''حديقة سلام نهر الأردن''- مشاريع خضراء في مناطق عذراء
يختلف أحياناً الإسرائيلي غيدون برومبيرغ والأردني منذر مهيار على المصطلح الأصوب عندما يتكلمان عن مشروعهما لإنشاء حديقة سلام على نهر الأردن جنوب بحيرة طبريا: "هذه الأرض تنازلت عنها إسرائيل في اتفاق السلام مع الأردن عام 1994، كما يقول غيدون برومبيرغ. "لم تتنازل عنها، بل أرجعتها"، يقول منذر مهيار مبدياً اعتراضه. "حسناً، إذاً أرجعتها"، يقول برومبيرغ مستسلماً .
نهر الأردن يشكل في هذه المنطقة الحدود بين إسرائيل والأردن، ويمتد 200 كيلومتراً من بحيرة طبريا، ماراً عبر وادي الأردن، ويصبّ أخيراً في البحر الميت. وهناك حيث يلتقي نهر الأردن مع أهم روافده، نهر اليرموك القادم من سوريا، نشأت جزيرة صغيرة بين عدة قنوات حفرها الإنسان. وأطلق الأردنيون اسم "باقورة" على هذه الجزيرة، أما الإسرائيليون فيسمونها "نهاريم". ويبغي برومبيرغ ومهيار أن يطلقا اسم "حديقة سلام نهر الأردن" على هذه المنطقة الواقعة بين اليرموك ومدخل كيبوتس نهاريم حتى كيبوتس غيشر جنوباً.
ويمكن رؤية سياج الحدود غير البعيد من هنا. المنطقة عذراء إلى حد بعيد، فهي منطقة عسكرية مغلقة منذ عشرة أعوام. هنا كان مولد الكهرباء الذي صممه المهندس الروسي بينخاس روتنبرغ يولّد الكهرباء من ماء نهر اليرموك للأردن وإسرائيل حتى عام 1948، إلا أن سلاح الجو الأردني ضربه ودمره. بعد ذلك أصبحت هذه المنطقة مهجورة، وفيها اليوم فقط حطام مولّد روتنبرغ القديم الذي تسكنه الخفافيش. من هذا الحطام يخطط القائمون على مشروع حديقة السلام أن يبنوا مركز المعلومات للزوار، إلا أن هذه الخطط لا زالت مستقبلاً باهتاً بعيد المنال.
مشاكل بيئية تتخطى حدود الدول
منذ خمس سنوات يأتي الناشط الإسرائيلي والأردني، بالتعاون مع زميلهما الفلسطيني نادر خطيب، بحافلات مليئة بالصحافيين والسياسيين المحليين والسياح وأفراد من الجيش إلى هذه المنطقة البور التي يغطيها العشب على ضفاف نهر الأردن. ودون كلل أو ملل يحاول حماة البيئة هؤلاء أن يقنعوا أصحاب القرار بإقامة منتزه السلام على ضفتي النهر، ويدعمهم مالياً في جهدهم هذا الاتحاد الأوروبي والوكالة الأميريكية للتنمية الدولية. ويرى الناشطون أن حماية البيئة والسلام والتنمية الاقتصلدية هي مجالات متعلقة ببعضها بعضا لا يمكن فصلها . فعلى الجانب الأردني هناك حاجة كبيرة لفرص العمل في هذه المنطقة الحدودية، حيث إن 40 في المائة من سكان الشونة الشمالية القريبة عاطلون عن العمل. ويحتاج المرء إلى الكثير من الخيال ليتصور كيف ستصبح هذه الأرض الخراب متنزها كبيرا يحتوي فنادق صديقة للبيئة ودروبا للتنزه وقيادة العجلات الهوائية، ومقهى على قمة التلة التي تطل على وادي الأردن.
لكن برومبيرغ ومهيار يملكان الخيال والتصميم اللازمين لتحقيق مشروعهم. "لا نستطيع أن ننتظر حتى يأتي السلام في وقت ما"، كما يقول الناشط الأردني، "لأن المشاكل التي يواجهها السكان وتواجهها البيئة هنا طارئة." هذه المشاكل البيئية لا تتوقف عند حدود البلاد، فنهر الأردن، الذي يعتبر عصب الحياة لسكان المنطقة على الضفتين، يعاني من تلويث كبير وتراجع كمية مياهه حتى الآن بمقدار 98 في المائة.
"حماية البيئة دون فرص عمل أمر بلا جدوى"
والتغير المناخي سيزيد من مشكلة نقص المياه، فحسب توقعات اللجنة الدولية للتغيرات المناخية ستتراجع كمية المياه في منطقة الشرق الأوسط بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2050. وفي الوقت نفسه فإن هذه المنطقة الرطبة على ضفاف نهر الأردن حيوية لما يقارب 500 مليون طير مهاجر من الأسراب التي تهبط للراحة هناك مرتين سنوياً في طريقها من أوروبا إلى أفريقيا وبالعكس. وبإمكان هذه الطيور أن تجذب السياح المعنيين بحماية البيئة من كل أنحاء العالم إلى هذه المنطقة. "حماية البيئة دون توفير فرص العمل هو شيء بلا فائدة"، كما يقول منذر مهيار، "ما يحتاجه الناس هنا هو فرص لتأمين مستقبلهم."
لم تشهد هذه المنطقة تطوراً منذ عقود، وذلك بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن هذا الوضع لم يتغير كثيراً حتى بعد التوقيع على معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في عام 1994. وهناك منطقتان على الجانب الإسرائيلي يُسمح لسكانهما بزرع الأراضي الأردنية وجلب السياح إليها، هذا الحق يضمنه لهم بند إضافي أُدخل على معاهدة السلام بين الأردن وفلسطين. وباستطاعة الإسرائيليين أن يدخلوا هذه الأراضي دون تأشيرة دخول ـ وهو حق لا يملكه السكان الأردنيون. "نحن نطالب بالسماح للأردنيين أيضاً بدخول هذه الأراضي دون معاملات رسمية"، يقول الناشط الأردني منذر مهيار، ويوافقه زميله الإسرائيلي مباشرة في هذا الكلام. غير أن الجهة الأردنية من هذه الأراضي لا تملك حتى الآن بنية تحتية للسياحة.
منطقة حافلة بالأحداث التاريخية
ومع أن المنطقة تملك إمكانيات كبيرة، يمكن لجميع الأطراف المتنازعة الإستفادة منها إذا اتفقوا. فقد كانت طرق التجارة القديمة بين آسيا وأوروبا ومنطقة البحر المتوسط تتقاطع في هذه المنطقة. وهناك أيضاً محطة قطار مهجورة متهدمة تذكّر بخط الحجاز الحديدي الذي بناه مهندسون ألمان بين دمشق وحيفا. ويرى الزائر أيضاً النقوش والشعارات العبرية والعربية التي خلفها المسافرون على جدران المحطة، متذمرين من تأخر القطارات. كما أن هناك أيضاً حطاما من جسور قديمة من زمن الرومان والعثمانيين والانتداب البريطاني.
وتهدف منظمة "أصدقاء الأرض" أن يحوّل مشروع المنتزه هذه الأراضي إلى منطقة سياحية جذابة، مع العلم بأن رؤساء بلديات البلدات المجاورة للأراضي وافقوا منذ زمن طويل على إقامة مشرع منتزه السلام. ولكن المعوقات تأتي من جهة الحكومة الأردنية، إذ إن هناك خططا لإعمار البنية التحتية على الجانب الأردني من الأراضي في خطوة أولى، ومن ثم التفاوض مع الجانب الإسرائيلي بخصوص استعمال الأراضي الإسرائيلية.
نقص في المياه وتلويث للبيئة
في الماضي كان نهر الأردن يجلب معه سنوياً 1,3 مليون متر مكعب من الماء، أما اليوم فيتوقع الخبراء أن أجزاء من النهر ستضمحل كلياً في فصل الصيف. إضافة إلى ذلك، تصب المجاري من إسرائيل والأردن والمناطق الفلسطينية دون تكرير في نهر الأردن، وبما أن أجزاء كبيرة من ضفتي النهر مغلقة عسكرياً على الجانبين، فإن المعلومات عن النوعية المزرية لماء الأردن لا تصل إلى الرأي العام. ويقول الناشط برومبيرغ أن "إلقاء اللوم الآخرين بدل محاولة التغيير" هو سلوك محبوب لدى شعوب الشرق الأوسط، ويتابع: "غير أننا نعرف اننا علينا التعايش مع بعضنا البعض هنا". هو نفسه قام عام 1994، أي بعد التوقيع على معاهدة السلام، بتأسيس منظمة "أصدقاء الأرض".
القائمون على المنظمة تفاهموا بعد مفاوضات طويلة على المبادئ السياسية الأساسية لنشاطهم في مجال حماية البيئة وتحقيق السلام: فهم يحاولون التعاون مع الجميع، وليس فقط مع المستوطنين، ويطالبون كذلك بوقف الاستيطان في الضفة الغربية. وعندما يصغي المرء إلى مهيار وبرومبيرغ، فإن الصراع العربي الإسرائيلي القائم منذ أكثر من خمسين عاماً يبدو وكأنه قابل للحل. "لقد سئمنا من هذا اللعب بحياة الناس"، يقول برومبيرغ، مقتنعاً بأن شعوب من جميع أطراف النزاع تريد التعايش بسلام مع الشعوب الأخرى، وبأن رجال السياسة هم غير معنيون بإيجاد حل سلمي للنزاع. ففي آخر المطاف كان بوسع الناشطين في منظمة "أصدقاء الأرض"، التي ينشط فيها إسرائيليون وأردنيون وفلسطينيون جنباً إلى جنب وبحقوق متساوية، الاتفاق على أهداف مشتركة.
تقرير: كلاوديا مندِه
ترجمة: سامر خليل
حقوق النشر: قنطرة 2012