سكان الكهوف في جبال الخليل......حياة حجرية وقصة تحد أسطورية
هنا يكمن عمق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الأرض، مستوطنات تزحف في أراضي عام 67 وفلسطينيون يحاولون فرض وقائعهم على الأرض. تحاول عائلة الحمامدة من مدينة يطا جنوب الضفة بناء منازل لها والخروج من كهوفها لأول مره، إلا أن هذه المنازل قد تتعرض للهدم من قبل الجيش، مما دفع العائلة للاستعداد لخوض معركتها القانونية في محكمة العدل العليا الإسرائيلية بمساعدة منظمات حقوقية دولية واسرائيلية.
خربة المفقرة التي يقطنها نحو 150 شخصا من عائلة الحمامدة لا تحوي أي مظهر من مظاهر للحياة الحديثة، سوى بعض البيوت المشيدة من الحجارة والخيم وحديثا زودتهم منظمة "OCHA" بالخيم وبعض "الكرفنات" التي تسلم ساكنوها من الجيش الإسرائيلي أوامر بهدمها ، أجبروا على العيش داخل تجاويف صخرية بسبب منع الجيش الإسرائيلي لهم من البناء عليها بدعوى أنها مناطق تحت سيطرة الجيش أي مناطق "سي" وفق اتفاقية أوسلو. دخلنا منزل محمود حمامدة الذي يعيش داخل كهف مع أفراد أسرته المكونة من 15 شخصا. على مدخل الكهف باب خشبي وفي داخله رأينا تلفازا وثلاجة لم تعد تعمل بفعل تدمير الجيش الإسرائيلي المولد الكهربائي، كما يقول ساكن الكهف.
حياة بدائية
هذا التجمع الفلسطيني وغيره من التجمعات يعيش حياة بدائية توحي بالعصور القديمة، إذ لا كهرباء ولا مياه ولا طرق. ما زال القاطنون يحافظون على تقاليد حياتهم؛ فهم يعتمدون على رعي الأغنام ومن منتجاتها يعتاشون. حاولوا بناء بعض البيوت من الصفيح والطين، إلاّ أن الجيش الإسرائيلي قد هدمها وأعادهم إلى حياتهم البدائية، كما يقول أفراد عائلة الحمامدة. تقول المتضامنة الأجنبية الناشطة الحقوقية الإيطالية هالي لموقع "قنطرة" التي كانت موجودة في المكان وتتحدث مع سكان المنطقة عن توجهم القانوني لدى المحاكم الإسرائيلية "هؤلاء السكان يفتقرون لأبسط الحقوق والخدمات الحياتية. لا يستطيعون بناء منازل لهم فجميع الخيم "والكرفانات" التي شيدت حديثا قد صدرت أوامر بهدمها من قبل الجيش، ونحن نحاول أن نساعد هؤلاء البسطاء بحقهم بالعيش في أراضيهم من خلال رفع القضية للمحكمة العدل العليا الإسرائيلية بمساعدة محاميين فلسطينيين وإسرائيليين من أجل توفير الحياة والأمن لهؤلاء السكان ولمنع الجيش من تدمير وتهجير التجمع " . وتضيف هالي "تكمن مشكلة هؤلاء السكان بوجودهم في مناطق نائية يطمح الجيش الإسرائيلي لاستيلاء عليها بدعوى أنها أراض مشاع وأراضي دولة إسرائيل، إلا أنها تقع في حدود 67 وهي أراض فلسطينية وفق قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي".
مشروع بناء منازل بدلا للكهوف بمساعدات دولية
محمود زواهره منسق اللجان الشعبية في مدينة بيت لحم تحدث عن مشروع البناء لسكان الكهوف "هؤلاء الذين يعشون دخل حفر بالأرض بدون كهرباء وبدون مياه بحاجة أن يروا ضوء الشمس ، وكان لدينا في اللجان الشعبية التوجه لإطلاق حملة لهذه التجمعات لبناء منازل لهم، واختارنا بدايتا هذه المنطقة لأن هذا التجمع موجود من مئات السنيين، هؤلاء ولدوا هنا ليسو بدوا رحل، فهم مقيمون بشكل دائم هنا. وعرضنا عليهم فكرة بناء منازل لهم وجدنا لديهم رغبه وشغفا كبيرا لامتلاك منازل لأطفالهم وأسرهم. ونحن نسعى لبناء 15 منزلا لإيواء 15 أسرة تسكن هنا، بالفعل بدأنا بتشييد أول منزل بمساعدة كل الأهالي ومتضامنين الأجانب ومنظمات دولية".
ويرى زواهره أن البناء يأتي كنمو طبيعي لهذه العائلات وحق طبيعي أن تبني بيوت لها على أرضها التي تمتلك الوثائق القانونية بملكيتها، على عكس المستوطنات غير الشرعية وفق القرارات الدولية ،التي تتوفر بها كافة وسائل الحياة العصرية المترفة رغم وجود هذه الحياة المترفة، إلا أن الفلسطينيين الذين يعيشون على بعد خطوات من المستوطنة يعيشون حياة بدائية بفعل حرمان المستوطنين والجيش الإسرائيلي لهم من البناء والاستفادة من أراضيهم".
صراع فلسطيني إسرائيلي على الأرض
محمود محامدة يتحدث عن كهف جده قبل مئات السنوات وعن بقاء العائلة كما هو الحال حتى هذه اللحظة " فكرنا في البناء قبل 30 عاما ولكن خبرنا الجيش الإسرائيلي بأن المنطقة عسكرية لا يسمح بها البناء، وفي عام 1982 قام المستوطنون ببناء مستوطنة معون وسوسية المجاورة لكهف العائلة فتساءلنا لماذا هم سمح لهم بالبناء ونحن منعنا من قبل الجيش الإسرائيلي. في عام 1999 قام الجيش الإسرائيلي بترحيل جميع العائلات المتواجدة في مسافر يطا أي ما يقارب 1500 شخص من فلاحين ومزارعين، رحلنا وأصبحنا لاجئين جددا في عصر السلام ، وبضغط من المتضامن الدوليين وجمعيات حقوقية إسرائيلية الذين رفعوا دعوى للمحكمة العليا الإسرائيلية التي سمحت لنا بالعودة الى كهوفنا بعد 6 أشهر من التهجير". الجيش الإسرائيلي يتعذر بأن التجمعات الفلسطينية لبدو رحل غير مقيمين في هذه الأراضي وهي أراض مشاع للدولة، إلا أن شيخ القبيلة يقول أننا ولدنا هنا وحفرنا كهوفنا منذ أجدادنا".
حلم البناء مهدد بالهدم
ويكمل الشيخ الحمامدة قصة العائلة التي بدأت باقامة بعض الخيم والبيوت من الحجارة والطين، إلا أن الجيش الإسرائيلي هدمها في عام 2011 وكذلك دمر المولد الكهربائي المصدر الوحيد للكهرباء، مضيفا بعد الحادثة قدمت ""OCHAبعض "الكرفنات" والخيم وقمن بمد أعمدت كهرباء من منطقة مجاورة وقام الجيش بتحطيمها، أما المستوطنين غير شرعيين لديهم منازل وبرك سباحه ومنتجعات ولكن ونحن أصحاب الأرض ليس لدينا أي شيء نملكه ". ويقول شيخ القبيلة "نحن أطلقنا حملة شعبية حتى نخرج من تحت الأرض لوجه الأرض مع اللجان الشعبية وأطفال ونساء الحي ومنظمات ومتضامنين دوليين، وأيضا هناك منظمات ألمانية ستدعمنا". ويضيف يأتي مشروع البناء "كرد على السياسة الإسرائيلية نحن جربنا التهجير والهدم وسوف نواصل البناء"
إلا أن توجه العائلة للبناء تواجهه مخاوف من قيام الجيش بهدم هذه المنازل، كما يقول محمود زواهره "تشكلت طواقم من القانونيين لدفاع عن هذه البيوت، والخيار الثاني مهما كانت الظروف الاقتصادية سوف نعيد بناء هذه المنازل في حال هدمها حتى نرى البيوت قائمة ". الا توجد هناك منظمات دولية راعية للمشروع لكن هناك بعض المتضامنيين الاجانب يدعمون مشروعنا ونحنن بصدد اطلاق حملة محلية ودولية لجمع تبرعات لبناء هذه المنازل. ويضيف زواهره "لا يوجد أي حماية لهذا المشروع مفنظمة "OCHA" أوجدت بعض البيوت المتنقلة ولم تستطيع حمايتها ، وهذا التجمع هو بداية الطريق، وسوف نقوم بالبناء في تجمعات أخرى بعد الانتهاء من هذا التجمع" .
فضل حوامدة يستعد لهجر كهفه والحياة البدائية الذي يأوي 13من أفراد أسرته ليسكن في منزله الجديد، ترى الفرحة على وجوه أطفاله ونسائه الذين يساعدونه في بناء منزلهم الحديث الملاصق للكهف، فهو يبني على أمل أن يستطيع النوم بداخله، إلا أن أحلامه قد لا تحقق ويبقى بالكهف لتهديد الجيش بهدمه كما يقول.
مهند حامد- الخليل
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012