مصري: أرفض تجنيدي قسرياً وتلميع أحذية الجنرالات
"أنا أمير مدحت (عيد)، شخص سلامي وأعترض ضميريًا على الخدمة العسكرية، لأنَّني ضدَّ حمل السلاح. أنا مدني، ولن أخدم في مؤسَّسة عسكرية … لأنني أرفض أن أنفِّذ أوامر ممكن أن تتعارض مع مبادئي السلامية. وليست لدي أية مشكلة في أن أقدِّم خدمة مدنية تخدم الوطن فعلاً. أنا أحلم أن نعيش كمدنيين من دون الخضوع لسيطرة مؤسَّسات عسكرية".
بهذا التصريح توجَّه الشاب المصري أمير عيد البالغ من العمر خمسة وعشرين عامًا إلى الجمهور عبر تسجيل نشره على موقع يوتيوب في منتصف شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2016. وحتى يومنا هذا لا يزال يعارض تجنيده الإجباري في الجيش المصري. وأمير عيد يأمل في إيجاد حلّ سريع لهذا النزاع، لأنَّ الاعتراض الضميري على الخدمة العسكرية غير منصوص عليه بموجب القانون المصري.
وأمير عيد تقدَّم للتجنيد في الجيش بعد انتهائه من دراسة الهندسة في القاهرة، وقد بدأ بالتالي إجراءات عملية تجنيده بحسب القانون. ولكن لقد تم في شهر أيَّار/مايو 2015 تجميد إجراءات تجنيده من قبل السلطات العسكرية - طيلة سبعة عشر شهرًا. وحول ذلك يقول أمير عيد: "كنت أريد في الواقع تجنُّب النقاش الأيديولوجي مع الجيش". ويضيف أنَّه أخيرًا بات يترقَّب أن يتم عاجلاً أو آجلاً أعفاؤه من الخدمة العسكرية لأسباب صحية. ولكن في بداية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2016 أبلغه الجيش بأنَّ عليه أن يُسَلِّم نفسه بعد أسبوعين في ثكنة عسكرية في القاهرة من أجل البدء في خدمته العسكرية.
غير أنَّ هذا على أية حال أمر مستحيل بالنسبة له، مثلما يقول مؤكِّدًا. وذلك لأنَّه يرفض من حيث المبدأ الخدمة العسكرية. ويستنكر أيضًا وبكلِّ صراحة طبيعة الخدمة العسكرية في مصر، والتي كثيرًا ما يضطر فيها المُجنَّدون إلى أداء أعمال مدنية في شركات تخضع لسيطرة الجيش. ويصف ذلك بأنَّه عمل إجباري. ويضيف أنَّ الخدمة العسكرية الإجبارية لا تخدم في هذه الحالات الوطن، بل تخدم اقتصاد المؤسَّسة العسكرية وممثِّليها.
تمييز اجتماعي في الجيش؟
وأمير عيد هو ثالث معترض في هذا العام على التجنيد الإجباري، ويُمثِّل منذ عام 2010 الحالة التاسعة فقط، مثلما يقول سمير الشرباتي من المنظمة غير الحكومية "حركة لا للتجنيد الإجباري"، وهي مجموعة ناشطين تعمل من أجل حقوق المستنكفين ضميريًا. وبالتالي فإنَّ الاستنكاف الضميري في مصر لا يُمثِّل أية ظاهرة جماعية - حتى الآن فقط. وذلك لإنَّ حالة الاستياء من الخدمة الإجبارية واضحة لدى جميع فئات المجتمع المصري.
وسيمر الشرباتي رفض هو الآخر الخدمة العسكرية وحمل السلاح، وقال إنَّه يرفض حلَّ النزاعات بالقوة، ويرفض كذلك كمجنَّد إجباري القيام بأعمال تجارية. "أنا أعارض استدعائي للجيش، لأنَّني أرفض تلميع أحذية القادة العسكريين"، مثلما يقول مشيرًا إلى أنَّ الضبَّاط ذوي الرتب العليا يعرفون كيف يستغلّون التسلسلات الهرمية في المؤسَّسة العسكرية من أجل مصالحهم الخاصة. وهو ينتقد أيضًا الفساد في الجيش. ويقول إنَّ مَنْ توجد لديهم العلاقات والاتصالات الصحيحة، يستطيعون إعفاء أنفسهم من الخدمة العسكرية.
وفي الواقع العلاقات الشخصية أو الأسرية تلعب دورًا مهمًا في تحديد طبيعة عمل كلِّ فرد في الجيش، ومكان خدمته العسكرية. وبناءً على ذلك فإنَّ مَنْ لا يتمتَّع بأية ميِّزات، يكون عرضة لخطر أداء الخدمة العسكرية في مناطق تعتبر أكثر خطورة من القاهرة أو منطقة دلتا النيل. وكذلك يتعرَّض المُجنَّدون لخطر إرسالهم إلى العريش، التي تعتبر مركز محافظة شمال سيناء المضطربة، التي يخوض فيها الجيش منذ عام 2013 حربًا دموية ضدَّ متطرِّفين إسلامويين. وحاليًا ترد في كلِّ أسبوع تقريبًا في وسائل الإعلام المصرية تقاريرُ حول سقوط ضحايا من المدنيين وكذلك من المُجنَّدين في شمال سيناء.
طرق مبتكرة للاستبعاد من الخدمة الإجبارية
وبالتالي لا عجب من كون الخدمة العسكرية غير مرغوبة في مصر. بيد أنَّها مع ذلك خدمة إجبارية بالنسبة للرجال. وبحسب القانون تبلغ مدة الخدمة الإجبارية ثلاثة عشر شهرًا بالنسبة للحاصلين على شهادة جامعية. أمَّا الأشخاص الذين توجد لديهم مستويات تعليم منخفضة فيمكن أن تبلغ مدة الخدمة العسكرية المفروضة عليهم حتى ثلاثة أعوام. وفي حالة وجود ابن وحيد لدى أسرته، فعندئذ يتم استبعاده من الخدمة الإجبارية. بيد أنَّ مَنْ لا ينطبق عليه هذا الشرط ولا يريد مع ذلك أداء الخدمة العسكرية، يجد نفسه مضطرًا إلى الغش.
والإجراء الأكثر شيوعًا هو التظاهر بوجود مشكلات صحية من أجل الاستبعاد لأسباب طبية من الخدمة الإجبارية. كذلك يغادر البعض البلاد قبل بدء عملية التجنيد، ولا يعودون إلى مصر إلاَّ بعد بلوغهم عامهم الثلاثين، وذلك لأنَّ مَنْ يتجاوز هذه السنّ لا يتم استدعاؤه للخدمة الإجبارية.
ولكن إبداع المصريين لا يعرف أية حدود في تجنُّب الخدمة الإجبارية. فعلى سبيل المثال لقد اختار محمود -الذي لا يريد الكشف عن اسمه الحقيقي- طريقة غير تقليدية للتهرُّب من قبضة الجيش: فقبل وقت طويل من استدعائه إلى الخدمة العسكرية عمل على زيادة وزنه، حتى بات متأكِّدًا من أنَّه لن يكون مؤهلاً للخدمة العسكرية مع وجود أكثر من مائة كيلوغرام من الوزن الزائد لديه. وقد كُللت محاولته هذه بالنجاح.
رفض الخدمة هو الملاذ الأخير
ومع ذلك يبقى رفض الخدمة بالنسبة للبعض بمثابة الخيار الأخير. وحتى الآن كان الأشخاص الرافضين للخدمة العسكرية مثل أمير عيد ينجون من ذلك بدون أية أضرار. ولكن فقط في حالة مايكل نبيل سند -الذي يُعتبر أوَّل مستنكف ضميريًا، أعلن عن رفضه الخدمة العسكرية في مصر- أصر الجيش على اعتقاله الاحترازي، وثم أطلق سراحه بعد عدة أيَّام، وبعد ذلك تم إعفاؤه من الخدمة العسكرية لأسباب صحية.
أمَّا أمير عيد فهو ممنوع من مغادرة البلاد. وذلك لأنَّ مَنْ لم يؤدِّ خدمته العسكرية وقد أنهى دراسته، يحتاج عند السفر إلى الخارج موافقة الجيش على سفره. ولذلك لم يتمكَّن أمير عيد من البدء بدراسته الماجستير في إيطاليا، وبقي محكومًا عليه بالانتظار. وحتى أنَّه يواجه صعوبات في العمل، لأنَّ مَنْ يُرِد العمل وكسب المال حتى الحصول على القرار النهائي من الجيش، يتعيَّن عليه أن يحصل كلَّ أسبوعين على تصريح عمل من الجيش.
وحاليًا فإنَّ الخدمة المدنية أو البديلة ليس لها أي وجود في مصر إلاَّ على الورق. وذلك لأنَّ هذه الخدمة ليست إجبارية، مثلما يقول سمير الشرباتي. وضمن هذا السياق تُطالب "حركة لا للتجنيد الإجباري" بإلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية وبمنح الأشخاص الذين يريدون على الرغم من ذلك أداء الخدمة المدنية أو البديلة أجورًا لائقة.
وعلاوة على ذلك فإنَّ "حركة لا للتجنيد الإجباري" تنتقد الممارسات المُهينة والمُسيئة في الجيش، وتدعو إلى اتِّخاذ إجراءات قانونية تعاقب بشدة التجاوزات على المُجنَّدين. غير أنَّ هذه المطالب لا تتَّفق في الوقت الراهن مع الواقع قطّ. ولذلك فإنَّ مصر تحتاج قبل كلِّ شيء نقاشًا عامًا حول موضوع الخدمة العسكرية الإجبارية. ولكن حتى الآن لا يتم خوض هذا النقاش إلاَّ ضمن أوساط خاصة.
سفيان فيليب نصر
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016