ميدان التحرير الأسطوري حتى قبل ثورة 25 يناير
في هذا الكتاب تنقل هذه المختارات من دون شكّ صورة شاملة عن الثورة، التي تتجاوز الاحتجاجات الكثيرة في الشوارع والتحوُّل السياسي في مرحلة الربيع العربي. فلماذا إذًا هذا التركيز على مصطلح "الثورة"؟ في حوارها مع موقع قنطرة قالت ريبيكا ماجور إنَّها تأمل في أنَّ "كلمة ’ثورة‘ في العنوان تُشجِّع القرَّاء على رؤية هذه المسرحيَّات في سياق أكثر عالمية وأوسع من ’مسرحيَّات من الاحتجاجات‘".
ولكنّ هناك سببًا آخر لاحتواء الكتاب على مسرحيَّات تم نشرها بالفعل قبل عام 2011: فعادة ما يتم ربط مصطلح "الثورة المصرية" مع الاحتجاجات، التي بدأت في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011 وأدَّت إلى إسقاط حسني مبارك. غير أنَّ بدايتها الحقيقية تعود إلى التحوُّل السياسي في عام 2005 بعد عملية انتخاب حسني مبارك الرئاسية المثيرة للجدل، وبعد حركة "كفاية" وكذلك الموجة الجديدة من المدوِّنين المستقلين والفنَّانين والصحفيين.
ومسرحيَّات حكايات ميدان التحرير المجموعة في هذا الكتاب تمت كتابتها خلال هذه الموجة الجديدة في الفترة بين عام 2008 وعام 2014 - وهي فترة مثلما تعتقد ريبيكا ماجور "تشمل الظلام الممتد بين نظام مبارك وتنصيب الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي".
"كوميديا الأحزان"
لقد جاءت فكرة جمع هذه المختارات من مسرحية إبراهيم الحسيني "كوميديا الأحزان" - وهو عمل تمت ترجمته وعرضه في عام 2012 من قِبَل ريبيكا ماجور. ومسرحية كوميديا الأحزان نشأت خلال الموجة الأولى من الاحتجاجات في عام 2011. والترجمة الإنكليزية لم تكن مُعَدَّة في البداية للجمهور العام، بل من أجل مؤتمر أكاديمي في جامعة هارفارد بعنوان "نساء يصنعن الديمقراطية".
ومسرحية إبراهيم الحسيني تدور حول امرأة مصرية مميَّزة حاصلة على شهادة جامعية، تجد نفسها مضطرة إلى اللقاء بشرائح اجتماعية كانت تتجنَّبها حتى ذلك الحين.
وبمسرحية كوميديا الأحزان لم يكن إبراهيم الحسيني - مثلما تقول ريبيكا ماجور: "يريد تفسير حركة الاحتجاجات لجمهور أجنبي، بل كان يريد استكشاف التعقيدات والنزاعات داخل المجتمع المصري. وهذه وجهة نظر من الداخل إلى الخارج، كثيرًا ما تغيب في خطابنا".
ومن هنا بدأ كل من ريبيكا ماجور ومحمد البكري في جمع أعمال أخرى وترجمتها، بينما كان المشهد الاجتماعي والفنِّي في مصر يتغيَّر بشكل مثير: من حكم العسكر عبر الرئيس محمد مرسي ومن ثم إلى عبد الفتاح السيسي. وبحسب رأي ريبيكا ماجور فإنَّ فنانِّي المسرح، الذين التقت بهم، كانوا لا يتحدَّثون في أغلب الأحيان حول أعمالهم المسرحية السابقة قبل عام أو عامين.
وياسمين إمام التي تضمَّنت هذه المختارات مسرحيتها "المرآة"، كانت سعيدة جدًا لأنَّ عملها قد تُرجم إلى اللغة الإنكليزية. غير أنَّها كانت في حيرة من أمرها بسبب رؤية مسرحيَّتها هذه ضمن إطار الثورة. فبعد عام 2011 -مثلما تقول- بات العديد من الفنَّانين المصريين يعتمدون على الثورة من أجل دعم حياتهم المهنية - "وحتى أولئك الذين كانوا في الأصل ضدَّ الثورة".
ومسرحية المرآة تدور حول شابة، يُمثِّل جسدها ونفسها ساحة معركة هذا العمل المسرحي. وفي هذه المسرحية تصارع الراوية عشرات الأصوات الباطنة. وحول ذلك تقول ياسمين إمام: "كتبت هذه المسرحية لكي أبيِّن كيف يمكن لامرأة شابة أن تصبح عندما تستمع لكلِّ هذه الأصوات، التي تحاول أن تحرمها من حقِّها في تحديد مصيرها بنفسها".
وهذه المسرحية المنشورة في كتاب حكايات التحرير مقسَّمة إلى خمسة أقسام - من التنوُّع والفساد إلى الثورة غير المكتملة. ومسرحية ياسمين إمام تندرج ضمن الأعمال الأولى، تمامًا مثل مسرحية "الرقص حرام" لهاني عبد الناصر ومحمد عبد المُعِزّ.
تم تقديم المسرحيَّتين بداية العام الماضي 2016 في مدينة بوسطن الأمريكية. وحول ذلك تقول ياسمين إمام إنَّ أداء مسرحيَّتها في بوسطين نال إعجابها، وخاصة لأنَّ ريبيكا ماجور قد وجدت "أوجه التشابه بين البطلة المصرية لمسرحيتي والبطلة في عرضها الإنكليزي" وتمكَّنت بالتالي من الربط بين نضالات المرأة المصرية والمرأة الأمريكية.
الغريب والعام: وجهان لعملة واحدة؟
لقد نجح ذلك في مسرحية المرآة. غير أنَّ ريبيكا ماجور ترى أنَّ هذه مسألة صعبة ومعقَّدة. فهي تحاول عدم تعميم خصوصيات الشخصيات العربية كثيرًا، لمجرَّد إظهار أنَّهم "مثلنا تمامًا". إذ إنَّ الشيء الغريب والشيء العام يمثِّلان بحسب رأيها: "من عدة جوانب وجهين لعملة واحدة. في العادة نحن نتجاهل الطريقة التي يمكن للدراما العربية الجيِّدة أن تساهم من خلالها في محادثاتنا حول الفنِّ والسياسة".
وريبيكا ماجور تركِّز أكثر على كيفية تمكُّن الدراما المصرية من الإسهام "بطريقة تجريبية" في الأشكال القائمة، أو بالتالي "كيف تتعامل الدراما المصرية مع الموضوعات والمخاوف السياسية المُتعلـِّقة أيضًا بمجتمعنا".
وفي الواقع تطرح المسرحيَّات المجموعة في حكايات التحرير - بحسب ريبيكا ماجور - بشكل خاص أيضًا قضايا الفساد والتفاوت الطبقي وعنف الشرطة، وكذلك التعامل مع المهاجرين واللاجئين، بالإضافة إلى "موضوعات كثيرة أخرى، لا تقتصر أهميَّتها على العالم العربي".
وهذه الأعمال يمكن أيضًا أن تكون مصدر إلهام لمعالجة صراعات وجودية أخرى. فمسرحية "البحث عن سعيد أبو النجا" من تأليف أحمد حسن البنا تحكي قصة الشرطي سعيد أبو النجا، الذي قَتَل متظاهرًا بالرصاص. وتتصدَّر هذا العمل أسرة سعيد أبو النجا ونظرتها إلى ابنها المفقود وأفعاله. وهذه المسرحية يمكن بالتأكيد أن تشير أيضًا إلى جرائم القتل المرتكبة من قبل رجال الشرطة في بلدان أخرى وفي ظلِّ ظروف مختلفة.
وريبيكا ماجور تأمل في أنَّ تصل هذه المسرحيَّات العشر باللغة الإنكليزية إلى روَّاد المسرح وكذلك إلى طلاب الجامعات. وحول ذلك تقول: "بصفتي أستاذة للمسرح والتمثيل في الولايات المتَّحدة الأمريكية أستطيع أن أقول لكم إنَّ مراجعنا تقتصر بمجملها وبشكل عام على المسرحيَّات الأوروبية والأمريكية". وهذه المجموعة يمكن أن تساهم في تغيير ذلك.
مارسيا لينكس كويلي
عن الألمانية ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017