محل جزارة غير مألوف في باريس...مثال للتعايش السلمي
"تعال...اخرج يا يحيى"، ينادي بائعان مغربيان ضاحكيْن مع زميلهما الجزائري، الذي اختفى كي لا يقابل صحفيا، والزبائن في المحل يبتسمون. إنه يوم جمعة وبعد ساعة سوف تغلق مجزرة أرجون كي يتسنى للمسلمين العاملين فيها أداء صلاة الجمعة، ويبدأ السبت لدى اليهود العاملين في المجزرة.
يقول فيليب زريبي، اليهودي ذو الأصول التونسية: "العمل المشترك يسير على ما يرام هنا". يوجد في المحل مصلى للمسلمين وأحياناً يتناول العمال طعام الغداء معاً.
مجزرة زريبي ليست أمراً بديهيا في مدينة شهدت قبل فترة هجمات نفذها متدينون متعصبون، وتزداد فيها التقارير عن معاداة السامية. لكن المجزرة الواقعة في منطقة هادئة باتت رمزاً للتعايش السلمي. ففي منطقة شمال باريس يعيش حوالي 200 ألف شخص من 120 جنسية. والمنطقة مثال لمجتمع متعدد الثقافات.
ورغم أن إحصاءات فرنسا لا تشمل العرق ولا الدين، إلا أن عدد اليهود في هذا الحي يقدر بثلاثين إلى أربعين ألفاً، وهو بذلك من أكبر أحياء اليهود في مدينة أوروبية، كما يقول رئيس البلدية ماهور شيش ويعيش في هذا الحي مسلمون كثيرون وخاصة من المغرب.
تنامي عدد الهجمات في فرنسا
يرفض فرنسيون كثيرون المجتمع المتعدد الثقافات، وبحسب إحصائيات أعلنها وزير الداخلية، فقد شهدت البلاد 400 اعتداء على المسلمين في عام 2015 و800 اعتداء على اليهود. وبعد مهاجمة شاب كردي ليهودي يرتدي قبعة في مرسيليا، يفضل كثير من اليهود عدم ارتداء الطاقية التي تميز لباسهم. ويقول سامي غزلان، مدير مكتب مناهضة معادة السامية في باريس "أنا متشائم وسأبقى كذلك"، وهو يضع اللائمة على شبان مسلمين ومتطرفين يمينيين فرنسيين.
رئيس بلدية الدائرة 19: لا بد من فعل شيء
الدائرة التاسعة عشرة لديها مشاكلها الخاصة، فالأخوان اللذان هاجما مكتب مجلة شارلي إيبدو عاشا فيها، و"بعض شبان الحي سافروا إلى الفلوجة بالعراق ونفذوا عمليات انتحارية"، كما يقول رئيس البلدية. ويضيف: "هؤلاء أقلية، لكن هذه الأفعال أظهرت للجميع أنه يجب فعل شيء ما هنا". وفعلا بدأت البلدية بتنفيذ برامج خاصة، واليوم فإن الأعمال العدائية ومعاداة السامية تراجعت كثيراً في الدائرة 19.
اليهود والمسلمون يداً بيد
يقول الحبر ميشيل سرفاتي، الذي يرأس مبادرة صداقة لليهود والمسلمين، إن أبناء الطائفتين يصافحون بعضهم البعض: " اليوم يقول كثيرون، إنهم لم يعودوا يطيقون العيش بهذا التوتر وسوء الفهم بين الطرفين، وهذا النهج بالانفتاح على الآخر هو أمر جديد".
مجزرة أرجون هي مثال على التعايش، كما يقول صاحبها زريبي: أهم شيء هو طريقة ذبح الحيوانات"، وهي طريقة تجعل اللحم "كوشر" لليهود و"حلال" للمسلمين.
زريبي ولد بمدينة صفاقس التونسية وجاء في الستينيات إلى باريس. هنا افتتح والده المحل، الذي يديره الآن مع شقيقه. وهنا يعمل المغربي مصطفى مخوخ منذ 18 عاماً، ويقول: "لا أجد أي مشكلة في العمل لدى اليهود". ويضيف زميله المغربي عبد الحق: "في المغرب كنا نعيش أيضا مع اليهود". وهما يتفقان مع زريبي بأن السبب في تدهور الوضع بين اليهود والمسلمين في فرنسا هو الجيل الجديد من الشباب، الذين لم يتلقوا تربية صارمة، كالتي تلقوها هم".
نتائج هذا التوتر واضحة في مجزرة أراجون، إذ يزداد عدد اليهود الذين يأتون لوداع صاحب المجزرة وعماله. ففي السنوات الأخيرة هاجر آلاف اليهود الفرنسيين إلى إسرائيل: "فهم لم يعودوا يشعرون بالأمان هنا"، يقول زريبي.
إليزابيت بريانت
حقوق النشر: دويتشه فيله/ موقع قنطرة 2016