هل يستعيد الجامع الأزهر مكانته في العالم الإسلامي؟
الفاتيكان وجامعة الأزهر في القاهرة: سار اللقاء بين البابا والإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر من دون أية أخطاء، مثلما سار أيضًا مؤتمر السلام الدولي الذي انعقد في أقدم جامعة سُنِّية في العالم الإسلامي.
خلال فترة بابوية البابا بنديكت تم تجميد الحوار الذي جرى بالفعل أربعين عامًا بين المؤسَّستين: فقد استاء الأزهر من خطاب البابا في ريغنسبورغ، وكان الفاتيكان غير مقتنعًا بصدق جهود الأزهر من أجل الحوار بين علماء الدين والفقهاء.
في الجامع الأزهر يَعتبِر المعنيون أنفسهم مثل "فاتيكان إسلامي". هذا الجانب –مقروناً بتصور أنَّ بإمكان أسقف روما أيضاً السعي للوصول إلى شيء باعتباره حاكمًا لمملكة دنيوية ذات حكم مطلق– كان قد غذَّى قناعةً –إلى أن وقعت القطيعة في هِبَة النيل– بأنَّ من المنطقي المحافظة على شكل من أشكال المشاركة بين المؤسَّستين.
وهكذا فقد اعتمدت كلتا المؤسَّستين، الفاتيكان والجامع الأزهر، بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر إعلانًا مشتركًا، أدانتا فيه العنف باسم الدين. ولكن بعد فترة قصيرة فقط عبَّر علماءُ الأزهر عن استحسانهم للتفجيرات الانتحارية الإسلامية؛ الأمر الذي تم الاطلاع عليه باستغراب لدى الكرسي الرسولي في الفاتيكان.
كلُّ هذا أراد البابا فرانسيس أن يجعله نسيًا منسيًا، ومثل ذلك حقيقة وجود متشدِّدين في روما في عهد البابا بنديكت السادس عشر كانوا يُفضِّلون إلغاء المجمع الفاتيكاني الثاني والتراجع عن دعوته إلى توطيد الحرِّية الدينية في جميع أنحاء العالم والسعي إلى الحوار مع الطوائف والجماعات الأدينية الأخرى. والآن تمت إعادة كلِّ شيء إلى الصفر والبداية من جديد. وهذه الفرصة تعتبر أكبر بالنسبة للأزهر مما هي عليه بالنسبة للفاتيكان.
جامعة الأزهر، التي تمتلك من دون شكِّ سلطة كبرت على مدى التاريخ، باتت عرضةً لضغط مزدوج: من ناحية ضغطٌ يأتي من الخارج، أي من العالم غير الإسلامي، الذي تُقدِّم نفسها فيه كشريك في الحوار، غير أنَّها غالبًا ما لم تكن تُقدِّم في الماضي العناية الضرورية والنُضج الأكاديمي، اللذين يتوقَّعهما المرء في الواقع من مثل هذه المؤسَّسة. ومن ناحية أخرى يأتي الضغط من الأمة الإسلامية نفسها، وذلك لأنَّ مركز الأمة الإسلامية لم يعد موجودًا في العالم الناطق باللغة العربية، بل بعيدًا عنه في إندونيسيا وماليزيا.
ومعضلة الأزهر المزدوجة هذه تعتبر بمثابة صورة رمزية للوضع الموجود فيه الإسلام بشكل عام: وهنا يأتي الضغط من الخارج، أي ضغط تطوُّر الحداثة، الذي يُشكِّل منذ مئتي عام تحدِّيًا بالنسبة للمرجعيَّات الإسلامية ويذهلها. إذ إنَّ ما يُعتبر في الغرب حداثةً، يحمل دلالات إيجابية: مثل اختراع غوتنبرغ للطباعة وحقوق الإنسان والفصل بين السلطات.
في العالم العربي الإسلامي يُحدِّد بدايةَ الحداثة تاريخٌ ذو دلالة سلبية: أي دخول نابليون وجنوده إلى مصر في عام 1798. وهذا الربط السلبي لا يزال له تأثيره حتى وقتنا الحاضر. وكذلك يوجد رجال دين مسلمون يشيرون إلى أنَّ حالة الصدمة، التي أفضت إلى وضع الضحية والركود الاقتصادي والثقافي في المنطقة، لا بدَّ مع ذلك من التغلـُّب عليها في يوم ما.
ويوجد الضغط من الداخل: فالمسلم في نيجيريا يستطيع اليوم أن يرى بفضل شبكة الإنترنت ويعرف بماذا يُفكِّر المسلم في باكستان، وبماذا يشعر وكيف يُفسِّر الإسلام لنفسه ويعيش الإيمان. فاللقاء مع الحداثة لا يعني في الواقع الثلاجات والسيَّارة فقط، بل يعني أيضًا وجود خُطَبٍ على موقع يوتيوب ومجموعات تهتم بالموضوعات الإسلامية على موقع الفيسبوك. ما هو الإسلام الحقيقي؟ هذا النقاش يجري عبر الأمة الإسلامية، عبر جميع الدوائر الثقافية، التي يتمتَّع فيها الإسلام بقوة تأثير.
منافسة على سيادة التفسير في الإسلام
من الممكن بشكل جيِّد جدًا مقارنة ذلك بما عاشته الطائفة الإنجيلية منذ سنوات: شمالٌ أكثر ليبرالية يواجه جنوبًا محافظًا. الكنيسة وقفت أكثر من مرة أمام انقسامها، وكان الجدل يثور حول عمل النساء كقسيسات وحول المثلية الجنسية. الأمة الإسلامية تُحدِّد اتِّجاهها من جديد، والأوراق بات يتم خلطها من جديد، والمؤسَّسات الكلاسيكية –مثل الجامع الأزهر– لم تضمن لنفسها بَعْدُ منذ وقت طويل المكانة –في المستقبل– التي كانت تحتلتها في الماضي.
وفي الحقيقة توجد منافسة: فعندما ادَّعى الخليفة المشؤوم زعيم ما يعرف باسم "الدولة الإسلامية" لنفسه حقِّ السيادة على المليار وربع المليار مسلم في العالم، لم يواجهه الجامع الأزهر، بل واجهه طرفٌ فاعلٌ جديد: فقد أعلن مائةٌ وثلاثون فقيهاً وعالم دين من داخل العالم الإسلامي ومن خارجه في لهجة مُلزمة لماذا لا يمكن من الناحية الشرعية لأبي بكر البغدادي أن يدَّعي لنفسه الحقَّ بلقب الخليفة.
وبالنسبة للمراقب المسيحي فإنَّ هذا الحشد الدولي من المرجعيَّات الإسلامية يُذكِّر بإنشاء المجامع الكنسية، التي يتصارع فيها اللاهوتيون المسيحيون على المذهب الصحيح، ليصلوا في نهاية المطاف إلى توافق. كما أنَّ ما صاغه الفقهاء وعلماء الدين المائة والثلاثون على الورق، وهو حتى في صياغة لغوية مسيحية، لا يقل عن طرد أبي بكر البغدادي وحرمانه، وهو ما يعني أنَّ البغدادي لم يعد يعتبر مسلمًا.
في عالم مُعَوْلَم، إنَّ مثل هذه المبادرة التي أطلقها المائة وثلاثون فقيهًا وعالم دين إسلامي تمثِّل نموذجًا رائدًا. وإذا قُدِّر لهذه المبادر أن تصبح قدوًة يُحتذى بها، فعندئذ سيكون الجامع الأزهر مجرَّد صوت واحد فقط من بين أصوات كثيرة. وربَّما لن يقبل الفقهاء والعلماء في القاهرة بذلك من دون صراع. ولذلك فإنَّ مؤتمر السلام الدولي في القاهرة كان بمثابة لفتة للتعبير عن القوة: نحن ما زلنا قادرين على التعبئة.
ألكسندر غورلاخ
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2017