية في مقاومة العنف. وفي هذا الصدد تقول: "موضوع العنف ضدَّ النساء يهمني كثيرًا".
ويمكن هنا بالذات ملاحظة وجود تقدُّم أيضًا في جميع المشكلات. فبينما كانت هذه المشكلة في السابق من المحرَّمات الاجتماعية، باتت حاضرة بشكل علني منذ عام 2011. إذ تطالب الناشطات بحماية قانونية أفضل وتكسر النساء صمتهن ويبلِّغن عن الجناة ويكشفن عن مصائرهن.
وبعد عام 2016 تم في كلّ من الأردن واليمن ولبنان إلغاءُ قوانين معادية للمرأة، كان يخرج بموجبها المُغْتَصِبون من دون عقاب في حالة موافقة ضحاياهم على الزواج منهم. وتم تشديد العقوبات على ما يعرف باسم جرائم الشرف. فقد بات يجب الآن على الجناة توقُّع عقوبات سجن طويلة، كما أنَّ النساء المعرَّضات للخطر أصبحن يحصلن جزئيًا على حماية أفضل - مثلًا في ملاجئ النساء.
وفي تونس أيضًا تحسَّن الوضع القانوني. إذ إنَّ "القانون 58" يمثِّل بالنسبة لأسماء القاطري علامةً بارزة في حقوق المرأة (التونسية). تم إقرار هذا القانون بالإجماع في مجلس نوَّاب الشعب (البرلمان) في تونس عام 2017، وهو يُعاقِب جميع أشكال العنف ضدَّ المرأة، ويُنظِّم بالإضافة إلى ذلك عملية حصول الضحايا على حقوقهن وحصولهن في حالة الشك والارتياب على المساعدة.
وحول ذلك تقول: "القانون 58 كان أساسيًا بالنسبة لنا. فالنساء أصبحن اليوم بفضل الثورة أكثر حرية". وتضيف أنَّ النساء لم يكن لديهن في السابق أية فرص من أجل الدفاع عن أنفسهن عند تعرُّضِهن لتحرُّش جنسي - على سبيل المثال - أثناء موعد في البنك؛ ولكن ذلك تغيَّر اليوم.
وعلى الرغم من أنَّ ثلثي التونسيات لا يزلن يذكرن في استطلاعات الرأي أنَّهن قد تعرَّضن لتحرش جنسي، وأنَّ المجتمع أيضًا لا يزال يميل إلى تحميل الضحايا الذنب في مثل هذه الحوادث، غير أنَّ النساء الشابات المتعلمات جيِّدًا مثل أسماء القاطري لم يعدن على استعداد لقبول التجاوزات من دون شكوى، وهذا يُحدِث فرقًا كبيرًا.
تقول أسماء القاطري نفسها إنَّها لا تقبل المضايقات والتحرُّش الجنسي. وتضيف أنَّها ذات مرة دافعت عن نفسها حتى بشكل جسدي: "القانون يحمينا وتوجد الآن أيضًا العديد من المنظمات التي يمكن للمرأة التوجُّه إليها".
لم يحدث الكثير بعد في المناطقة الريفية
وفي مصر أيضًا انتهت تلك الأيَّام، التي كان يُعتبر فيها التحرُّش الجنسي - من دون جدال - جزءًا من كينونة المرأة. قبل عام 2011 لم يكن الناس يتحدَّثون حول العنف داخل أُسرهم أو في الشارع، مثلما تقول فاطمة الشافعي: "لقد تغيَّر الآن الوعي من دون شكّ داخل القاهرة وفي المدن الكبرى". وسيحتاج الأمر بعض الوقت حتى يتسرب ذلك إلى المدن الصغيرة والمناطق الريفية، مثلما تقول:
"لم يحدث الكثير بعد في منطقة الصعيد الريفية". ينتشر العنف داخل الأسرة انتشارًا واسعًا هناك وتحدث أيضًا "جرائم الشرف". وهذا - بحسب تعبيرها - يتعلق أيضًا بالوضع الاقتصادي الصعب. يسود هناك كثيرًا فقرٌ مدقع، ويضطر معظم الناس هناك إلى الاكتفاء بأقل من دولارين أمريكيين يوميًا من أجل المعيشة، فقد تدهور الوضع الاقتصادي في السنوات الأخيرة.
صدر في عام 2014 أوَّل قانون مصري عرَّف التحرُّش الجنسي كجريمة يعاقب عليها القانون. وفي عام 2018، أدانت جامعة الأزهر في القاهرة، وهي أهم مؤسَّسة في الإسلام السُّنِّي، التحرُّش الجنسي بصراحة - وعلى وجه التحديد بصرف النظر عن نوعية لباس المرأة. وهذا مهم لأنَّ النساء المتضرِّرات غالبًا ما يضطررن لسماع أنَّهن المسؤولات عن المضايقات وأنَّهن يُثِرن الاستفزاز بملابسهن أو بسلوكهن.
ويظهر التغيير الاجتماعي أيضًا في وضع النساء المطلقات أو الأمهات الوحيدات. تعرَّضت أمل لضغط اجتماعي كونها امرأة مطلقة وأمًّا تربي أطفالها بمفردها. "كان الطلاق بالنسبة للمرأة وصمة عار تجعلها تشعر شعورًا سيِّئًا للغاية"، مثلما تقول. وتضيف أنَّ أهلها دفعوها إلى عدم الخروج بمفردها؛ ولكنها لم تتقبَّل ذلك. "لأنَّني كنت أعمل دائمًا لم يستطع أهلي فرض إرادتهم".
أمَّا اليوم، مثلما تقول، فتنتقل الفتيات إلى مدن أخرى من أجل الدراسة أو يعشن بمفردهن - على الأقل في المدن الكبرى. ويتزوجن فيما بعد، وحتى أنَّ بعضهن لا يتزوجن بتاتًا، ويشكِّكن بالتالي في نماذج الأدوار القديمة، التي كانت تُعتبر لفترة طويلة في مصر بديهية.
"يتحمَّلن المسؤولية عن حياتهن الخاصة"
وفي المغرب تم في عام 2004 إدخال قانون أسرة أحدث ينص على المساواة بين الرجل والمرأة. وفي عام 2016 تم تحديد هذا القانون مرة أخرى نتيجة ذلك في قانون الأسرة الإسلامي، بحيث أنَّ الرجال والنساء باتوا متساوين في اتخاذ القرارات داخل الأسرة. ولم يعد يُعتبر الرجلُ ربَّ الأسرة. قد لا تكون الحال كذلك في الحياة العملية داخل المجتمع المغربي المحافظ، ولكن هذه الأحكام تمثِّل من الناحية القانونية نقلات نوعية حقيقية.
وهذا على الرغم من أنَّ الأزواج والإخوة والآباء يتدخَّلون في أسلوب حياة النساء الشخصي في المغرب أيضًا ويريدون أن يُحدِّدوا - على سبيل المثال - طريقة لباسهن وإن كن يرتدين الحجاب أم لا ويتحكَّموا فيما تفعله النساء في أوقات فراغهن. وفي هذا الصدد تقول أمل كنزاري من الدار البيضاء إنَّها ترى جيدًا أنَّ الكثير من النساء المغربيات يعانين من هذا التدخُّل في حياتهن: "ولكن بصراحة لا أفهم هؤلاء النساء اللواتي يصوِّرن أنفسهن دائمًا على أنَّهن ضحايا من دون حقوق ويسمحن بالتدخُّل في كلِّ شيء يخصهن. يجب على المرأة أن تتحمَّل المسؤولية عن حياتها".
وأمل كنزاري شابة في الثامنة والعشرين من عمرها، أنشأت مع صديقة مشروعًا اجتماعيًا. فهي تقوم بتصمم سلع جلدية يتم تصنعها من قِبَل نساء أمازيغيات من مناطق محيطة بالدار البيضاء وتبيعها داخل المغرب وفي أوروبا.
وأمل كنزاري تجسِّد جيلًا شابًا من نساء واثقات بأنفسهن يسعين إلى تحقيق أهدافهن الخاصة في الحياة ولا يدعن أحدًا يحرمهن منها. وتقول: "والدي كان يُشجِّعني دائمًا، ولكنه لا يتدخَّل في حياتي".
وهي سيدة أعمال شابة وغير متزوِّجة، وهي ملتزمة كثيرًا في مهنتها. ويشغلها كثيرًا السؤال عما إن كانت تستطيع أن تفعل ذلك هكذا وهي متزوِّجة أيضًا؟. وتقول إنَّ المرأة في الحياة العملية لديها من دون شكّ مزايا كونها امرأة: "توجد لسيدات الأعمال الشابات مثلي الكثير من البرامج. وأنا أحصل على دعم لا يحصل عليه الرجال بهذا الشكل".
وتوافقها في هذا الرأي أسماء القاطري من تونس. غير أنَّ هاتين المرأتين متحفِّظتان فيما يخص الزواج وتكوين أسرة. وحول ذلك تقول أمل كنزاري: " لأنَّنا نعيش في مجتمع يُثقل على كاهل المرأة بجميع الأعمال المنزلية، وكلُّ هذا إلى جانب عملها. من الصعب جدًا التوفيق بين الأسرة والعمل".
الرجال والعمل المنزلي: حالة صعبة
تدور في تونس منذ عام 2011 نقاشات كثيرة حول تقسيم العمل داخل الأسرة. فتوزيع الأدوار القديم يتم وضعه على المحك. تقول أسماء القاطري: "لقد بدأت النساء في المطالبة بتقاسم عادل للأعمال المنزلية وتربية الأطفال وكذلك بتقاسم دخل الأسرة. يوجد هنا تغيير في العقلية". وتضيف أنَّه يتم في عائلتها - على أية حال - توزيع المهام بشكل عادل، ويجب على إخوتها أيضًا المساعدة في الأعمال المنزلية.
لا يزال يوجد بطبيعة الحال - مثلما تقول هي - محافظون يعارضون التجديدات، ولكن "الأمور تتقدَّم إلى الأمام". وفاطمة الشافعي ترى الأمر هكذا في مصر أيضًا، حيث تعتبر نقطة البداية بالنسبة للنساء أصعب بكثير مما هي عليه في تونس. وترى لدى الجيل الجديد وأيضًا لدى أبنائها، الذين باتوا بالغين منذ فترة طويلة، وعيًا جديدًا بأنَّ النساء والرجال متساوون: "لم يكن يوجد لدى النساء من جيلي أي رأي. أمَّا النساء الأصغر سنًا فيطالبن ببساطة بالمزيد".
كلاوديا مينده
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2021