الأزمة السياسية في الجزائر - تسوية في الأفق؟
السيِّد سفيان جيلالي، يواجه في الجزائر حاليًا النظام والمعارضة -المنقسمة إلى معسكرين- بعضهما بعضًا. فما هو موقف حزب "جيل جديد"؟
سفيان جيلالي: "جيل جديد" لا يتبنَّى أي موقف عقائدي. نحن نبحث عن صيغة من أجل إيجاد حلّ للأزمة. النظام الحالي يتم تمثيله من خلال مؤسَّسات رسمية، ولكن في الواقع تتم إدارته من قِبَل الجنرالات. العسكريون يريدون استعادة شرعية الرئيس من أجل تخليص أنفسهم من قيادة الدولة الحالية، التي تشكِّل خطرًا عليهم. لذلك فهم يراهنون وبشكل منتظم على الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية.
كذلك يريد جزءٌ من المعارضة الجزائرية إجراء انتخابات سريعة والبدء في الإصلاحات بمجرَّد وجود رئيس دولة جديد. ولكن هذا الجزء من المعارضة لا يثق في النظام الحالي ويخشى من أن يتلاعب النظام بهذه الانتخابات. ولذلك فإنَّ هذه المعارضة تدعو إلى مفاوضات وتُصِرُّ على إجراء انتخابات شفَّافة. أمَّا الجزء الآخر من المعارضة فهو يتبنَّى موقفًا أكثر تطرُّفًا ويريد قبل كلِّ شيء إصلاحًا دستوريًا. وهذا يعني أنَّهم يريدون تغيير طبيعة النظام حتى قبل تنظيم الانتخابات. ولكننا نعتقد أنَّ من شأن هذا العمل أن يزعزع استقرار البلاد.
لماذا؟
سفيان جيلالي: كيف يريدون تعيين ممثِّلين لمثل هذا الانتقال؟ وكيف ينبغي اختيار هؤلاء الممثِّلين؟ الأحزاب لا تُمَثِّل السواد الأعظم من الشعب. وحركة الاحتجاج نفسها غير منظمة ومليئة بأفكار متناقضة. ولذلك لا يمكن لحركة الاحتجاج أو للنظام أو للمعارضة تعيين قادة شرعيين للانتقال. من شأن إحداث تغييرات مؤسَّسية قبل الانتخابات أن يقودنا إلى تناقضات فظيعة.
إذا كنا نسعى إلى تغيير فوري للنظام، فيجب علينا أن نحتفظ بالنظام الحالي حتى يتم الانتهاء من مثل هذه الإصلاحات. قد يستغرق ذلك سنوات. ومن أجل إصلاح الدستور، يجب أوَّلًا خوض نقاشات واسعة النطاق، وهذا من شأنه أن ينعش على الفور كلَّ الإيديولوجيات المختلفة في البلاد.
فالعلمانيون يريدون دستورًا علمانيًا، والإسلاميون يريدون دستورًا إسلاميًا. البعض يفضِّلون نظامًا رئاسيًا، والبعض الآخر نظامًا برلمانيًا. هل نحن عرب أم أفارقة أم بربر؟ مجرَّد الإجابة على هذه الأسئلة مسألةٌ مُعقَّدة للغاية وتستغرق وقتًا طويلًا - من دون أن تتم مطلقًا معالجة جوانب أكثر تعقيدًا بكثير مثل اللغة أو الهوية.
لقد قدَّم حزبكم "جيل جديد" اقتراح تسوية. فكيف تبدو هذه التسوية؟
سفيان جيلالي: المطالبة بالإصلاح المؤسَّسي مسألة شرعية، ولكن العودة أيضًا إلى القيادة السياسية الشرعية مسألة على نفس القدر من الأهمية. ولذلك فنحن نقترح اتفاقًا: نبدأ بالانتخابات الرئاسية، ولكننا نطالب جميع المرشَّحين بالالتزام ببدء عملية إعداد الدستور بعد الانتخابات. وبعد انتخاب الرئيس، يجب على هذا الرئيس إجراء الانتخابات البرلمانية. وبهذا يمكن للدولة أن تمارس وظائفها بشكل طبيعي، وستكون لدينا سلطة تنفيذية وإمكانية اتّخاذ قرارات حكومية. ويمكن في الوقت نفسه الشروع في عملية إعداد الدستور.
لكن هكذا ستُجْرى الانتخابات من جديد على أساس قانون الانتخابات القديم!
سفيان جيلالي: لا، فقانون الانتخابات يجب تغييره على الفور، أي حتى قبل الانتخابات. وسيتعيَّن علينا أيضًا تشكيل لجنة انتخابات مستقلة. ولكن أوَّلًا وقبل كلِّ شيء، نحن بحاجة إلى تدابير للتخفيف من حدة التصعيد السياسي. يجب أن تتنحى الحكومة، ويجب أن يتم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين. قد يستغرق الأمر مرور عامين حتى إقرار الدستور. ولكن هذا لن يكون سيئًا، لأنَّ الدولة ستعمل بشكل طبيعي. وبالتالي فإنَّ فكرتنا هي الجمع بين الاقتراحين وربط الانتخابات الرئاسية بعملية إعداد الدستور. وبهذا يمكن أن يكسب الجميع.
لكن من أجل ذلك يحتاج المرء منبرًا للمناقشة مقبولًا من الجميع. في الوقت الحالي لا توجد في الجزائر إلَّا لجنة كريم يونس، التي دعت إليها الحكومة. وهذه اللجنة لا تتمتَّع بأية شرعية لدى المعارضة، ولذلك فإنَّ جميع معسكرات المعارضة تُجري نقاشاتها الخاصة…
سفيان جيلالي: يجب في الواقع أن يجلس الجميع حول طاولة واحدة. مجتمع الجزائر السياسي - المعارضة المكوَّنة من الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني- مُنْقَسم. فمن ناحية توجد لدينا "مبادرة 6 يوليو" [منتدى الحوار الوطني]، التي اجتمعت ضمن إطارها الأحزاب وأجزاء من المجتمع المدني في [مدينة] عين بنيان من أجل مناقشة الحلول الممكنة.
وتوجد من ناحية أخرى قوى "البديل الديمقراطي" (DA)، المكوَّنة من الأحزاب اليسارية والليبرالية والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان LADDH. تدعو الأولى إلى إجراء انتخابات سريعة، وأمَّا الثانية فتريد عملية إعداد الدستور. إذا اتَّفقت "مبادرة 6 يوليو" وقوى "البديل الديمقراطي" على تسوية، فعندئذ يمكن التفاوض مع النظام على خريطة طريق - مع كريم يونس كوسيط وممثِّل للنظام.
كيف ردَّت مختلف المعسكرات على اقتراحكم؟
سفيان جيلالي: نحن على اتِّصال مع الجميع، وأيضًا مع لجنة كريم يونس. وحتى الآن، كان الجميع مهتمِّين جدًا بفكرتنا، حتى وإن لم يوافقوا على التفاصيل. أحزاب 6 يوليو تدعم مبادرتنا. وفي صفوف البديل الديمقراطي يوجد بعض الداعمين لاقتراحنا وآخرون لا يزالون مُتَحَفِّظين. يجب تقديم المزيد من الضمانات لهم. وخوفهم الأساسي يكمن في حقيقة أنَّ الرئيس الجديد يمكنه أن يأمر بصياغة دستور لصالحه من أجل منع الاستمرار في الإصلاحات.
لا يزال قائدُ الجيش أحمد قايد صالح يتجاهل اقتراحَكم حتى الآن، ويدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية بحسب شروطه…
سفيان جيلالي: يجب علينا أَلَّا نكون ساذجين. أحمد قايد صالح يعرف بالضبط أنَّه في وضع غير شرعي، لا يستطيع البقاء فيه لفترة أطول. لجنة الانتخابات المستقلة مدرجةٌ حاليًا لدى الجميع على جداول أعمالهم. لذلك إذا تفاوضنا بالشكل الصحيح، فيمكننا عندئذ البدء في تغييرات حقيقية. وإذا أنشأنا نظامًا انتخابيًا شفَّافًا، فسنكون قد حقَّقنا إنجازًا كبيرًا.
سوف تتغيَّر البلاد بشكل تدريجي، وستظهر طبقةٌ سياسيةٌ جديدة. الجهاز السياسي كله الخاص بنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أصبح اليوم مُحَيَّدًا ومن دون أي تأثير. حيث يوجد نحو ثلاثين عضوًا من كبار ممثِّلي النظام القديم في السجن. المشكلة الآن هي: كيف يمكننا بناء شيء جديد من دون تكرار أخطاء الماضي؟
مع ذلك فإنَّ خطاب أحمد قايد صالح لم يتغيَّر منذ شهور. وفي الوقت نفسه نرى زيادة أعمال القمع من جانب السلطات. لا يزال النظام يراهن على تلك التكتيكات، التي نعرفها قبل اندلاع الاحتجاجات…
سفيان جيلالي: النظام يريد السيطرة على التغيير. غير أنَّ هذا التغيير حاصلٌ لا محالة منه. وعلى الرغم من ذلك يجب علينا أن نبقى حذرين. إذا حدث انفتاحٌ جذري للنظام، فقد نجد أنفسنا على وجه التحديد حيث كنا في نهاية الثمانينيات. نحن نتعامل اليوم مع ردود فعل مرتعشة من جانب النظام. يجب علينا أَلَّا ننسى أنَّ أحمد قايد صالح عمره ثمانون عامًا تقريبًا، وقد تدرَّب في كنف النظام القديم.
ولكنني على الرغم من ذلك ما زلت أُمَيِّز فيما يتعلق بأعمال القمع. يوجد شباب في السجون، هذا صحيح. خلال الاحتجاجات، حاول جهاز الأمن احتواء كلِّ شيء بدقة شديدة، ولكنني لن أُسمي هذا بأعمال قمع - إذا قارنا الوضع، على سبيل المثال، بأعمال العنف والتجاوزات أثناء احتجاجات ذوي السترات الصفراء في فرنسا. لم يكن يوجد لدينا استخدامٌ مباشر للعنف. الأشخاص الذين يُعتقَلون خلال النهار يتم إطلاق سراحهم بسرعة في المساء. ولكن مع ذلك، يوجد سجناء سياسيون. غير أنَّني أعتقد أنَّ النظام يريد الاحتفاظ بهم كورقة للمساومة من أجل المفاوضات المستقبلية. ولذلك فنحن فعلًا في مرحلة مفاوضات ضمنية، بَيْدَ أنَّنا فقط لا نسميها كذلك.
وفي الوقت نفسه، تستعيد حركة الاحتجاج زخمها من جديد. يجب أن تحفاظ على حضورها وأن تستمر في المطالبة بتغيير حقيقي. ولكن هذا التغيير يجب أن يكون متوازنًا وأَلَّا يحدث بعنف، لأنَّنا من خلال ذلك سنخاظر بزعزعة استقرار الدولة بأكملها. ولكن يجب عدم السماح بعودة ردود فعل النظام القديمة.
يجب أن نسعى إلى هذا التوازن بالضبط. ولذلك فنحن بحاجة إلى حضور حركة الاحتجاج في الشوارع بشكل سلمي واسع النطاق، وخريطة طريق قائمة على الإجماع من أجل حلِّ الأزمة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب علينا الآن أن نتحرَّك ببطء نحو الانتخابات من أجل الحصول من جديد على قيادة سياسية شرعية. من الممكن أن يكون ذلك مزيجًا ناجحًا يسمح بالتغيير الحقيقي.
حاوره: سفيان فيليب نصر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019