ربيع المرأة العربية الجديد
نادرًا ما يؤدِّي قرار صادر من الملك السعودي إلى إبكاء ناشطة في مجال حقوق المرأة. كتبت الناشطة منال الشريف البالغة من العمر ثمانية وثلاثين عامًا أنَّها سكبت "دموع السعادة" عندما قرَّر الملك السعودي السماح للنساء في هذه الدولة الأكثر تشدُّدًا في العالم الإسلامي بقيادة السيارة في المستقبل. وفي عمود لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أكَّدت على أنَّ: مفتاح السيارة هو "مفتاح التغيير". وأضافت: "لأوَّل مرة أجرؤ على أن أحلم بمملكة عربية سعودية مختلفة".
وكذلك لقد وردت أيضًا من بلدان عربية أخرى أخبارٌ سارة - للنساء. حيث تم قبل فترة قصيرة اتِّخاذ قرار في تونس يقضي بالسماح للنساء المسلمات بالزواج من رجال غير مسلمين. وبالإضافة إلى ذلك من المفترض أن تتم في المستقبل مساواتهن بالميراث.
وفي الصيف الماضي (2017) تم في كلّ من تونس والأردن ولبنان إلغاءُ فقرات من قانون العقوبات، كانت تنقذ المغتصبين من تعرُّضهم للسجن في حال زواجهم من ضحاياهم. لقد كافحت الناشطات في مجال حقوق المرأة طيلة أعوام من أجل إلغاء هذه المواد من القانون. وكانت هناك معارضةٌ ثقافيةٌ، ولكن أدَّى قبل كلِّ شيء الموقفُ السائدُ إلى شلِّ عملية التغيير، التي تضع حقوق المرأة على رأس قائمة القرارات السياسية الضرورية.
كانت الناشطة السعودية منال الشريف قد بدأت احتجاجها في عام 2011 على منع النساء من قيادة السيارات. وفي تلك الفترة جلست بشكل عفوي خلف عجلة القيادة وصوَّرت صديقةٌ لها قيادتها السيارة ثم انتشر هذا الفيديو بسرعة على شبكة الإنترنت. ونتيجة لذلك تم إعتقالها، غير أنَّ العديد من النساء سارعن إلى التضامن معها وتصوير أنفسهن أثناء القيادة. وهكذا وُلدت حركة نسائية.
وفي الوقت نفسه لقد ظلت فقرة "الزواج من المغتصب" تشكِّل موضوعَ نقاش لسنوات عديدة في العالم العربي. وكان سبب البدء بهذا النقاش إقدام شابة مغربية كان عمرها ستة عشر عامًا في عام 2012 على الانتحار بتناولها سم الفئران، وذلك نتيجة إجبارها على الزواج من مغتصبها. وبعد عامين تم في المغرب إلغاء هذه المادة. وفي الأردن لقد تمكَّنت النائبة وفاء بني مصطفى بعد أربعة أعوام من فرض مبادرتها في البرلمان. وأخيرًا تم إلغاء هذه الفقرة من القانون الأردني في الصيف الماضي (2017).
وفي لبنان ترى مؤسَّسة "أبعاد"، التي أطلقت لعدة أشهر حملةً ناجحةً من أجل إلغاء فقرة "الزواج من المغتصب"، أنَّ هناك بعض التقدُّم الاجتماعي أيضًا. وبحسب سليمة مردم بيك، الناطقة باسم هذه المنظمة، فقد كان يُنظر إلى هذا القانون مؤخرًا نظرة ناقدة جدًا لدى المواطنين اللبنانيين. وحول ذلك تقول إنَّ "خمسة وثمانين في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم كانوا يرون أنَّ هذه المادة تنتهك شرف المرأة وكرامتها".
وعلى الرغم من أنَّ هذا القانون كثيرًا ما يتم ربطه بالتقاليد العربية والإسلامية - غير أنَّه في الأصل مستمدٌ من قانون العقوبات النابليوني الذي يعود إلى عام 1810، وقد تم إدخاله عن طريق الاستعمار الفرنسي وفي شكله المعدَّل من قِبَل العثمانيين إلى العالم العربي.
لا بدَّ من أن يظهر في الأعوام القليلة القادمة كيف ستُغيِّر الإصلاحات الحالية الدول العربية على أرض الواقع. ففي نهاية المطاف لا تُظهر القوانين آثارها إلَّا بعدما يتم تنفيذها من قِبَل القضاة. ولكي يمارس القاضي نشاطه، يجب في البدء أن يتقدَّم شخص ما بشكوى.
الباحثة الألمانية-المصرية المختصة في العلوم السياسية، هدى صلاح، تضع هذه التطوُّرات في حقوق المرأة ضمن سياق الربيع العربي 2011، وتتفاءل بحذر. وتقول صحيح أنَّ الانتفاضات كانت كارثية بالنسبة للمنطقة، غير أنَّها جلبت معها أيضًا إعادة التفكير - حيث بات الناس يدركون أنَّ التغيير ممكن.
وعلاوة على ذلك فإنَّ معظم العرب هم من الشباب أيضًا. والكثيرون منهم مرتبطون مع العالم عبر شبكة الإنترنت ويريدون التغيير. وفي هذا الصدد تقول هدى صلاح: "هذا يزيد من الضغط على الحكَّام ويجعلهم يعلنون عن استعدادهم للبدء في الإصلاحات". لقد لعبت هنا وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا. "عبر موقعي تويتر وفيسبوك تبدأ النقاشات، وتليها عشرات الآلاف - بلغة بسيطة بدلًا من العربية الفصحى المعقَّدة"، مثلما تقول هدى صلاح.
وأحدث مثال على ذلك هو منتدى شباب العالم في مصر، الذي دعا إليه الرئيس المصري السلطوي عبد الفتاح السيسي تحت شعار "أبدِعْ اِنطلقْ" في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017. وخلال فترة قصيرة استولى الشباب المصريون على هذا الشعار وحوَّلوه إلى هاشتاغ لانتقاد الأوضاع الاجتماعية والسياسية السيِّئة في البلاد.
لقد تطوَّرت أيضًا الحركات النسائية العربية في الفترة الأخيرة. وبات الحُكَّام العرب يتعاملون مع جيل جديد من النساء الواثقات جدًا بأنفسهن. قبل الربيع العربي غالبًا ما كان يُنظر إلى المنظمات النسائية على أنَّها تابعة للحُكَّام وأنَّها جزء من الدولة السلطوية. أمَّا اليوم فيوجد - مثلما تقول هدى صلاح - المزيد من الحركات الشعبية. النساء يعملن أكثر بكثير من ذي قبل على مستوى القاعدة الشعبية، ويحاولن إحداث تغييرات في أسرهن وفي بيئتهن المباشرة، بحسب تعبير هدى صلاح.
[embed:render:embedded:node:24724]
قد تُمثِّل تونس مؤشِّرًا يشير إلى إمكانية تحقيق حلم تغيير العالم العربي لصالح المرأة بالرغم من المعارضة الدينية - إذ إنَّ تونس تعتبر على أية حال واحدة من البلدان العربية الأكثر تقدُّمًا في مجال حقوق المرأة. وإذا ما أصبحت المساواة بين الجنسين في الميرات حقًا قانونيًا وممارسةً يوميةً، فعندئذ سيكون هذا بمثابة كسر للمحرَّمات في العالم الإسلامي. وذلك لأنَّ قانون الميراث يعتمد على أحكام الشريعة الإسلامية.
غير أنَّ الكثير من النساء قد تخلين بالفعل عن الأمل. على سبيل المثال كشف "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (FTDES) في دراسة أجراها حديثًا أنَّ أربعين في المائة من النساء التونسيات يرغبن في مغادرة البلاد نحو أوروبا - وإذا اقتضت الضرورة حتى بطرق غير مشروعة، ومن خلال السفر عبر البحر الأبيض المتوسط وتعريض حياتهن لخطر الموت.
مي دودين
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017