قمم الاندماج في ألمانيا....رسائل العصا والجزرة

منذ عام 2006 تعقد الحكومة الألمانية قمةً للاندماج ترعاها المستشارة الألمانية ميركل، غير أن قرارات هذه القمم - مثلما يرى خبراء الهجرة والاندماج - لا تُطبق بشكل جاد في معظم الأحيان، كما توضح الصحافية لويزه هازه في تقريرها التالي حول مدى نجاعة هذه القمم على أرض الواقع.

الكاتبة ، الكاتب: Bettina Louise Haase



"مشكلة قمة الاندماج هو مبدأ التشجيع والمطالبة"، يقول البروفيسور الدكتور فرنر شيفاور، أستاذ علم الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية المقارن في جامعة أوروبا (فيادرينا) في مدينة فرانكفورت الواقعة على نهر الأودر، ويضيف: "فالمهاجرون لا يحبون سياسة العصا والجزرة". وحسب رأيه فإن قمم الاندماج التي تعقدها الحكومة الألمانية لا تأتي بمفعولها على المدى البعيد، فكل القرارات الجيدة التي تصدر عنها لا تُطبق بشكل جاد. ويرى البروفيسور أن من الأشياء الإيجابية التي أثمرت عنها القمم هي تطبيق القرارات الخاصة بتوفير أموال لدورات تعلم اللغة الألمانية. "غير أنه ليست هناك نجاحات ملموسة يمكن أن نذكرها في هذا المجال"، يضيف شيفاور.

ورغم أن الحكومة الألمانية قد وفرت الأموال اللازمة لدورات تعلم اللغة الألمانية للمهاجرين فإن أحد أهداف قمة الاندماج الماضية لم يتحقق بعد، ألا وهو إلحاق عدد أكبر من المهاجرين بهذه الدورات. وحسب رأي شيفاور فإن التمويل المالي للدورات ليس كافياً. المعلمون – وهم في معظمهم يدرِّسون الألمانية كلغة أجنبية، لا يحصلون على المكافآت المالية التي تساوي ما يقومون به من عمل، وهو ما يؤدي دائماً إلى إلقاء عبء على المعلمين يفوق طاقتهم. ويتردد على دورات اللغة للمهاجرين طلاب مختلفون كل الاختلاف، وهكذا يقوم المعلمون بتدريس صفوف تضم مستويات لغوية متباينة، ما يؤدي إلى افتقاد الطلاب دورات لغوية إضافية تغطي احتياجاتهم الخاصة.

دورات اللغة كبرنامج إجباري

الصورة د ب ا
البروفيسور الدكتور فرنر شيفاور: مشكلة قمة الاندماج هو سياسة العصا والجزرة.

​​كما أن المهاجرين يُجبرون على الاشتراك في دورات اللغة، بل يتلقون تهديداً بخصم جزء من المساعدة الحكومية في حال لم يذهبوا إلى تلك الدورات. "ليس هذا بالشيء المشجع أو الدافع للمهاجرين على الذهاب"، يقول شيفاور متحدثاً عن مبدأ "التشجيع والمطالبة"، ويضيف: "إن ذلك لا يؤدي إلى شيء غير تهرب المهاجرين من الدورات اللغوية."

"مشاكل الهجرة أعقد بكثير مما يعتقد معظم السياسيين"، يقول شيفاور، وكمثال على كلامه يذكر ظاهرة "المجتمعات الموازية" ويقول إن المشكلة هنا لا تكمن في المهاجرين الذين ينتقلون بأعداد كبيرة للسكن في حي بعينه، بل هي في الألمان الذين يتركون هذا الحي ويهجرون مسكنهم فيه. كما أن العمال المهاجرين ما زالوا يلقون التمييز في سوق العمل، حيث يعاملون على نحو مختلف عن زملائهم من العمال الألمان.

المهاجرون: كبش الفداء


"إن رسالة العصا والجزرة هي القاسم المشترك في قمم الاندماج التي تنظمها الحكومة"، يقول أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية، "وهكذا يتم تحويل المهاجرين إلى كبش فداء، وتُنسب إليهم أخطاء هم غير مسؤولين عنها مطلقاً"، يضيف شيفاور. أما محمد تانريفيردي، رئيس الهئية الاتحادية لرابطة المهاجرين، فهو ليس متحمساً كثيراً لما تم تطبيقه من أهداف قمة الاندماج. "يمكن أن نقول إن من محاسن قمم الاندماج أنها أدت إلى تغير فيما يتعلق بتعلم اللغة الألمانية"، يقول تانريفيردي. "إنها سياسة الخطوات الصغيرة. عموماً، نحن نتفاوض الآن بندية مع الحكومة الألمانية. ولا بد من القول بأن الكلمات التي تُستخدم لوصف المهاجرين قد تغيرت".

ورغم أن تانريفيردي يشعر بالتفاؤل لأنهم يسيرون على الطريق الصحيح ولأن "الاندماج أصبح أفضل"، فإنه يتهم الجانب الحكومي بإهمال واجباته في أحد أهم القطاعات، وهو قطاع التعليم. وهكذا نجد أن الدولة لم تفعل شيئاً للذين يتوقفون عن الذهاب إلى المدرسة قبل الحصول على شهادة، حيث كان الهدف هو تخفيض نسبة أولئك الأطفال من بين المهاجرين حتى تصل إلى مستوى الأطفال غير المهاجرين.

عدم بذل الجهد اللازم من أجل اندماج ناجح


"

  الصورة د ب ا محمد تانريفيردي
يجب ألاّ يتم التوفير في قطاع التعليم، يقول محمد تانريفيردي، رئيس الهئية الاتحادية لرابطة المهاجرين.

​​هذا شيء لا بد أن يتغير"، يطالب تانريفيردي، "من المطلوب وضع إطار زمني وكذلك نظام للمراقبة". في قطاع التعليم بالذات لا ينبغي على الحكومة أن توفر المال. ويضيف رئيس الهئية الاتحادية لرابطة المهاجرين أن "مدارس الفترة الدراسية الكامل لا تصلح على الإطلاق كرد على كارثة التعليم التي تواجه أطفال المهاجرين. من الواضح أن الجهد المبذول لا يكفي للوصول إلى اندماج ناجح."

إن خطة العمل التي يتم مناقشتها في مقر المستشارية – والتي وضعتها الحكومة بالاشتراك مع اتحادات المهاجرين – تتضمن بعض المطالب التي يتحتم علينا أن ننتظر طويلاً إلى أن يتم تنفيذها، إذ من المقرر أن تحصل اتحادات المهاجرين – والتي لا يكاد يعمل فيها حتى الآن سوي مهاجرين بشكل تطوعي – على دعم مالي من الحكومة الألمانية. "غير أننا لم نحصل على موافقة أكيدة بعد"، يقول تانريفيردي. وفيما يتعلق بطلب الانفتاح تجاه الثقافات الأخرى، وهو أحد أهداف القمة السابقة، فليس هناك مؤشرات ملموسة على النجاح. حتى الآن لم يكن هناك أحد تقريباً في البلديات يريد تشغيل المهاجرين على نطاق واسع.

 

وينبغي للمهاجرين، حسب خطة العمل، أن يصبحوا أعضاء في النوادي الرياضية وأن يحصلوا هناك أيضاً على تأهيل ليعملوا كمدربين فيما بعد. "يجب أن يكون الهدف الأول هو كسب ثقة المهاجرين"، يقول تانريفيردي، "غير أن هناك الكثير مما يجب أن يحدث حتى نصل إلى هذا الهدف".

 

بتينا لويزه هازه
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: قنطرة 2012